مناشدة "حسين" لجبهة لندن.. محاولة لسحب البساط تؤجج صراع الإخوان

طارق أبو السعد

هل أدرك محمود حسين النهاية والجماعة إلى زوال؟ أم يخشى سحب البساط من تحت أقدامه لصالح تيار ثالث؟..

تساؤلات كثيرة أثارها "محمود حسين" الأمين السابق لجماعة الإخوان (جبهة إسطنبول) عقب مناشدته أتباع "جبهة لندن" الانضمام إليه. 

المناشدة التي جاءت عبر بيان أصدره، مساء الثلاثاء، اعتبرها خبيران في تصريحات لـ"العين الإخبارية" محاولة من محمود حسين لإرباك جبهة لندن خاصة مع اقتراب تسمية القائم بأعمال المرشد الجديد للإخوان ولسحب البساط من تحت أقدامهم، ونسخة متجددة من الصراع على قيادة الجماعة بين جناحيها الرئيسيين. 

وفي ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء أصدرت "جبهة إسطنبول" بيانًا غلب عليه روح التمسكن، استشهد فيه بآيات من القرآن الكريم من بنيها " وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ" ( البقرة 281 )، وكأنه يقول لغرمائه في جبهة لندن "اتقوا الله" أي أنهم على معصية، ثم استخدم آية قرآنية في آخر البيان وهي " وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” ( الروم4-6).

وكأنه يعدهم بنصر الله لو أنهم عادوا إليه وإن رفضوا فهم السبب في الهزيمة، وما بين الآيتين قرابة 500 كلمة لا تخرج عن فكرتين مركزيتين الأولى أنه هو صاحب المنصب، ولن يعترف بالبديل الجديد، والثانية أنه يقبل بعودتهم إلى صفه مرة ثانية منعا للانشقاق، متدثرًا بقضايا الإخوان في مصر ومزايدًا على الجميع بالمحبوسين وأسرهم، وطالبهم بحفظ الود الذي كان بينه وبينهم، متهمًا إياهم بأنهم "ظالمون له"، ثم استخدم بيت شعر لطرفة بن العبد: "ظلم ذوي القربى أشد مضاضة .. على المرء من وقع الحسام المهند".

وبحسب البيان يعود محمود حسين ويكرر اتهاماته السابقة لجبهة لندن، ويحذر من محاولة فرض أشخاص بعينهم لتولي المنصب المتنازع عليه، وهي الخطوة التي يخشاها "حسين" كثيرًا، والتي تأخر أتباع منير في اتخاذها بشكل لافت للنظر.

وحول دوافع محمود حسين لإصدار بيان في هذا التوقيت وما هي دلالاته، يرى طارق البشبيشي القيادي السابق في الجماعة والكاتب والباحث في الإسلام السياسي، أن الصراع داخل تنظيم الإخوان بين تيارات فكرية مختلفة، وبين أجيال متفاوتة يعد السمة الدائمة للجماعة، ولكنه كان طي الكتمان في العقود الأربعة الماضية.

إرباك جبهة لندن

وأضاف في تصريح لـ "العين الإخبارية" أن "صراع الإخوان الداخلي أمر متوقع، فعملية التجنيد لم تتم وفق معايير واحدة تجعل الجماعة متجانسة بل كانت تتم لضم أعداد كبيرة يمكن أن تكون ظهيرًا شعبيا لقيادة الجماعة، ومع المدى البعيد، اكتشف كل فرد أنه انضم للإخوان بطريق مختلف ولهدف مختلف، فإما أن يخرج ويغادر الجماعة، وإما أن يظل ويكافح ليفرض رؤيته على الجميع، ومن هنا تنشأ الصراعات الداخلية." 

وأشار إلى أن إصدار البيان في ساعة متأخرة ربما لأن الجبهة المنافسة له قد انتهت تقريبًا من تسمية القائم بأعمال المرشد الجديد، فهناك العديد من الإشارات أن مجموعة منير كانت تنتظر لنهاية المنديال لتبايع صلاح عبد الحق أو غيره "مرشدًا بالإنابة، فأراد إرباك خصومه ".

وحول قدرات محمود حسين على فرض سيطرته على الجماعة، أكد القيادي الإخواني السابق:" لا أحد يمكنه يفرض سيطرته على الجماعة كاملة فالانشقاق متحذر في التنظيم هذه المرة، ولن يسيطر فريق على الآخر، بل هناك فريق سيزيح الآخر، ويستولي على مقدرات الجماعة.

 ويستطرد البشبيشي قائلا:" لا يخضع اعتراف المخابرات البريطانية لقواعد القوة والسيطرة، أي ليس بالضرورة أن يكون الفريق الذي سيحظى براعيتها هو الأكثر عددًا، بل المهم أن يكون الأكثر طاعة وقدرة على تنفيذ المطلوب، وكلا الفريقين يحاولان أن يكون هو المشمول بالرعاية والحماية.

نسخة جديدة

بينما يرى هشام النجار الكاتب والباحث في الإسلام السياسي، أن البيان معبر عن نسخة متجددة من الصراع على قيادة الجماعة، بين جناحيها الرئيسيين في لندن وإسطنبول.

وقال في تصريح لـ "العين الإخبارية" أن الصراع على قيادة الإخوان لم يتوقف حتى بعد موت إبراهيم منير نائب المرشد والقائم بالأعمال السابق، ليستمر التنافس بين حسين وغريمه الجديد "صلاح عبد الحق" البديل المحتمل لمنير.

وتابع النجار: "حاول البيان توظيف الحالة المصرية كعامل ترجيح لكفة جبهة إسطنبول، وهذه الإشارة مهمة كونها تبرز مناورة محمود حسين الذي يزايد بشكل غير مباشر على جبهة لندن موقفها المرن حيث سبق اتهامها التخاذل وخيانة القضية بعرضها التصالح مع النظام المصري".

ويستطرد النجار:" لا يغازل بيان محمود حسين قواعد داخل مصر فحسب، بل يغازل غالبية عناصر الجماعة المتضررين من التقارب المصري التركي وينظرون إلى أنفسهم كضحية لهذا المسار".

ويرى أن توقيت البيان مرتبط بالأنباء التي راجت حول تصعيد القيادي القطبي "صلاح عبد الحق" بديلًا عن إبراهيم منير، فضلًا عن تزامن البيان مع بدء التحركات على الجانب الآخر لتدشين هيكل منافس والشروع في ترتيب وتنظيم صفوف جبهة لندن تمهيدًا لخوض مرحلة جديدة من الصرع لنزع الشرعية عن حسين ومجموعته"

وعلى صعيد الدلالات يرى النجار أن " استمرار جولات الصراع على القيادة بوجوه وأسماء جديدة، واللجوء لتوظيف المشهد المصري للمزايدة واكتساب شرعية القيادة اعتمادًا على السيولة التي يعانيها تنظيم الإخوان في مصر وعدم قدرة القيادات المسجونة والقواعد الكامنة وخلايا الجماعة النائمة على إبداء رأي واضح ومعلن لذلك يستغل محمود حسين عجز الإخوان في مصر عن إظهار الانحياز لإحدى الجبهتين أو التكلم في أي شأن تنظيمي لكسب ورقة إخوان مصر لصالحه"

وكانت أعلنت جبهة لندن محيي الدين الزايط قائما بتسيير الأعمال بشكل مؤقت لمدة لم تحدد، وكان من المنتظر أن تنتهي قبل أسابيع، إلا أن ثمة تقارير تفيد أن الجبهة قررت تعيين القيادي السابق صلاح عبد الحق خلفًا لمنير الذي وافته المنية مؤخرا في لندن، وما زالت الجماعة تعاني الانشقاق والتشظي ومغادرة أعداد كبيرة صفوفها.

عن "العين" الإخبارية