هل تستطيع أنظمة الإنذار المبكر التصدي للإرهاب؟

هل تستطيع أنظمة الإنذار المبكر التصدي للإرهاب؟

هل تستطيع أنظمة الإنذار المبكر التصدي للإرهاب؟


17/01/2023

ارتفع عدد المقاتلين المنضمين إلى تنظيم داعش الإرهابي إلى أكثر من الضعف خلال عام ونصف العام، ويقدَّر أنّ أكثر من (30) ألف شخص قد انضموا إلى صفوف داعش بصفة مقاتلين إرهابيين أجانب قادمين من أكثر من (100) بلد، أي أكثر من نصف مجموع عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وذلك برغم جهود المجتمع الدولي لمنع الإرهاب ووقف تدفق المقاتلين الأجانب.

هذه التطورات أنتجت تحولات متسارعة، لا سيّما فيما يتعلق بتصاعد النزاعات المسلحة وتمدد الجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة العابرة للحدود وانتشار الجوائح الوبائية، وهو ما أسفر عن تداعيات سلبية وأزمات قد تعرقل مسار التنمية وتهدد الاستقرار وحقوق المجتمعات في العيش بأمان وسلام.

سعياً للحدّ من ذلك، أصدر مركز "تريندز للبحوث والاستشارات" دراسة بحثية جديدة حول أهمية أنظمة الإنذار المبكر في التصدي للتهديدات الإرهابية التي تواجه دول العالم، مؤكدة ضرورة إنشاء قاعدة بيانات ومعلومات وافية، تشمل كافة التنظيمات المتطرفة وقياداتها وعناصرها ومناهجها الفكرية وأسلوب عملها.

الدراسة التي أعدها الباحث إبراهيم الصافي وحملت عنوان "أنظمة الإنذار المبكر ودورها في التصدي للإرهاب"، استعرضت نظام الإنذار المبكر، ودوره في مجابهة الإرهاب، وقدمت الدراسة اقتراحات للهيئات المختصة حتى تُفعِّل هذا النظام، وفق منظور استراتيجي استباقي يحدّ من المخاطر على المستويات كافة.

ماهية نظام الإنذار المبكر

تُعرّف الدراسة النظام على أنّه منظومة للاستكشاف والتحذير المسبق، في ما يتعلق بالأخطار البيئية، وخطر وقوع حادثة نووية، والكوارث الطبيعية، وتحركات السكان الضخمة، وخطر حدوث المجاعات وانتشار الأمراض.

يمنح نظام الإنذار المبكر الفرصة والوقت الكافيَيْن لاتخاذ الإجراءات الملائمة للتعامل مع المخاطر والتهديدات قبل وقوعها

وبينت أنّه بالإمكان تطبيق نظم الإنذار المبكر على تهديدات التنظيمات الإرهابية، باستخدام نظام تشغيلي يدمج مكونات المعرفة بالمخاطر الإرهابية، والرصد والتنبؤ، وجمع البيانات والاستجابة للتحذيرات التعبوية للجهات ذات الصلة.

وبذلك يمنح نظام الإنذار المبكر الفرصة والوقت الكافيَيْن لأجهزة إنفاذ القانون لاتخاذ الإجراءات الملائمة للتعامل مع المخاطر والتهديدات قبل وقوعها، على نحو يخفف من الأضرار المحتملة إلى أقصى حد ممكن.

نظام الإنذار المبكر وفاعليته في التصدي للإرهاب

أشارت الدراسة إلى أنّ نظام الإنذار المبكر يُعدّ عنصراً رئيساً لأجهزة إنفاذ القانون، في الوقاية من المخاطر الأمنية والإرهابية، ويمكن أن يحول دون وقوع خسائر في الأرواح والممتلكات العامة.

وكذلك قد يحدّ نظام الإنذار المبكر من الآثار الاقتصادية والمادية التي تسفر عنها الأحداث الإرهابية، وتُسهِّل هذه الأنظمة على الجهات المعنية رصد البيانات وتحليلها على أساس مؤشرات قياس المخاطر.

قد يحدّ نظام الإنذار المبكر من الآثار الاقتصادية والمادية التي تسفر عنها الأحداث الإرهابية

وبحسب الدراسة، يستطيع نظام الإنذار المبكر أن يكون متعدد الوظائف والأدوار، بحيث يمكنه تناول العديد من الأخطار والآثار المتماثلة أو المختلفة في سياقات قد تحدث فيها ظواهر خطرة بشكل منفرد، أو بشكل متتابع، أو تراكمي، مع مراعاة الآثار المترابطة المحتملة.

ويعزز نظام الإنذار المبكر، القادر على التحذير من واحد أو أكثر من الأخطار، كفاءة التحذيرات واتساقها من خلال آليات وقدرات منسّقة ومتوافقة، تشمل تخصصات متعددة من أجل تحديد الأخطار المحدثة والدقيقة ومراقبتها.

نظام الإنذار المبكر يُعدّ عنصراً رئيساً لأجهزة إنفاذ القانون

هذا، وحثت الدراسة على ضرورة إشراك المجتمعات المعرضة للتهديدات الإرهابية في استخدام أنظمة الإنذار المبكر، وإنشاء قاعدة بيانات وافية، لجميع التنظيمات المتطرفة وعناصرها ومناهجها الفكرية.

ودعت المجتمع الدولي إلى ضرورة خلق نوع من التنسيق العالمي، أو حتى نوع من التنسيق الإقليمي أو الشبكي بشأن أنظمة الإنذار المبكر، لمجموعة من الدول تتقاسم الرؤية والأهداف نفسها.

نظام الإنذار المبكر وفاعلية أجهزة الاستخبارات

أكدت الدراسة أنّ دور هذه الأجهزة ينطوي على تقديم الدعم لصانعي القرار فيما يتعلق بتخطيط استراتيجية مكافحة الإرهاب وتنفيذها، وتستطيع على سبيل المثال تقديم المعلومات الدقيقة التي تتعلق بالتنظيمات الإرهابية وبنيتها، بما يساعد على تتبع هذه التنظيمات وتفكيكها؛ إذ تساعد المعلومات الاستخباراتية الدقيقة في تحديد هوية أعضاء التنظيمات الإرهابية، وأنواع الدعم الداخلي والخارجي الذي تتلقاه، ومركز الثقل الذي يمكن التركيز عليه لاستهدافها.

تستطيع أنظمة الإنذار تقديم المعلومات الدقيقة التي تتعلق بالتنظيمات الإرهابية وبنيتها، بما يساعد على تتبع هذه التنظيمات وتفكيكها

ولفتت إلى أنّ أجهزة الاستخبارات من الأجهزة المهمة التي يمكنها توظيف نظام الإنذار المبكر بشكل فعَّال في التصدي للإرهاب والوقاية من مخاطره؛ إذ تستطيع من خلال هذا النظام التحذير من وقوع عمليات إرهابية، والكشف السريع عن الخلايا الإرهابية أو الأشخاص الذين يحاولون تجنيد عناصر جديدة أو استقطابهم لينضموا إلى التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، لا سيّما تنظيم داعش، ووأد مخططاتها والكشف عن الأماكن التي تتمركز فيها، وعن مناطق نفوذها والصلات التي تربطها بجماعات أخرى.

أشارت الدراسة أيضاً إلى نجاح التنظيمات الإرهابية في تطوير الآليات التي تعمل بها، لا سيّما فيما يتعلق بتوظيف التطور التكنولوجي، خاصة فضاء شبكات التواصل الاجتماعي لخدمة أهدافها، بخصوص التجنيد والتخطيط وجمع الأموال.

محدودية نظام الإنذار المبكر

وبالرغم من أهمية أنظمة الإنذار المبكر للوقاية من المخاطر والتهديدات الإرهابية، فإنّ هناك بعض المعوقات التي قد تحدّ من فاعليتها، وفقاً لما جاء في الدراسة.

وتتمثل أبرز هذه التحديات في دقة المعلومات المتأتية من المصادر المفتوحة ومصداقيتها؛ إذ إنّ عدم دقة هذه المعلومات يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير سليمة.

 أجهزة الاستخبارات من الأجهزة المهمة التي يمكنها توظيف نظام الإنذار المبكر بشكل فعَّال في التصدي للإرهاب

كما تتجلى حدود هذه الأنظمة في مدى قدرتها على إقناع صانع القرار بقرب وقوع الأزمات أو التهديدات، وضرورة اتخاذ استجابة عاجلة.

إضافة إلى ذلك، هناك التحدي المرتبط بضعف الاهتمام الدولي والإقليمي وحتى الوطني بأنظمة الإنذار المبكر؛ وذلك لكونها تتعلق دائماً بحدث افتراضي يطغى عليه الطابع المستقبلي، وهو ما قد يخالف توجهات الأجهزة الأمنية، التي تميل أكثر إلى الافتراض التفاؤلي بأنّ الخطر لن يحدث في المستقبل المنظور.

وتبقى مسألة سيادة الدول من أهم معوقات استخدام هذه النظم، نظراً إلى امتناع العديد من الدول عن تبادل المعلومات الحساسة والمتعلقة بالمخاطر مع جهات قد تعتبرها غير آمنة.

مسألة سيادة الدول من أهم معوقات استخدام هذه النظم، نظراً إلى امتناع بعضها عن تبادل المعلومات الحساسة والمتعلقة بالمخاطر مع جهات قد تعتبرها غير آمنة

ومن التحديات الأخرى، التي يمكن أن تحدّ من فاعلية نظام الإنذار المبكر، صعوبة توقع التهديدات الإرهابية غير التقليدية، والتي قد تشكّلها ما يطلق عليها "الذئاب المنفردة" أو "الإرهاب الفردي" الصادر عن فعل وسلوك شخص بمفرده، بحيث يصعب توقعه وضبطه أو جمع المعلومات الدقيقة الكفيلة بتحييد الخطر الذي يشكله بشكل مبكر، وذلك لعدم ارتباط هذه "الذئاب" عضوياً بتنظيمات إرهابية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية