مناورة الغنوشي بالتخلي عن رئاسة "النهضة"... هل تُعيد الحركة إلى المشهد السياسي؟

مناورة الغنوشي بالتخلي عن رئاسة "النهضة"... هل تُعيد الحركة إلى المشهد السياسي؟


11/08/2022

لم يعد لحركة النهضة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في تونس، أيّ نصيب من اسمها، على ما يبدو، فقد وقعت الحركة الإخوانية في فخ أعمالها دون أيّ مؤشر على النهوض مجدداً، ولا سيّما في ضوء تورطها في عشرات الجرائم التي لم تدع نفيساً في الوطن إلا وأتت عليه لصالح أجندات خارجية، ممّا دفع زعيمها راشد الغنوشي إلى مواصلة محاولات إنقاذ الحركة، التي دخلت في غيبوبة ما قبل الموت، عبر مناورات عدة آخرها اختزال الحركة، المسؤولة عمّا سمّاه التونسيون "العشرية السوداء"، في شخص الغنوشي، حتى إذا رحل عنها، استعادت "النهضة" ولو جزءاً بسيطاً من بريق زائف حققته في الماضي، بعد سطوتها على ثورة الشعب التونسي.     

وفي محاولة بائسة للتسلل إلى المشهد السياسي التونسي مجدداً عبر شخصنة حركة النهضة واختزالها في الغنوشي، أبدى زعيم الحركة الإخوانية استعداده "التخلي عن رئاسة الحركة" في حال "تقدم أيّ طرف بتسوية للمشكل التونسي"، غير أنّ أحداً لم يطرح أيّ تسوية تضم حركة النهضة، أو تشير إلى احتمالية عودتها إلى المشهد السياسي، ولا سيّما في ضوء سخط شعبي انعكس نسبياً في الإقبال على الاستفتاء على دستور جديد، الذي يُبشر بـ"جمهورية جديدة" بدون "النهضة" ومشتقاتها، فضلاً عن رفض دعوات الحركة الإخوانية المشاركة في تظاهرات ضد الرئيس قيس سعيّد والدستور الجديد في 23 تموز (يوليو) الماضي.

أبواب مغلقة

استعداد الغنوشي للتخلي عن رئاسة حركة النهضة، في الواقع، لم يكن زلة لسان، وإنّما نبع من إدراك واسع لحقيقة أنّ الدستور الجديد أغلق كافة الأبواب أمام عودة الحركة الإخوانية، التي يتهمها التونسيون بالمسؤولية عن "العشرية السوداء" التي فاقمت أزمات الاقتصاد التونسي، وسلّمت تونس لأجندات خارجية على يد حكومات النهضة ومسؤوليها.

يُنظر إلى نسب الاستفتاء على الدستور على أنّها انتصار شعبي لسعيّد في مواجهة حركة النهضة

تصريحات الغنوشي، في حواره مع وكالة "الأناضول" التركية، في الحقيقة، عكست محاولاته للخروج من دائرة مغلقة لا ثغرات فيها بأقلّ الخسائر، حتى لو اضطر إلى الانسحاب ظاهرياً تناغماً مع عادة جماعة الإخوان المسلمين خلق انشقاقات وهمية تمكنها من اللعب على كل الأوتار، والإمساك بكل خيوط اللعبة، مع تحين اللحظة المناسبة للإمساك مرة أخرى بزمام الأمور.

فشل وارتباك

تصريحات الغنوشي المتخبطة تأتي في أعقاب سلسلة من الفشل الذريع مُنيت بها كل محاولات حركة النهضة لتقزيم نسب المشاركة في الاستفتاء على الدستور الجديد، الذي يقر واقعاً جديداً يتصدى للأحزاب ذات المرجعية الدينية، وفي مقدمتها الحركة الإخوانية، والتشكيك في نزاهة عملية التصويت للانطلاق في تحريض جديد ضد سعيّد، الذي وضع التخلص من عشرية الإخوان السوداء هدفاً لا حياد عنه لاستعادة تونس ممّن سلبوها زوراً باسم الوطن والدين والثورة.

 

جرائم النهضة دفعت زعيمها راشد الغنوشي إلى مواصلة محاولات إنقاذ الحركة التي دخلت في غيبوبة ما قبل الموت، عبر مناورات عدّة

 

مناورة الغنوشي لم تخلُ كالعادة من تحريض التونسيين وتأليبهم ضد الرئيس قيس سعيّد، فقد ادّعى رئيس الحركة أنّ "أغلبية الشعب التونسي في حالة مقاومة" للمسار الذي أعلنه سعيّد، لكنّه تجاهل أنّ دعوات "النهضة" للتظاهر ضد سعيّد لم تلقَ استجابة من الشعب التونسي، الذي عبّر، في المقابل، عن دعمه للرئيس التونسي في مواجهة الحركة الإخوانية من خلال صناديق الاقتراع، التي شهدت نسبة تأييد للدستور الجديد، الذي يمهد للتخلص من "النهضة"، بـ94.6%، وهو فوز فسّره المراقبون على أنّه ضوء أخضر لسعيّد للمضي قُدماً في مواجهته مع الحركة الإخوانية، التي تواجه اتهامات كذلك بالتورط في ملف الاغتيالات السياسية التي طالت عدداً من النشطاء في 2013

 

أبدى زعيم الحركة الإخوانية استعداده "التخلي عن رئاسة الحركة"، في حال "تقدم أيّ طرف بتسوية للمشكل التونسي".

وفي حين يُنظر إلى نسب الاستفتاء على الدستور على أنّها انتصار شعبي لسعيّد في مواجهة حركة النهضة، التي تواجه اتهامات عدة بالفساد المالي والسياسي وتنفيذ أجندات أجنبية، إلى جانب التورط في الاغتيالات السياسية التي طالت عدداً من النشطاء في 2013، أصرّ الغنوشي، في حواره مع وكالة "الأناضول"، على المضي في أكاذيبه، ورفضه الواقع الجديد، زاعماً أنّ الرئيس التونسي، الذي انتخب في 2019 بـ 73%، "فقد شعبيته التي صعد بها".

 تمسك بالسلطة

بعد حوار الغنوشي واستعداده التخلي عن رئاسة الحركة في سبيل إعادتها إلى المشهد السياسي التونسي، سارع إلى التراجع عن ذلك الاستعداد قائلاً: إنّ الحركة لن تبادر "بالتنازل عن موقعها"، متسائلاً: "لمصلحة من؟ ولرغبة من؟".

وبين التصريحين قد يصبح أكثر وضوحاً سعي الغنوشي لإجراء عملية تجميل لحركة النهضة، التي اهتزت صورتها بشدة مؤخراً على خلفية تورطها في عدد من الجرائم التي تمسّ بأمن الدولة التونسية وتتلاعب بأقوات الملايين من الشعب التونسي في سبيل تحقيق أجندات أجنبية تصبّ في مصلحة الحركة وجماعتها الأم: جماعة الإخوان المسلمين، وتعتبر تونس مجرد محطة في طريق الإخوان للوصول إلى الحكم وتنفيذ مشروع الجماعة الدولي.

كشفت هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي تورط النهضة والغنوشي في الاغتيالات التي طالت عدداً من النشطاء السياسيين

وفي مطلع شباط (فبراير) الماضي، كشفت هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، في ندوة صحفية، بـ"الوثائق" تورط حركة النهضة وزعيمها راشد الغنوشي في الاغتيالات السياسية التي طالت عدداً من النشطاء السياسيين، وفي مقدمتهم بلعيد في عشرية الإخوان، وكشفت تورط الغنوشي ونجله، إضافة إلى آخرين، في جرائم غسيل الأموال، والقيام بتحركات مالية مشبوهة مع أطراف مرتبطة بدولة قطر لتمويل عمليات تسفير شبان تونسيين إلى سوريا للالتحاق بمعسكرات "داعش"، فضلاً عن الاعتداء على أمن الدولة الداخلي، والتجسس على التونسيين.

 وقال رضا الرداوي، عضو هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي، في الندوة الصحفية نفسها: إنّ جمعية تأسست في 2011 تحت اسم "نماء تونس" كان هدفها تشجيع الاستثمارات الأجنبية، وتورطت في جرائم التسفير (تسفير شباب تونسي للقتال بمناطق النزاع والحروب)، وتم فتح أبحاث جزائية أوّلية، سرعان ما لاحقتها يد حركة النهضة الإخوانية عبر ذراعها في القضاء، وتمّ وقف التحقيق.

 

مواضيع ذات صلة:

تونس: الغنوشي انتهى سياسياً فهل تختفي "النهضة"؟

تونس: دماء شكري بلعيد ومحمد البراهمي تطارد الغنوشي

اعترافات الغنوشي: إعلان هزيمة أم خداع سياسي؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية