هل أثارت ملاحقة الإنتربول لرياض سلامة ذعر السياسيين اللبنانيين؟

هل أثارت ملاحقة الإنتربول لرياض سلامة ذعر السياسيين اللبنانيين؟

هل أثارت ملاحقة الإنتربول لرياض سلامة ذعر السياسيين اللبنانيين؟


19/06/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

منذ الانهيار الماليّ للبلاد في عام 2019، وحاكم مصرف لبنان المركزيّ، رياض سلامة، يواجه الانتقادات. ومع ذلك، دافعت الطّبقة السّياسيّة عنه بشكل منهجيّ، على دراية بأنّه يعرف كلّ أسرارها الماليّة. لكن في الأسابيع الأخيرة، أخذ وضعه منحنى باتّجاه الأسوأ، حيث وجّه مدّعون عامّون في فرنسا وألمانيا اتّهامات إليه، وطلبوا من «الإنتربول» إصدار ما يسمّى بـ«النّشرة الحمراء» لاعتقاله.

ستنتهي ولاية سلامة في تمّوز (يوليو)، وقد أعلن بالفعل أنّه لن يحاول التّجديد. وبالنّظر إلى مشكلاته القانونيّة المتزايدة - فقد اتُّهم بارتكاب جرائم مختلفة، بما في ذلك الاختلاس وغسيل الأموال - فإنّ هذا لا يبدو تنازلاً كبيراً من جانبه، حتّى لو كان يدرك في قرارة نفسه أنّه بمجرّد تركه للمنصب سوف تتضاءل احتماليّة مواصلة السّياسيّين حمايتهم له.

في الواقع، كان ردّ فعل القضاء اللبنانيّ على الاتّهام الفرنسيّ لسلامة كاشفاً. في 24 أيار (مايو)، حرمَ القاضي عماد قبلان، المقرّب من بعض أقوى الدّاعمين السّياسيّين لسلامة، محافظ البنك من جوازي سفره اللبنانيّ والفرنسيّ، ممّا يمنعه من السّفر إلى فرنسا لمواجهة الملاحقة القضائيّة. كما طلب قبلان من السّلطات الفرنسيّة إرسال ملف قضيّة سلامة، على الأرجح لمحاكمته في لبنان.

متظاهر يحمل الليرة اللبنانية وهو يقف أمام إطارات مشتعلة أمام مبنى البنك المركزي في بيروت في يناير

كان لهذه الخطوة تأثيران - أحدهما واضح، والآخر أقلّ وضوحاً. من خلال منع سلامة من مغادرة لبنان، فإنّ هذه الخطوة تحميه بشكل فعّال من ملاحقة قضائيّة أجنبيّة. وهذا هو الجزء الواضح. ومع ذلك، في ضوء تصريحات سلامة لقناة إخباريّة عربيّة، في أيار (مايو)، بأنّ السّلطات القضائيّة تستهدفه «لأنّها تخشى استهداف السّياسيّين»، فقد كانت الخطوة، أيضاً، وسيلة للطّبقة السّياسيّة لإبقائه تحت النّظر. إنّهم قلقون من أن يحاول سلامة إبرام صفقة مع القضاة الأجانب على حسابهم.

صدمة لسياسيي لبنان شديدي الفساد

يجب أن يمثّل مأزق سلامة نوعاً من الصّدمة لسياسيي لبنان شديدي الفساد، الذين يرون لأوّل مرّة دولاً أجنبيّة أو سلطات قضائيّة تراقب حساباتهم في الخارج بريبة كبيرة. في تشرين الثّاني (نوفمبر) 2020، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبيّة بوزارة الخزانة الأمريكيّة عقوبات على جبران باسيل، رئيس «التّيار الوطنيّ الحرّ»، لـ«لدوره في الفساد في لبنان»، بموجب ما يسمّى بـ«قانون ماغنيتسكي العالميّ». وكان هذا أوّل تصنيف بموجب هذا القانون يستهدف مسؤولاً في لبنان.

في حين أنّ باسيل رأى في الأمر خطوة سياسيّة تتعلّق بصلاته بـ«حزب الله»، فإنّ الحقيقة هي أنّه كان من الممكن أن يُعاقَب بموجب تشريعات منفصلة على ذلك. إنّ كونه قد عوقب بموجب «قانون ماغنتسكي» يعني ضمناً أنّ الأمريكيّين قد حَقَّقوا بشأنه، وجمعوا ملف فساد قويّاً ضدّه لتبرير مثل هذا الإجراء.

يجب أن يمثّل مأزق سلامة نوعاً من الصّدمة لسياسيي لبنان شديدي الفساد، الذين يرون لأوّل مرّة دولاً أجنبيّة أو سلطات قضائيّة تراقب حساباتهم في الخارج بريبة كبيرة

هناك أنواع مختلفة من الأسلحة التي يمكن للسّلطات القضائيّة الأجنبيّة استخدامها ضدّ الطّبقة السّياسيّة اللبنانيّة وحلفائها في الدّوائر الماليّة. يمكنها استخدامهم ضّد بعضهم البعض، مثلاً. في نيسان (أبريل)، وجّهت السّلطات الفرنسيّة اتّهامات للمصرفيّ اللبنانيّ مروان خير الدّين بشأن رياض سلامة وشقيقه، رجا، واستجوبته. وقد أُفرج عنه، لاحقاً، وسط شكوك في لبنان بأنّه قدّم للنّيابة العامّة الفرنسيّة معلومات عن آل سلامة.

هذا ما يُقلق السّياسيّين في لبنان بشكل كبير؛ بمجرّد كسر جدار الصّمت بشأن شؤونهم الماليّة، لا سيما من قِبل المدعين الأجانب الذين لا سيطرة لهم عليهم، سيفقدون الكثير من دعمهم بين اللبنانيّين. وبالنّظر إلى حقيقة أنّ الكثير من السّكان قد رأوا البنوك تفرض بشكل غير قانونيّ قيوداً صارمة على حساباتهم ومعاملاتهم منذ تشرين الأوّل (أكتوبر) 2019 - بينما استمرّ أصحاب النّفوذ السّياسيّ في تحويل مبالغ ضخمة من الأموال إلى الخارج - فإنّ هذه المخاوف مفهومة تماماً.

عندما انتفض اللبنانيّون

كانت هناك علامة موحية على احتمال استياء السّكان قبل الانهيار الماليّ، في تشرين الأوّل (أكتوبر) 2019، عندما انتفض اللبنانيّون ضدّ الطّبقة السّياسيّة. وفي مدينة صور الجنوبيّة، هاجم وحرق، على الفور، شبّانٌ ملهى شاطئياً مرتبطاً برئيس مجلس النّواب، نبيه برّي، وزوجته السّابقة. ولا يمكن استبعاد ردود الفعل هذه إذا قام اللبنانيّون المُفقَرون بالرّدّ على من يرون أنّهم قادة فاسدون للغاية.

افتتح رئيس مجلس النواب نبيه بري الجلسة الأولى لمجلس النواب لانتخاب رئيس جديد في بيروت في أيلول / سبتمبر الماضي

هذا، وقد لَعِبَت القضايا القانونيّة في المحاكم الأجنبيّة، أيضاً، دوراً في تحدّي القيود غير القانونيّة بالمرّة للبنوك على رؤوس أموال العملاء. لا يبرّر أيّ قانون سلوك البنوك، لأنّ السّياسيّين لا يريدون فرض قيود على رأس المال تمنعهم من نقل الأموال إلى خارج لبنان. ومع ذلك، فإنّ ما يعنيه هذا هو أنّ البنوك تستند إلى أرضيّة قانونيّة هشّة في فرضها لمثل هذه القيود، وهذا هو السّبب في أنّ العملاء يكسبون مراراً وتكراراً قضايا في المحاكم لاسترداد أموالهم.

الطّبقة السّياسيّة والمصارف التي لطالما نَاوَرَت في بيئة ماليّة رماديّة من النّاحية القانونيّة، فإنّ حقيقة أنّها لا تستطيع التّنبؤ بكيفيّة تصرّف السّلطات القضائيّة، أمر يُثير ذعرها

بالنّسبة إلى الطّبقة السّياسيّة والمصارف التي لطالما نَاوَرَت في بيئة ماليّة رماديّة من النّاحية القانونيّة، فإنّ حقيقة أنّها لا تستطيع التّنبؤ بكيفيّة تصرّف السّلطات القضائيّة، خاصّة في أوروبا والولايات المتّحدة، أمر يُثير ذعرها. لا يعني هذا أنّ الفساد على وشك الانتهاء، أو أنّ السّياسيّين لن يجدوا أماكن بديلة لإخفاء مكاسبهم غير المشروعة.

لكن ما يعنيه ذلك هو أنّ السّلطات القضائيّة الغربيّة ربما يكون لديها حقّ الوصول إلى قدر كبير من المعلومات الماليّة عن النّخبة السّياسيّة والماليّة في لبنان، كما تُظهِر مِحَن رياض سلامة (الذي يُحقَّق بشأنه في خمس دول أوروبيّة على الأقلّ). يمكن أن يترجم ذلك إلى قدر كبير من النفوذ إذا قرّرت، أو عندما تُقرّر، هذه الدّول رفع درجة الحرارة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

مايكل يونغ، ذي ناشونال، 6 حزيران (يونيو) 2023




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية