هل بدأت قوة "بوكو حرام" في الانحسار؟

هل بدأت قوة "بوكو حرام" في الانحسار؟

هل بدأت قوة "بوكو حرام" في الانحسار؟


13/06/2023

منذ ظهور جماعة بوكو حرام الإرهابية في منتصف التسعينيات، اكتسبت الجماعة أرضاً ونفوذاً في جميع أنحاء الجزء الشمالي من نيجيريا، وارتكبت عدداً كبيراً من أعمال العنف ضد الدولة والمجتمع، وقمعت بشدة أولئك الذين تحكمهم أو يرفضون الانضمام إلى صفوفها.

لكنّ الجماعة تواجه الآن وضعاً مصيرياً وتحديات صعبة، فقد شكّل تأسيس ولاية غرب أفريقيا، الفرع الإقليمي التابع لتنظيم داعش، والانشقاق عن بوكو حرام، عقبة خطيرة أمام أهداف واستراتيجيات هذه الأخيرة، ما أدّى إلى تصاعد تنافس شرس، قائم على الاختلافات الشخصية أكثر من الاختلافات الأيديولوجية، أو تضارب المصالح الجماعية.

تقول الباحثة في المرصد الدولي لدراسات الإرهاب (OIET) في إسبانيا، آنا أجيليرا، مع شن ولاية غرب أفريقيا حملتها الهجومية، أصبحت بوكو حرام تكافح من أجل البقاء وتأمين قوت يومها، خاصة بعد أن عرقلت منافستها الجهادية، ولاية غرب أفريقيا، تكتيكاتها التقليدية المتمثلة في الاختطاف للحصول على فدية وما إلى ذلك. وانتهى الصراع في أيار (مايو) 2021 بوفاة زعيم بوكو حرام الكاريزمي، أبو بكر شيكاو، الذي فضّل أن يحرق نفسه على أن يقع أسيراً في أيدي ولاية غرب أفريقيا.

وفضلاً عن بوكو حرام، تحرك تنظيم داعش في المنطقة وحقق وجوداً على الأرض، ما خلق نزاعاً دامياً بين التنظيمين الإرهابيين.

معارك دامية بين بوكو حرام وداعش

وتخوض هاتان الجماعتان، معارك دامية بكثافة غير معهودة من أجل السيطرة التي طال انتظارها على معقلها في شمال شرق البلاد، حسب مصادر أمنية وسكان محليين، فمنذ 15 عاماً يسود تمرد في ولاية بورنو حيث تسيطر جماعة بوكو حرام وتنظيم "الدولة الاسلامية – داعش" في غرب أفريقيا (إيسواب) على مساحات شاسعة منها، وتكثفان الهجمات، ما شكل تحدياً كبيراً للرئيس المنتخب بولا تينوبو.

أفراد من بوكو حرام في نيجيريا (رويترز)

بدأت النزاع بين الجماعتين المتنافستين منذ فترة طويلة، بسبب خلافات عقائدية، حيث إنّ تنظيم داعش في غرب أفريقيا الذي نشأ عام 2016 إثر انشقاق داخل جماعة بوكو حرام، يعارض قتل المسلمين، وفق شبكة رووداو الإعلامية.

تحول هذا التنافس منذ ذلك الحين إلى حرب من أجل الهيمنة على حوض بحيرة تشاد ومحيطه، حيث تمارس كل من الجماعتين نفوذها. في الفترة الماضية، تكثفت حدة المعارك ما أوقع مئات القتلى، لا سيما في قريتي جيرير وجمعة تورو قرب الحدود مع النيجر.

ونقلت وكالة فرانس برس عن مصدر في الاستخبارات النيجيرية قوله: "نحن على علم بالمعارك الدائرة بين الارهابيين، وهو أمر جيد بالنسبة إلينا. بالتالي نراقب لنرى كيف سيتطور الوضع".

يخوض التنظيمان الإرهابيان "بوكو حرام" و"داعش"، منذ فترة معارك دامية بكثافة غير معهودة من أجل السيطرة التي طال انتظارها على معقلها في شمال شرق نيجيريا

ويقول صيادون في جزر بحيرة تشاد إنهم سمعوا دوي انفجارات وإطلاق نار كثيف مصدره قريتي جيري وجمعة تورو.

وقال أحدهم ويدعى أبوبكر الكا لفرانس برس إنّ "المعارك كثيفة جداً، نسمع انفجارات قوية خصوصاً في الليل".

وأضاف: "بحسب المعلومات التي نتلقاها، فإنّ المعارك قد تستمر لبعض الوقت، لأنّ بوكو حرام تأتي بالمزيد من الأسلحة من معقلها الواقع على جانب النيجر من البحيرة".

ملاذات في غرب أفريقيا

ويعد حوض بحيرة تشاد، الذي تمتد شواطئه بين نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد، مساحة شاسعة من المياه والجزر الصغيرة والمستنقعات، حيث أقامت بوكو حرام وتنظيم داعش في غرب أفريقيا ملاذات.

وبدأت المواجهات الأخيرة في 19 شباط الماضي، حين اقتحم مقاتلون من بوكو حرام معسكرات لداعش بغرب أفريقيا في تومبون غيني كايوا، بحسب صياد آخر.

وأطلق أبو بكر قناي، أحد كبار قادة بوكو حرام بمساعدة اثنين من أعوانه، هجوماً على جزيرتين يسيطر عليهما تنظيم داعش في غرب أفريقيا واقتحموا سجناً وأفرجوا عن العديد من المعتقلين والرهائن، بحسب المصدر نفسه.

ويرى باحثون أنّ شخصية شيكاو كانت محورية بالنسبة لبوكو حرام، ذلك أنه تحت قيادته، تمكّنت الجماعة من شن تمرد إسلاموي غير مسبوق، ونفذت بعض الهجمات الأكثر فظاعة، مثل اختطاف أكثر من 200 طالبة في عام 2014 من مدرسة في مدينة شيبوك بولاية بورنو، واختطاف أكثر من 300 فتاة في ولاية كاتسينا في عام 2020.

زعيم بوكو حرام الراحل أبو بكر شيكاو

تقول الباحثة آنا أجيليرا، في موقع "عين أوروبية على التطرف": في حين أنّ بوكو حرام كانت دائماً جماعة تحاول البقاء على قيد الحياة، فقد وجدت ولاية غرب أفريقيا الأمر أسهل نسبياً، حيث توسّعت بلا هوادة تحت مظلة القيادة المركزية لتنظيم داعش. ومع وفاة شيكاو والفوضى التي دبت في فصيله، تمكّنت ولاية غرب أفريقيا من تعزيز سيطرتها على الجزء الشمالي الشرقي من الدولة وحوض بحيرة تشاد.

بعد وفاة شيكاو

مع زوال شيكاو بدأت قوة بوكو حرام في الانحسار، وهو ما وصفه بعض المتخصصين بأنه "بداية النهاية" لوجودها. ويشير خط الاتجاه إلى أنّ بوكو حرام تمر بنقطة تحوّل. فشيكاو الذي كان رمزاً للعديد من مسلحي الجماعة وشخصية مرجعية للسلطة بعد أن تخلى عن توجيهات القيادة المركزية لتنظيم داعش قد اختفى الآن. وسيكون من الصعب إيجاد بديل يتمتع بالدرجة ذاتها من الكاريزما والمهارة التنظيمية للحفاظ على لُحمة الجماعة.

آنا أجيليرا، الباحثة في المرصد الدولي لدراسات الإرهاب (OIET) في إسبانيا: بوكو حرام دخلت في مرحلة مراجعة النفس. وقد تراجع الجماعة حساباتها وتكتيكاتها لتعويض فقدان زعيمها

لقد تعرّضت بوكو حرام لانتكاسةٍ قوية، وربما قاتلة، على يد ولاية غرب أفريقيا، التي تمتلك موارد اقتصادية وبشرية أكبر لقضيتها. ومع ذلك، فإنّ بقايا بوكو حرام لن تنشق، كما يعتقد البعض، وتنضم بشكلٍ جماعي إلى ولاية غرب أفريقيا. بل على العكس من ذلك، بوكو حرام تقاوم بشراسة محاولات استيعاب أعضائها من قبل الولايات المحلية لداعش.

وهناك مؤشرات أيضاً على أنّ بوكو حرام لا تزال قادرة على ممارسة السلطة، حيث ينخرط بعض مسلحيها في أعمال عنف ضد قوات الأمن والسكان المدنيين النيجيريين منذ وفاة شيكاو، ومن المرجح أنّ بوكو حرام كانت وراء مقتل أمير داعش، أبو مصعب البرناوي، بعد بضعة أشهر من مقتل شيكاو.

وفي نظر الباحثة في المرصد الدولي لدراسات الإرهاب (OIET) في إسبانيا، يمكن القول إنّ بوكو حرام دخلت في مرحلة مراجعة النفس. وقد تراجع الجماعة حساباتها وتكتيكاتها لتعويض فقدان زعيمها، وانخفاض مصادر إيراداتها، وقد تترنح تحت وقع الحملة المزدوجة لولاية غرب أفريقيا التي تحاول استمالة أعضائها، والدولة النيجيرية التي تقدم مسارات لتسريح أعضائها في ظلِّ السعي لتحقيق بعض الاستقرار في خضم الوضع الأمني الهش.

مواضيع ذات صلة:

هل تستطيع نيجيريا كبح جماح بوكو حرام؟

بوكو حرام: نموذج ملهم للعصابات الإجرامية

جدل حول استسلام مقاتلين من جماعة بوكو حرام... ما القصة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية