نصر الله يطيح التّرميم مع الخليج ولبنان الى المواجهة

نصر الله يطيح التّرميم مع الخليج ولبنان الى المواجهة


05/01/2022

سابين عويس

في الوقت الذي يجهد فيه اللبنانيون من أجل لملمة شتاتهم بعد الضربات اللامتناهية التي يتلقونها يومياً على مختلف مستويات حياتهم ومستقبلهم، تستمر السلطة السياسية في اللعب على وتر الشعبوية وشد العصب، استعداداً لانتخابات نيابية في أيار (مايو) المقبل، يفترض، إذا لم تطحها حوادث أمنية محتملة في الأشهر المعدودة القليلة الفاصلة عن موعدها، أن تعيد تكوين سلطة جديدة، يؤمل منها أن تخرق المشهد الداخلي المأزوم وتلجم الانهيار المؤسساتي والاقتصادي والمالي، وتنزع صاعق الانفجار الاجتماعي الذي بات قدراً محتوماً إذا استمرت الأزمة بكل تشعباتها من دون معالجات.

وفيما أطراف هذه المنظومة يتناتشون بعضهم بعضاً في عملية تقاذف مسؤوليات، كسباً لمقاعد جديدة أو على الأقل، حفاظاً على توازن أكثري قائم، خرج الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله في خطاب أشعل فيه النار الخافتة تحت رماد جهود حكومية لرأب الصدع مع دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.

كان الوسط المحلي يتوقع أن تتوجه كلمة نصر الله نحو الداخل لأكثر من اعتبار، منها أن الكلمة هي الأولى له مع إطلالة سنة جديدة مثقلة بالتحديات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، ما يعني أنه لا بد أن يتطرق الى التحديات التي تحملها السنة، انطلاقاً من موقعه النافذ في تركيبة السلطة، إن لم يكن الأول في النفوذ، وأنها تأتي كذلك غداة إطلالتين لرئيس الجمهورية ميشال عون في كلمة الى اللبنانيين، أراد منها التحضير لكلمة صهره رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل التي، وإن استهدفت بالهجوم المباشر كل من رئيس المجلس النيابي رئيس حركة "أمل" والشريك في ثنائية الطائفة الشيعية الى جانب "حزب الله"، ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، إلا أنها حملت في الواقع رسائل بالمباشر أيضاً لكن من دون هجوم على الحزب، في عملية استدراج عروض واضحة تهدف الى تخيير الحزب بين شريكه المسيحي أو شريكه الطائفي.

لكن نصر الله فاجأ الجميع بعدم تركيزه على الملف الداخلي والأفق السياسي للبلد في ظل التحديات التي تواجهه، أو على الصراع المتأجج بين حليفيه اللدودين. وقد خرجت تحليلات وتفسيرات عدة لهذا الموقف، وما ترتبه رمادية الحزب حيال المشهد الانتخابي. إلا أن الواقع أن نصر الله كان واضحاً جداً، وقد رسم خريطة طريق المرحلة المقبلة في شكل جلي، متجاوزاً كل الاعتبارات الداخلية، ولا سيما في ما يتصل بسياسة لبنان الخارجية. فهو بتجاوزه هذا أطاح كل جهود التهدئة الجارية على جبهة العلاقة مع دول الخليج، مؤكداً إبقاء المواجهة مفتوحة من خلال اتهام المملكة العربية السعودية بالإرهاب، وذلك رداً على الاتهامات الأخيرة للمملكة لعناصر الحزب في الانخراط في اليمن.

ماذا يرتّب الهجوم العنيف الأخير لنصر الله على السعودية؟ سؤال يقلق الوسط السياسي الذي يدور في فلك الخليج، خصوصاً أن العلاقات لم تستعد بعد حرارتها.

في رأي المراقبين أن موقفي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي رفض تهجم نصر الله، معتبراً أنه لا يعبر عن رأي الحكومة، أو رئيس الجمهورية الذي تمسك بالعلاقات الأخوية، لن يكونا كافيين لاحتواء تداعيات مواقف نصر الله. وأشار هؤلاء الى أن هذه المواقف تكرّس استمرار الحزب في استعماله لورقة لبنان في يد طهران، وتزيد من عزلته العربية. ولا يستبعدون أن تعيد المملكة النظر في قرارها تجميد الإجراءات التصعيدية والتي كانت التزمت به غداة التفاهم بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بناءً لطلب الأخير.

وهذا يعني في رأي هؤلاء أن لبنان ذاهب نحو مزيد من التأزم الداخلي، في ظل الانقسام السياسي حول العلاقة مع دول المحيط العربي الذي ينتمي اليه، حيث يرفض أفرقاء ممارسات الحزب لجهة ضربه مصالح لبنان في هذه الدول، بعدما اعتبر أمينه العام أن اللبنانيين العاملين هناك رهائن.

في أوساط الحزب تبرير للسقف العالي للحزب ضد المملكة، القائم على اقتناع بأن الضغط الخليجي عموماً والسعودي خصوصاً، يرمي الى ضرب الحزب وإسقاطه من خلال معادلة إسقاط الشعب اللبناني. أما في الأوساط المقابلة، فالاقتناع بأن لبنان بات رهينة الصراع السعودي الإيراني بالكامل، في ظل التغطية التي وفرها العهد والشريك المسيحي، ما جعل الانزلاق الى هذا المحور كاملاً، ولم يعد في الإمكان الخروج منه من دون تسوية دولية لم تنضج ملامحها بعد!

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية