مناورة جديدة في طرابلس: كيف سينعكس اتفاق تركيا مع حكومة الدبيبة على أزمة الطاقة العالمية؟‎‎

مناورة جديدة في طرابلس: كيف سينعكس اتفاق تركيا مع حكومة الدبيبة على أزمة الطاقة العالمية؟‎‎

مناورة جديدة في طرابلس: كيف سينعكس اتفاق تركيا مع حكومة الدبيبة على أزمة الطاقة العالمية؟‎‎


01/11/2022

بلال عبدالله

استناداً إلى مذكرة التفاهم الموقعة في نوفمبر 2019 بشأن الصلاحيات البحرية، وقّع كلٌّ من تركيا وحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، في الثالث من أكتوبر 2022، مذكرة تفاهم جديدة تسمح لتركيا بالتنقيب عن النفط والغاز في المياه الليبية. وقد أثار الاتفاق اعتراض أطراف داخلية وخارجية عدة، انطلاقاً من الموقف العدائي لهذه الأطراف تجاه حكومة الدبيبة أو تركيا. لكن بعيداً عن خريطة الاستقطابات السياسية، يمكن المجادلة بأن الاتفاق يكتسب بعض الأهمية عند النظر إليه من زاوية أزمة الطاقة التي تواجهها الدول الغربية، وبالتحديد أزمة أسعار النفط، والبدائل الأوروبية للغاز الروسي. 

التعويل الأمريكي على زيادة إنتاج النفط الليبي

في ضوء استحكام الخلافات بين دول أوبك بلس، وتحديداً روسيا والسعودية، وبين الدول المتضررة من ارتفاع أسعار النفط، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، فإن زيادة إنتاج النفط الليبي تعد من الأدوات القليلة بالنسبة للدول المتضررة التي يمكن من خلالها كبح الزيادات السعرية الناتجة عن تخفيض مستوى الإنتاج، لاسيما بعد قرار أوبك بلس الأخير القاضي بخفض مستوى الإنتاج بمقدار 2 مليون برميل يومياً بدءاً من نوفمبر 2022، الأمر الذي يكاد يتسبب في أزمة بين واشنطن والرياض، وفق ما ظهر في التصريحات الحادة المتبادلة بين الطرفين.

في هذا السياق تعد ليبيا ضمن الحلول التي يمكن لواشنطن الاعتماد عليها لمواجهة سياسة تخفيض الإنتاج على الجهة المقابلة، وذلك في ضوء الإعفاء الذي تتمتع به ليبيا من قيود الإنتاج التي تقررها مجموعة أوبك بلس، وهو الإعفاء الهادف لتعويض الاقتصاد الليبي عن سنوات التراجع أو التوقف القهري في الإنتاج بسبب ظروف الحرب الأهلية منذ 2011.

يُدرك القادة الليبيون أهمية هذا الدور جيداً، فعلى سبيل المثال، حثّ رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة دول أوبك في مارس الماضي على زيادة الإنتاج لمواجهة أزمة الطاقة، مُعلناً وضع حكومته خططاً سريعة لزيادة الإنتاج والتصدير على المديين القصير والمتوسط. ويمثل هذا الموقف توجهاً معاكساً لتوجه أوبك بلس، بشكل قد لا يكون بعيداً عن رغبة الدبيبة في استمرار حيازة الدعم الأمريكي في مواجهة الأطراف الرافضة لاستمراره في السلطة.

عملياً، وبينما كانت أسعار النفط العالمية تشهد ارتفاعاً كبيراً هذا العام، شهد النفط الليبي زيادة كبيرة في مستوى الإنتاج، فبعد أن كان الإنتاج قد تدنَّى منتصف يونيو الماضي إلى حوالي مئة ألف برميل يومياً فقط، في حالة عكست شلل القطاع النفطي الليبي، تجاوز هذا الإنتاج حاجز المليون ومئتي ألف برميل يومياً خلال شهر أغسطس، مع عزم المؤسسة الوطنية للنفط الوصول إلى معدل إنتاج اثنين مليون برميل يومياً. 

وفي هذا الإطار يمكن وضع خطوة الاتفاق الليبي التركي، الذي سينعكس بطبيعة الحال على معدلات الإنتاج اليومي لليبيا، في ضوء عدم وجود سقف محدد للإنتاج. والزيادة المرتقبة في الإنتاج النفطي الليبي قد لا تستغرق وقتاً طويلاً؛ فعلى سبيل المثال، صرّح وزير النفط محمد عون منتصف عام 2021 بأن الإنتاج الليبي من الممكن أن يصل إلى 1.6 مليون برميل يومياً بحلول منتصف 2022، وأن الأمر يتوقف على وجود تمويل كافٍ، ما يعني وجود إمكانية لتحقيق زيادة سريعة في الإنتاج خلال أقل من عام إذا توفر التمويل اللازم. وعلى هذا النحو قد يمثل الاتفاق مع تركيا نافذة لتوفير التمويل المنشود.

أوروبا وإمكانية زيادة الاعتماد على الغاز الليبي

يكتسب الاتفاق أهمية كبيرة من منظور توجه الدول الأوروبية نحو وقف اعتماد دول الاتحاد على الغاز الروسي بعد غزو الأراضي الأوكرانية، والبحث عن مصادر أخرى بديلة لإمداد تلك الدول باحتياجاتها من الغاز الطبيعي، حيث تعد ليبيا من المصادر المحتمل زيادة الاعتماد عليها طاقوياً. 

في الوقت الحالي، لا تصدر ليبيا إلى أوروبا سوى 24% من إنتاجها اليومي، وتذهب هذه الكمية المصدرة إلى إيطاليا؛ كما لا يسدّ الغاز الليبي إلا ما نسبته 15% من احتياجات إيطاليا. وبالمقارنة، فإن الصادرات الحالية لليبيا تعادل حوالي 3.3% فقط من الصادرات الروسية، و10% من الصادرات الجزائرية. ويتم التصدير من ليبيا إلى إيطاليا عبر أنبوب السيل الأخضر الممتد عبر البحر من مجمع مليتة النفطي قرب زوارة إلى الساحل الإيطالي؛ وتبلغ الطاقة الاستيعابية القصوى للأنبوب حالياً 8 مليار متر مكعب، ويجري التخطيط لرفعها إلى 11 مليار، في حين أن ليبيا لا تقوم بتصدير الغاز المسال الذي يُنقَل عبر السفن.

تشير هذه البيانات إلى أن ليبيا لا تمثل ثقلاً كبيراً في تلبية الاحتياجات الأوروبية من الغاز، غير أن هناك نقطتين يمكن توضيحهما بخصوص أهمية الاتفاق:

1. إن انخفاض الصادرات الليبية لا يعني صعوبة تحوّلها إلى مصدر مهم لتصدير الغاز، حيث تحتل المرتبة 21 عالمياً في احتياطات الغاز الطبيعي، كما أن جميع الكميات المصدرة تُستَخرَج من حقول برية وبحرية تقع في غرب وجنوب غرب البلاد، ومن ثم فهي تقع بعيدة نسبياً عن مناطق سيطرة قوات المشير خليفة حفتر؛ أما الغاز المستخرج من حقول المنطقة الشرقية فيذهب إلى الاستخدام المحلي. وكذلك الأمر بالنسبة للحقول التي سيجري استكشافها، حيث تقع أغلب المناطق الواعدة في المناطق البحرية الممتدة من طرابلس إلى زوارة، أي أقصى غرب الساحل الليبي، ما يجعلها بعيدة عن أي نفوذ عسكري محتمل للأطراف المعارضة للاتفاق.

2. إن الاتفاق قد لا يتعلق فقط بصادرات الغاز الليبي، إذ يبرز هنا الغاز النيجيري باعتباره مصدراً محتملاً لتصدير الغاز إلى أوروبا عبر ليبيا. وهذا المشروع مطروح للدراسة منذ يونيو الماضي، حيث يعد المسار الليبي أقصر بنحو ألف كيلومتر مقارنة بالأنبوب المار عبر الجزائر، الذي يقل بدوره عن الأنبوب المار عبر المغرب بنحو ألف وخمسمائة كيلومتر؛ وبعد دراسة، اُستُقرَّ على اتخاذ النيجر مساراً لعبور الأنبوب المزمع إنشائه بين نيجيريا وليبيا، حيث كان يجري المفاضلة بين كل من النيجر وتشاد.

ويمكن النظر إلى التحرك التركي الأخير في إطار حسابات أنقرة إزاء الصراع حول الغاز في شرق المتوسط، حيث توجد مصلحة مشتركة لكل من موسكو وأنقرة في عدم تحوله إلى بديل للغاز الروسي. وهنا يمكن الإشارة إلى الاقتراح الذي قدمه بوتين لأردوغان في قمة أستانة، بأن تكون تركيا وسيطاً لتصدير الغاز الروسي إلى أوروبا، وقد يكون العمل على هذا المقترح ورقة مساومة بالنسبة لأردوغان لضمان عدم تعطيل حلفاء موسكو المشاريع التركية للغاز في ليبيا.

الانعكاسات على مسار التسوية

على الرغم مما يمثله الاتفاق التركي الأخير مع حكومة عبدالحميد الدبيبة في إطار الصراع الغربي الروسي، من نافذة لمعالجة التحديات التي يواجهها الغرب فيما يتعلق بأزمة الطاقة على وقع الصراع مع روسيا، غير أن اللافت هو ما يمثله الاتفاق من محطة اختبار حقيقية لجدية التوافقات التي جرى التوصل إليها في دولة الإمارات يوليو الماضي بين الأطراف الليبية المتحالفة مع كلٍّ من واشنطن وموسكو في ليبيا حول إدارة القطاع النفطي، والتي بموجبها تولى فرحات بن قدارة، المحسوب على حفتر (وموسكو بالتالي)، رئاسة المؤسسة الوطنية للنفط، مقابل استمرار عملية الإنتاج والتصدير، والتي تصب عائداتها في المصرف المركزي الداعم للحكومة. 

وفي حالة صمود الاتفاق الحالي وإنفاذه، فإن المغزى المباشر يتمثل في أولوية تجميد الصراع في ليبيا لدى الأطراف الدولية، ومنْع الانزلاق إلى حالة الحرب مجدداً، ومن ثم عدم تحولها إلى ساحة مواجهة بين الدول الغربية وروسيا. ومن جهة أخرى، تظل أولوية توظيف الاستقرار النسبي في خدمة أجندة الطاقة الغربية عائقاً أمام التوصل لتسوية شاملة في ليبيا، نظراً لما تتطلبه التسوية الشاملة من حسم ملفات يصعب حسمها اليوم بوسائل غير قهرية، لذا تظل التوافقات الجزئية هي السائدة في المرحلة الراهنة من الصراع، ومن بينها التشارك في إدارة ملف الطاقة.

عن "مركز الإمارات للسياسات"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية