هل تخرج حكومة التكنوقراط تونس من أزمتها السياسية؟ وما خيارات النهضة؟

هل تخرج حكومة التكنوقراط تونس من أزمتها السياسية؟ وما خيارات النهضة؟


25/08/2020

أعلن رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي أمس عن تشكيلة حكومته التكنوقراط، قافزاً بذلك على رغبات حركة النهضة التونسية، ليضعها أمام خيارين، أحلاهما مر، وسط توقعات أن تنحاز النهضة لخيار تمرير حكومة ليس لها سطوة على أحد فيها.

وخيارا النهضة يتمثلان في القبول ممتعضة بالحكومة أو رفضها، وفيما الخيار الأول يضمن للحركة الاحتفاظ بالكتلة الأكبر في البرلمان (54 نائباً)، فإنّ الآخر يذهب بها مباشرة إلى انتخابات برلمانية مبكرة، غير مأمونة العواقب.

اقرأ أيضاً: الغنوشي.. من "طلع البدر علينا" إلى "أسوأ" شخصية في عيون التونسيين

وربما توقفت النهضة عند مشهد قريب وقع قبل أيام من إعلان الحكومة، حين زار زعيمها ورئيس البرلمان، راشد الغنوشي، بلدة هي مسقط رأسه ومعقل لجماعته، فواجهه مئات من الناشطين المحتجين يردّدون هتافات برحيله.

التصدي للحكومة ورفضها من قبل النهضة تحدٍّ لـ "قوة الشارع ومفهوم الانحياز له"

ووفق المتوقع، فإنّ مشهداً كهذا لن تعتبره الحركة تناقصاً في شعبيتها، مقابل مواجهته بإحدى التهم بتلقي تمويلات، غير أنّ حسابات عديدة ومراجعات كثيرة قد تجريها الحركة لتخبرها أنّ خيار الذهاب إلى صندوق الانتخابات حالياً لا يهدد كتلتها الحالية فقط، بل يضعها في مواجهة مع الشارع التونسي غير المستعد بالأساس لإجراء انتخابات في ظل وضع اقتصادي متأزم.

وقد وضع المشيشي النهضة في مأزق أكبر أمام الشارع حين انحاز له ولأزماته، متجاوزاً خلافات الساسة، بإعلان حكومة تكنوقراط تسعى إلى لعب أدوار إدارية سريعة منقذة، لا تنغصّها ميول وحسابات الأحزاب.

 

التصدي للحكومة ورفضها من قبل النهضة لن يعني فقط المقامرة على مصالحها، وإنما هو أيضاً تحد لـ"قوة الشارع ومفهوم الانحياز له"

 

ومن ثمّ، فإنّ التصدي للحكومة ورفضها من قبل النهضة، لن يعني فقط المقامرة على مصالحها، وإنما هو أيضاً تحدٍّ لـ "قوة الشارع ومفهوم الانحياز له". وقال المشيشي أمس في مؤتمر صحافي للإعلان عن تشكيل الحكومة: إنه "بعد سلسلة من المشاورات مع الأحزاب والكتل البرلمانية... وبعد تقييم الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، أنتهي إلى ضرورة التفكير في حكومة كفاءات مستقلّة تنكبّ على الوضع الاقتصادي والاجتماعي واستحقاقات التونسيين".

 وأمام ذلك، يرى مراقبون أنّ خيار النهضة سيتمثل في القبول المحدود للحكومة، بمعنى تمريرها، لكنهم في الوقت ذاته أشاروا إلى أنّ ذلك التمرير لن يعني إنهاء أزمة تونس السياسية العميقة، بل تخديرها لبعض الوقت.

اقرأ أيضاً: شكري المبخوت: على تونس تجريم الخطاب التكفيري

ويقول الصحافي والمحلل السياسي التونسي، نزار الجليدي، لـ"حفريات": إنّ حركة النهضة ليس أمامها سوى تمرير حكومة المشيشي بالحدّ الأدنى، لمنح فرصة لنفسها لترتيب أوراقها والاستعداد لانتخابات برلمانية مبكرة، بعد 6 شهور من الآن.

ويوضح الجليدي أنه، وفق القانون، فإنّ البرلمان قادر على سحب الثقة من الحكومة بعد 6 شهور من تشكيلها، ومن ثمّ فإنّه بعد تلك الفترة ستطرح الحركة مقدماً قضية سحب الثقة، ويُعاد السيناريو نفسه من جديد. وتوقع أن تضع الحركة خلال تلك الفترة العراقيل أمام الحكومة لشحن الشارع ضدها، وعدم تحقيقها أي إنجازات، بالإضافة إلى عرقلة أي قوانين تقترحها الحكومة.

وكان نائب في حركة النهضة قد ردّ على ذلك السيناريو الخاص بعرقلة الحكومة بعد منحها الثقة، فقد قال يوسف ديلو، خلال استضافته أمس عبر إذاعة شمس إف إم التونسية: إنّ منح الثقة للحكومة مع نية سحبها هي ممارسة غير أخلاقية بالمعنى السياسي الواسع.

والقلق من السيناريو "غير الأخلاقي" ينتاب الأوساط التونسية في ظل ما حدث مع حكومة إلياس الفخفاخ الذي منحته النهضة ثقتها، ثمّ حرّكت تهماً بالفساد في حقه تمهيداً لسحب الثقة منه، في محاولة لتشكيل الحكومة من قبلها، وهو ما قطعه عليها الرئيس قيس سعيد، بمطالبة الفخفاخ بتقديم استقالته، ثم سمّى المشيشي لتشكيل الحكومة.

اقرأ أيضاً: قطر تطرق باب قيس سعيد لحماية نفوذها في تونس

ويتفق السياسي التونسي المرشح السابق للبرلمان قيس بن غانم مع الطرح ذاته، قائلاً لـ"حفريات": لا تملك حركة النهضة حلاً آخر سوى تمرير الحكومة، لأنّ كل موازين القوى ضدها، والمشهد السياسي متقلب، ستمرّر الحركة الحكومة بالحد الأدنى المطلوب، وستمارس كل أنواع العرقلة لتعطيل عملها، وفي الآن نفسه   ستستعد لتحالفات جديدة وإعداد خزانها الانتخابي لانتخابات مبكرة.

 

محللون يتوقعون قبولاً اضطرارياً للنهضة بحكومة المشيشي، ثمّ عرقلتها للذهاب إلى انتخابات مبكرة بعد الاستعداد لها

 

وحول مدى قدرة تونس التي تعاني أوضاعاً اقتصادية صعبة قال: تونس عانت وما زالت تعاني، ولكننا أمام خيارين أحلاهما مرّ، وهذا طبيعي لما تشهده المرحلة. وتابع: قد يشتد الخناق على حركة النهضة فتلجأ إلى العنف، وهو أسلوبها للخروج من وهنها، ولكنّ جميع القوى التقدمية شديدة الانتباه لهذا الأمر.

وتتباين مواقف قيادات النهضة من الحكومة، وقال الغنوشي، خلال مؤتمر صحافي قبل ساعات من إعلانها: إنّ الحركة "ضد تشكيل حكومة كفاءات مطلقاً ومبدئياً باعتبارها مسألة مجانبة للديمقراطية وعبثاً بالاستحقاق الانتخابي ونتائجه"، في وقت وصف فيه القيادي في الحركة وعضو كتلتها البرلماني، ديلو، حكومة المشيشي بـ"حكومة الأمر الواقع"، لافتاً إلى وجود خلاف داخل حركة النهضة على منح الثقة للحكومة.

ويدور الخلاف بين فريق يرى ضرورة عدم منح الثقة للحكومة، وفريق ثانٍ يرى أنه من الضروري التصويت لها، ليس اقتناعاً بها، بل نظراً للظروف التي تمرّ بها البلاد.

وتعقد حركة النهضة اجتماعاً لمجلس الشورى، خلال الأيام القادمة، لحسم الموقف من الحكومة، قبل طرح التصويت عليها داخل البرلمان.

وقد تواجه الحكومة مطالب بتغيير بعض الحقائب، كما حدث من قبل مع الفخفاخ، غير أنّ الصحافي التونسي جليدي يستبعد أن يرضخ المشيشي لذلك، فقد تجاهل من البداية مطالب النهضة وضغطها لتشكيل حكومة سياسية.

اقرأ أيضاً: تحركات في تونس لإنهاء سيطرة النهضة على القضاء

إلى ذلك، تتكون حكومة المشيشي من 28 حقيبة، تتولى 8 منها سيدات.

وقد عيّن المشيشي علي الكعلي، وهو مصرفي اقتصادي ليبرالي، وزيراً للاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار، بعد أن قرّر رئيس الحكومة المكلف دمج الوزارات الاقتصادية في إطار إعادة هيكلة للحكومة، بحسب وكالة أنباء "رويترز".

واقترح تعيين توفيق شرف الدين وزيراً للداخلية، وإبراهيم البرتاجي وزيراً للدفاع، وعثمان الجرندي وزيراً للخارجية، ووليد الزيدي وزيراً للثقافة. وسيكون الزيدي أوّل وزير كفيف في تاريخ تونس، وهو أيضاً أوّل كفيف تونسي يناقش أطروحة الدكتوراه ويُعيّن وزيراً.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية