هل أعاق الحجاب الشابة سلام عن كسر نمطية العمل؟‎

هل أعاق الحجاب الشابة سلام عن كسر نمطية العمل؟‎


07/09/2021

بعد ظهور الملكية الخاصة للأرض ووسائل الإنتاج، ظهر معها استغلال الإنسان للإنسان، وتقسيم العمل القائم على التمييز الجنسي بين الرجال والنساء، وما يزال الاستغلال وتقسيم العمل قائمين إلى وقتنا الراهن، لكن التطور الاجتماعي والمعرفي والثقافي والأخلاقي، الذي حققته في بعض المجتمعات المستقرة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ودينياً، تجاوز مرحلة التقسيم القائم على الجنس، ونما هذا التقسيم والاستغلال في المجتمعات المتنازعة، وهي حالة طبيعية أثناء الحرب، حيث تُسخر جميع الموارد البشرية للحرب، لكن الفكر الشاب لم يخضع برمته، لا للحرب، ولا للعادات الاجتماعية أو الدينية المتشددة، فضرب بها عرض الحائط وسار بعضهم وبعضهن في الطريق الذي يناسب طموحاتهم/ــن، التي لا تتعارض مع الأخلاق الإنسانية العامة.

اقرأ أيضاً: المرأة الإماراتية.. طموحات وإنجازات غير مسبوقة

"دي جيه"، أو تنسيق الموسيقى في النوادي والحفلات، عمل لا يتنافى مع طبيعة النساء والفتيات، لكنه يتنافى مع السلطة الاجتماعية المعتمدة على العادات والتقاليد المتوارثة، وتتنافى مع النظرة المتشددة التي تعتبر أنّ الموسيقى من البِدع المحرمة، لكن للشابة سلام رأي آخر في جميع السلطات، وفي كل الأعمال القائمة على التمييز الجنسي.

 لم يُعق الحجاب سلام عن طموحها فبدأت مسيرتها الفنية بين النساء ثم طوّرتها لتصل إلى الحفلات المختلطة

سلام؛ شابة من الساحل السوري، حائزة على شهادة جامعية بإدارة الأعمال، تحب الموسيقى والعزف، تنتمي إلى بيئة مؤمنة بالحياة كما هي مؤمنة بالله، "ما هو لله فهو لله، وما هو للحياة هو للحياة" هكذا تقول سلام، موضحةً: اخترت طريقي بتشجيع من أمي التي تعمل هي الأخرى عملاً ليس نمطياً منذ عشرين عاماً، فنمطية العمل ذهبت منذ زمن، أو يجب أن تكون كذلك، وأرجو أن تكون قد ذهبت إلى غير رجعة.

اقرأ أيضاً: كيف ستبدو أوضاع المرأة الأفغانية في ظل حكم طالبان؟

لم يكن الحجاب عائقاً أمام تحقيق هدف سلام، فقد بدأت مسيرتها الفنية بين النساء فقط، ثم طوّرتها لتصل إلى الحفلات المختلطة، أو حسب رأيها الحفلات العائلية، وقد تضطر لقطع مسافات طويلة لتصبح إنسانة فاعلة في الحياة. قد تكون الموسيقى هي لغة التواصل بين سلام وبين الآخرين والأخريات، اللغة التي تدمجها في الحياة العامة عن طريق الذائقة الفنية المشتركة وما تبعثه الموسيقى في النفوس من مشاعر الفرح والسمو الروحي؛ إذ تتواجه الذوات في أجواء الموسيقى والرقص بلا أقنعة وبلا حجب. فلعل الموسيقى والرقص هما خير علاج لداء الكراهية والتعصب والعنف، الموسيقى وحدها تعبر عن الروح الإنسانية التي تتجلى في كل فرد، لأنها لغة بلا كلمات، الكلمات على ما يبدو هي التي تكون مشحونة إما بمشاعر المودة والوئام وإما بمشاعر البغضاء والكراهية والضغينة.

اقرأ أيضاً: جسد المرأة: صراع ديني علماني أم اقتصادي؟

لقد كتب الكثير عن قيمة العمل وأهميته وعن كونه شرف الإنسان ومرجع هوية الفرد والجماعة والمجتمع؛ إذ الهوية الحية للفرد هي ما ينتجه الفرد على الصعيدين؛ المادي والروحي، وكذلك الهوية الحية للجماعة والمجتمع والأمة. ولكن لم يكتب الكثير في أثر العمل في تماسك المجتمع وقوته وحصانته ومنعته، وفي حصانة الوطن وقوته ومنعته. الأوطان لا تسورها الكلمات الفارغة ولا تحميها الهويات القاتلة.

اقرأ أيضاً: الحجاب والرياضة: أولمبياد طوكيو يفجر الجدل حول لباس المرأة

فتحرر النساء لا يعني انفكاكهن من سلطة المجتمع البطركي فقط، ولا يعني تساويهن مع الرجال في الحقوق معنوياً فحسب بل يعني قبل هذا الانفكاك ومن أجله كسر نمطية العمل وتحسين شروطه بحيث تكون شروط العمل لائقة بكرامة الإنسان، (المرأة والرجل)، الإنسان، الذي هو هدف التنمية وصانعها.

  تشير الإحصائيات إلى أنّ عدد من دخلن سوق العمل في سوريا أخذ بالازدياد أثناء الحرب لكن اضطراراً

"لا أستطيع أن أكون تابعة لأحد" تتابع سلام، "التحرر الاقتصادي هو أولى خطوات تحرر المرأة من التبعية لأي شخص آخر، فالعمل عبادة وركن من أركان الدين الحقيقي، والإيمان الحقيقي، لم يأمرنا الله بالاتكالية إنما أمرنا بالعمل، أما الحجاب الذي يعتبره البعض حجاباً للعقل قبل الرأس، لم يمنعني من العمل الذي أحب، ولم يحجب وصول الموسيقى إلى روحي، مع أنني واجهت بعض الانتقادات لطبيعة العمل، على أنه عمل ذكوري، لكن هذا حفزني لأن أشجع صديقاتي اللواتي أحببنه أن يمارسنه، فأقبلن على ذلك، أعرف على الأقل أربع فتيات يحملن الطبل، مع أنه يحتاج إلى قوة عضلية، وهنّ أيضاً محجبات وهاويات للفن".

اقرأ أيضاً: المرأة والحداثة: سقوط وهم الأمومة المثالية

ما تحدثت به سلام؛ هو منتج ثقافي تربوي، وتراكم معرفي واع، لا يقتصر على الهواية وتنميتها فحسب، بل تجاوزتها إلى كسر النمطية واقتحام الفتاة لسوق العمل غير المخصص لها في النظام العام للمجتمعات المنمطة، التي تضع النساء في قالب مجهز لهنّ مسبقاً، فقد فكرت خارج صندوق المجتمع وأخرجت نفسها وصديقاتها إلى الفضاء الاجتماعي – الإنساني الرحب مع الحفاظ على هويتها الثقافية، كي تثبت للمجتمع أن النساء لسن أقل شأناً من الرجال، ولسن أقل قوة فيزيائية منهم كما هو متعارف في الحياة التقليدية، وشروط العمل الحر هي النجاح في العمل فقط وليس التمييز والتنميط.

  المجتمع التقليدي يعطل ملكات المرأة لكي تظل تابعة للرجل ومستكينة ومذعنة لسلطته

تشير الإحصائيات إلى أنّ عدد النساء اللواتي دخلن سوق العمل في سوريا أخذ بالازدياد أثناء الحرب، لكن هذا الازدياد لم يكن طواعية، فقد فرضته الحاجة المادية في غياب معيل الأسرة التي غيبته الحرب، سواء بالاستشهاد أو الهجرة أو الخطف، وهذا الدخول القسري إلى سوق العمل مازال يعتمد على التمييز الجنسي والاستغلال، وليس على الكفاءة والاستحقاق، أما العمل الحر الذي اختارته سلام وصديقاتها فكان عملاً لا يخضع إلى الاستغلال أو التبعية، لكنه يخضع إلى النقد الاجتماعي والرفض الديني، ما يعني أن المجتمع التقليدي يعطل ملكات المرأة لكي تظل تابعة للرجل ومستكينة ومذعنة لسلطته. لكن الوعي الذي تشكّل مجدداً عند السوريين والسوريات؛ أدى إلى إدراك الذات الإنسانية أولاً، وتحديد خيارات العمل ثانياً، وعلى وجه الخصوص لدى الشباب والشابات، مع أن فرص العمل قليلة جداً في بلاد الحرب.

التربية الحرة تنتج أفراداً أحرار (إناثاً وذكوراً)، بكيان حر ومستقل، يحدد خياراتهم/ــن، بحجاب أو غير حجاب، حتى في ظل قذارة الحرب وبشاعتها.

تحية لسلام ونظيراتها من النساء القادرات على كسر الصورة النمطية للمرأة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية