هل اقترب الصدام المباشر بين واشنطن وموسكو؟

هل اقترب الصدام المباشر بين واشنطن وموسكو؟


11/05/2022

ما تزال الحرب الروسية الأوكرانية تفرض تداعيات جمّة فيما يخصّ استقرار الوضع الإقليمي والدولي، بينما تهزّ اليقينات كافة، على المستويَين السياسي والعسكري، وكذا طبيعة التحالفات الجيوستراتيجية التي تشكّلت خلال العقود الماضية؛ إذ إنّ قمة العالم التي تقع تحت وطأة هذا الصراع العنيف (والظاهري) بين موسكو وكييف، تخفي تكتيكات وإستراتيجيات متباينة في إدارة المصالح والصراعات بين القوى العظمى، الأمر الذي يمتدّ داخل مؤسساتها السياسية والعسكرية، وبين دوائر صنّاع القرار، كما تتولد معه خريطة جيوسياسية جديدة وأدوات نظرية وآليات عملية غير تقليدية.

بصدد نظام عالمي جديد

تواصل الولايات المتحدة تقديم الدعم العسكري، غير المسبوق، إلى أوكرانيا، حيث يناقش الكونغرس طلب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بخصوص الحصول على 33 مليار دولار من الدعم التكميلي لكييف، منها نحو 20 مليار دولار للمساعدة الأمنية، وهي جملة المساعدات التي قال عنها الناطق بلسان وزارة الدفاع الأمريكية، جون كيربي، إنّها ستمكّن واشنطن من الحفاظ على مساندتها لأوكرانيا خلال الأشهر الخمسة المقبلة.

ونهاية الأسبوع الماضي، كشف الرئيس الأمريكي عن قيمة المخصصات العسكرية الجديدة لأوكرانيا، والتي بلغت نحو 150 مليون دولار أمريكي، تشمل مدفعيات ورادارات، غير أنّه حذّر من اقتراب نفاد المبالغ المحددة لدعمها بالسلاح والمعدات العسكرية؛ لذلك، طالب البيت الأبيض الكونغرس بتسريع الموافقة على حزمة المساعدات التكميلية بقيمة 33 مليار دولار.

هناك تخوفات حقيقية من احتمال مواجهة أمريكية مع القوات الروسية في حال حصول أيّ خطأ أو "خطوة غير مدروسة"، وهذا ما يحاول الرئيس بايدن وإدارته تجنّب وقوعه

وبالتزامن مع تصريحات بايدن، قال وكيل وزارة الدفاع لشؤون الاستحواذ والدعم، بيل لابالانت؛ إنّ البنتاغون لديه "300 مليون دولار من التمويل الذي وافق عليه الكونغرس للإنفاق على المعدات العسكرية المتاحة تجارياً"، وتابع: "نحن على اتصال بالشركات المصنعة، كلّ يوم، مع تطور متطلباتنا، وستواصل (إدارة بايدن) استخدام جميع الأدوات المتاحة لدعم القوات المسلحة الأوكرانية في مواجهة العدوان الروسي".

ويؤشر هذا الحشد العسكري الهائل، سواء من الجانب الأمريكي والغرب أو موسكو، إلى ارتفاع مخاطر نشوب حرب بين القوى الدولية، وقد نبّه رئيس الأركان الأمريكي، مارك ميلي، إلى أنّ العالم أمسى "أكثر اضطراباً"، ومن ثم، فإنّ احتمالات الصدام الدولي "آخذة في الزيادة".

الدعم الأمريكي لأوكرانيا

وخلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ الأمريكي بشأن ميزانية الدفاع، قال ميلي: "نحن ندخل عالماً أصبح أكثر اضطراباً، واحتمالات نشوب صراع دولي كبير بين القوى العظمى آخذة في الازدياد وليس التناقص"، كما لفت إلى أنّ "العالم يشهد الآن، ونحن نجلس هنا، أكبر تهديد للسلام والأمن في أوروبا، وربما العالم، خلال الـ 42 عاماً التي أمضيتها في الخدمة العسكرية مع استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا".

ووفق رئيس الأركان الأمريكي؛ فإنّ "الغزو الروسي لأوكرانيا لا يهدد بتقويض السلام والاستقرار الأوروبيين فحسب، بل السلام والاستقرار العالميين اللذين حارب والدي وأجيال من الأمريكيين بشدة للدفاع عنهما". وقد شدّد على أنّ واشنطن "تمرّ بنقطة انعطاف جيوستراتيجية حرجة للغاية وتاريخية، حيث يتعين على الجيش الأمريكي الحفاظ على الاستعداد والتحديث للمستقبل في الوقت نفسه"، وأردف: "إذا لم نفعل ذلك، فإنّنا نجازف بأمن الأجيال القادمة".

وقال: "نحن الآن نواجه قوّتين عالميتين: الصين وروسيا، لكلّ منهما قدرات عسكرية كبيرة، وكلاهما يعتزم تغيير النظام الحالي القائم على القواعد بشكل أساسي".

وبعث رئيس الأركان الأمريكي برسالة شفاهية إلى النواب الأمريكيين، حيث قال: "جيشكم على استعداد للحفاظ على السلام والاستقرار في القارة الأوروبية، السلام الذي يضمن الاستقرار العالمي والنظام الدولي؛ حيث يمكن لجميع الدول أن تزدهر بسلام".

دلالات تصريحات رئيس الأركان الأمريكي

وحول دلالات تصريحات رئيس الأركان الأمريكي، ومدى انعكاساتها على مقاربة الولايات المتحدة الإستراتيجية للصراع في أوكرانيا، قال المحلل السياسي في مركز لندن للدراسات السياسية والإستراتيجية، مايكل مورغان؛ إنّ تصريحات (ميلي) خطيرة؛ حيث إنّه المسؤول الأول والمباشر عن وضع خطط إستراتيجية وعسكرية للتعامل مع الأوضاع الحالية، بالتحديد الحرب الروسية الأوكرانية، والتي تتفادى فيها كلّ من الولايات المتحدة وأعضاء حلف الناتو المواجهة المباشرة مع روسيا.

ودلالة تلك التصريحات، في هذا التوقيت تحديداً، تبدو "خطيرة، أيضاً، للغاية؛ نظراً لتعقيدات المشهد في أوكرانيا، من جهة، وانخراط جميع الأطراف في وضع من الصعب التراجع عنه، من جهة أخرى"، وفق مورغان في حديثه لـ "حفريات".

مايكل مورغان: تصريحات (ميلي) خطيرة؛ حيث إنّه المسؤول الأول والمباشر عن وضع خطط إستراتيجية وعسكرية للتعامل مع الأوضاع الحالية

 وأردف: "من بين الأمور التي تسببت في تفاقم الأوضاع العقوبات الاقتصادية الأمريكية على روسيا، تخلي الروس عن التعامل بالدولار الأمريكي، أو اليورو الأوروبي، في تصدير مواد الطاقة والغاز، بما سيؤثر، بشكل مباشر، على مراكز القوة الاقتصادية بل والعسكرية في العالم".

وبسؤال المحلل السياسي في مركز لندن للدراسات السياسية والإستراتيجية عن مدى انعكاس تصريحات رئيس الأركان الأمريكي على ميزانية البنتاغون في الفترة المقبلة، أجاب: "ثمة مؤشرات عديدة على وجود تغيرات، أو بالأحرى تأثيرات، للحرب الروسية الأوكرانية على ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية، خاصة بعد الإنفاق الكبير على معدات الحرب والتسليح التي تم إرسالها إلى أوكرانيا، كما ستشهد الفترة المقبلة وضع إستراتيجيات وخطط عسكرية جديدة في حال اندلاع حرب عالمية ثالثة في المحيط الأوروبي".

العالم أمام امتحان تاريخي

وإلى ذلك، يرى الباحث والمحلل السياسي، زياد سنكري، المقيم في واشنطن؛ أنّ إدارة الرئيس بايدن تتعامل "بحذر شديد" في طريقة مقاربتها للحرب في أوكرانيا؛ إذ إنّ الأمور في الواقع "تزداد خطورة" يوماً بعد الآخر، موضحاً، لـ "حفريات"؛ أنّ هناك تخوفات حقيقية من احتمال مواجهة أمريكية مع القوات الروسية في حال حصول أيّ خطأ أو "خطوة غير مدروسة"، وتحوّلها إلى حرب مباشرة بين القوات الروسية والأمريكية، وهذا ما يحاول الرئيس بايدن وإدارته تجنّب وقوعه بشكل أساسي، كما أنّ هذا الأمر، على وجه التحديد، هو ما يفسر غضب بايدن كذلك من تسريبات المخابرات الأمريكية، والتي أفادت أنّ واشنطن قدمت معلومات استخبارية حول الوحدات الروسية التي سمحت للأوكرانيين باستهداف العديد من الجنرالات الروس وقتلهم.

المحلل السياسي في مركز لندن للدراسات السياسية والإستراتيجية مايكل مورغان لـ"حفريات": ثمة مؤشرات عديدة على وجود تأثيرات للحرب الروسية الأوكرانية على ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية

ويتابع سنكري: "ألمحت التسريبات الاستخبارية عن القيام بتقديم معلومات ساعدت على تحديد مكان وضرب الطراد "موسكفا"، والتي أثارت سخط البيت الأبيض، إلى مدى وصل حدّ توبيخ رئيس "CIA"، وحثّه على ضبط المعلومات المسربة والتصريحات التي من الممكن أن تؤدي إلى حرب مباشرة مع الروس، الأمر الذي تحاول الإدارة الأمريكية تجنبه، خصوصاً أنّها ترى أنّ السياسة الحالية نجحت في ردع وإفشال خطة الرئيس الروسي في الاستيلاء على كييف، بينما كبدته خسائر فادحة كسرت هيبة زعيم الكرملين وجيشه، لا سيما بعد تكهنات تقارير أجهزة الاستخبارات الأمريكية، في بداية الحرب، التي رجحت سقوط كييف في 74 ساعة، وهو ما لم يحصل".

زياد سنكري: واشنطن رصدت للبنتاغون ما يقارب 33 مليار دولار في الميزانية

الولايات المتحدة ترى أنّ سياستها في "توحيد الموقف الغربي" نجحت حتى الآن، وأنّ الدعم اللوجستي والمعلوماتي والاستخباري نجح كذلك في تحقيق أهدافه، عن طريق الحرب بالوكالة، وذلك دون سقوط أيّة قطرة دم من أيّ جندي أمريكي، وفق سنكري، كما أنّ واشنطن رصدت للبنتاغون ما يقارب 33 مليار دولار في الميزانية، وهو ما يعادل تقريباً الميزانية السنوية لحربها في أفغانستان، ويصل إلى حدود نصف الميزانية الدفاعية الروسية كلّها، لافتاً إلى أنّ "كلّ هذا يضع إدارة الرئيس بايدن أمام امتحان الجهوزية الكاملة لأيّ تطور، ورسم خطط استباقية لما تعدّه واشنطن الخطر الجيوستراتيجي الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، في ظلّ تعاظم الخطر العسكري المتمثل بالثنائي الروسي –الصيني".

وتحرص الإدارة الأمريكية والقادة العسكريين على عدم جعل الحرب الأوكرانية تتسبّب في تشتيت الجهود الموجهة لتعطيل التوسع الصيني من خلال البوابة الاقتصادية، وكسب بكين المزيد من النفوذ العالمي؛ وهذا، بحسب سنكري، "يفرض على الأمريكيين رسم سياسات اقتصادية وعسكرية لاحتواء التنين الصيني، خاصة أنّ بايدن صنّف الصين على أنّها أكبر تهديد جيوستراتيجي لواشنطن في السنوات المقبلة".

 

مواضيع ذات صلة:

ما خيارات روسيا إذا انضمت السويد وفنلندا إلى الناتو؟

هل تدفع إسرائيل ثمن انحيازها ضد روسيا وأين سيكون رد بوتين؟

هل توقع إيران الاتفاق النووي بمعزل عن روسيا والصين؟‎




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية