هجوم أنقرة الإرهابي: الأهداف والدلالات

هجوم أنقرة الإرهابي: الأهداف والدلالات

هجوم أنقرة الإرهابي: الأهداف والدلالات


05/10/2023

نفّذ مسلحان هجوماً بالقنابل صباح الأحد الماضي أمام مدخل مديرية الأمن التابعة لوزارة الداخلية في العاصمة التركية أنقرة، وقد ألقت السلطات القبض على أحدهما، فيما فجّر الآخر نفسه، في عملية تمّت أمام مقر مديرية الأمن التابعة للوزارة.

ولاحقاً أعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن الهجوم، حسبما ذكرت وكالة أنباء (فرات) الإخبارية الموالية لحزب العمال الكردستاني، حيث نفّذت وحدة يطلق عليها اسم (لواء الخالدين) الهجوم في حوالي الساعة 9:30 صباحاً بالتوقيت المحلي، وفقاً للبيان الصادر عن قيادة مقر مركز الدفاع الشعبي على موقع الوكالة.

وقد حمّلت العملية الإرهابية في العاصمة أنقرة العديد من الدلالات المهمة، خصوصاً على مستوى عودة التهديد الإرهابي إلى الداخل التركي، فضلاً عن أنّها طرحت تساؤلات مهمة في القلب، منها طبيعة الجهة التي تقف خلف الهجوم، بحسب دراسة للباحث محمد فوزي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. 

حساسية التوقيت

وفق الدراسة، اكتسب الحادث الإرهابي الأخير في العاصمة التركية أنقرة أهمية خاصة بالنظر إلى بعض الاعتبارات الزمانية والمكانية المرتبطة به، فقد جاء الهجوم الإرهابي الأخير في أنقرة، بعد قرابة عام من مقتل (6) وإصابة (81) في تفجير بميدان تقسيم بشارع تجاري مكتظ بوسط إسطنبول في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، واتهمت تركيا مسلحين أكراداً بالمسؤولية عنه، والذي كان قد أعاد إلى أذهان الأتراك ذكريات موجة الهجمات التي نفذتها جماعات مسلحة في مدن تركية بين منتصف 2015 وأوائل 2017. 

أعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن الهجوم

وتشير الدراسة إلى أنّه في أعقاب هجوم (تقسيم) وحتى اليوم شهدت تركيا حالة من الهدوء النسبي على مستوى العمليات الإرهابية، إذ كان هذا النشاط مقتصراً إلى حد كبير على بعض الخلايا والمجموعات الصغيرة التي تقوم السلطات التركية بإيقافها بين الحين والآخر.

ما علاقة البرلمان 

يرى الباحث أنّ أحد الاعتبارات الزمانية المهمة التي أكسبت الهجوم الإرهابي في أنقرة أهمية كبيرة، يتمثل في تزامنه مع عودة البرلمان التركي للانعقاد في دورة جديدة لمناقشة بعض القضايا المهمة، وهي الدورة التي افتتحها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأشار إلى جملة من القضايا المهمة في مداخلته بهذا الخصوص، ومنها الدعوة إلى وضع دستور تركي جديد.

اكتسب الحادث الإرهابي الأخير في أنقرة أهمية خاصة بالنظر إلى بعض الاعتبارات الزمانية والمكانية المرتبطة به، فقد جاء الهجوم بعد قرابة عام من مقتل (6) وإصابة (81) في تفجير بميدان تقسيم بشارع تجاري مكتظ بوسط إسطنبول

وعلق أردوغان على الحادث الإرهابي قائلاً: إنّ "التنظيمات الإرهابية لن تمنع تركيا من مسيرتها وتحقيق أهدافها"، وإنّ "الإرهابيين اللذين نفذا الهجوم حاولا النيل من أمن تركيا وانتهاك أمن مواطنيها، لكنّهما فشلا في ذلك"، مؤكداً عزم تركيا على "استمرار مكافحتها للإرهاب في الداخل والخارج"، وفق تعبيره. 

سياقات تكثيف النشاط الإرهابي

لا يمكن قراءة الحادث الإرهابي الأخير في أنقرة بمعزل عن السياق الزماني الذي يأتي فيه، بمعنى أنّ الحادث يأتي مع قرب نهاية العام وبداية العام الجديد، حيث التحضير لاحتفالات نهاية العام والأعياد الدينية، وهي فترة تحاول تنظيمات العنف والإرهاب عادةً استغلالها من أجل تنفيذ عمليات إرهابية في مواطن نشاطها، والدول التي تستهدفها. 

فعلى سبيل المثال، يجد المتابع لنشاط التنظيمات الإرهابية في القارة الأوروبية أنّ مثل هذه الفترات تشهد زخماً كبيراً على مستوى العمليات الإرهابية التي تتم خلالها، وفق الدراسة.

استهداف المؤسسات الحكومية 

بحسب الدراسة، تعكس حيثيات العملية الإرهابية في أنقرة أنّها استهدفت وزارة الداخلية التركية، والبرلمان التركي، بما يعني أنّ هذا الهجوم يأتي كاستمرار لسلسلة من الهجمات الإرهابية التي شهدتها تركيا في الأعوام الأخيرة، والتي استهدفت بعض المؤسسات والشخصيات الأمنية والعسكرية التركية، خصوصاً في أعوام 2015 و2016 و2017.

أحد الاعتبارات الزمانية المهمة التي أكسبت الهجوم الإرهابي في أنقرة أهمية كبيرة، يتمثل في تزامنه مع عودة البرلمان التركي للانعقاد في دورة جديدة لمناقشة بعض القضايا المهمة

كذلك يعكس توقيت الهجوم، والنطاق الجغرافي الذي وقع فيه، أنّ الجهة المنفذة والمسؤولة عنه استهدفت إيصال رسائل للقيادة السياسية التركية، مفادها أنّها قادرة على اختراق العمق التركي والوصول إلى مناطق حيوية وتنفيذ هجمات فيها، سواء على مستوى استهداف المؤسسات والتمركزات الشرطية والعسكرية، أو على مستوى استهداف التجمعات السكانية والمدنية.

نهج عمليات حزب العمال

تشير الدراسة إلى أنّ طبيعة "المستهدف" من الهجوم سواء وزارة الداخلية التركية، أو البرلمان التركي، بالتزامن مع دورته الجديدة، تتسق إلى حد كبير والأنماط العملياتية التي كان حزب العمال الكردستاني يتبنّاها تجاه تركيا في الأعوام الأخيرة، إذ نجد أنّ الحزب كان يركز على استهداف المؤسسات التركية وتمركزات الشرطة والجيش.

وفي هذا الصدد، يذكر الباحث أنّ الحزب شن العديد من الهجمات المماثلة من هذا النوع، ومنها ما حدث في 8 أيلول (سبتمبر) 2015 من قتل مسلحين أكراد (15) شرطياً في تفجيرين في إقليمي ماردين وأغدير بشرق تركيا. 

لا يمكن قراءة الحادث الإرهابي الأخير في أنقرة بمعزل عن السياق الزماني الذي يأتي فيه

وما حدث في 17 شباط (فبراير) 2016 من مقتل (28) شخصاً وإصابة العشرات في أنقرة جراء انفجار سيارة مفخخة بجوار حافلات عسكرية قرب مقرات للقوات المسلحة والبرلمان ومبانٍ حكومية أخرى، وحينها اتهمت السلطات التركية مجموعات كردية قريبة من الحزب بالوقوف خلف الحادث. 

وفي 26 آب (أغسطس) 2016 أسفر تفجير انتحاري بشاحنة مفخخة عند مقر للشرطة في جنوب شرق تركيا، الذي تقطنه أغلبية كردية، عن مقتل (11) على الأقل وإصابة العشرات، وأعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن الهجوم. 

وفي 10 كانون الأول (ديسمبر) 2016 أدى انفجار بسيارة مفخخة إلى مقتل (13) جندياً وإصابة (56) في هجوم استهدف حافلة كانت تقلّ عسكريين خارج أوقات الخدمة في مدينة قيصري بوسط البلاد، وأعلن فرع من حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن الهجوم، مروراً بالعديد من الهجمات في 2017 التي استهدفت رجال الشرطة، والتي أعلن الحزب مسؤوليته عنها.

وتخلص الدراسة إلى أنّ "العملية الإرهابية في أنقرة حملت رسائل واضحة أرادت بعض الأطراف إيصالها بخصوص قدرتها على استهداف العمق التركي، كما أنّ العملية اكتسبت أهمية كبيرة، خصوصاً مع الموقع الاستراتيجي الذي تمّت فيه، فضلاً عن تزامنها مع عودة البرلمان التركي للانعقاد في دورته الجديدة، والتي افتتحها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية