هل تسفر مفاوضات روسيا والأمم المتحدة عن انفراجة في أزمة القمح والحبوب؟

هل تسفر مفاوضات روسيا والأمم المتحدة عن انفراجة في أزمة القمح والحبوب؟


06/06/2022

مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية شهرها الرابع، تخوض الأمم المتحدة وساطة للتوصل إلى صفقة مع روسيا للسماح لأوكرانيا بإعادة تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، غير أنّ مسؤولي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن يشككون دائماً في نوايا روسيا، متذرعين بمحاولة موسكو الدفع في اتجاه رفع العقوبات عن الاقتصاد الروسي مقابل تخفيف الحصار الروسي عن الموانئ الأوكرانية.

ونقلت صحيفة "بوليتكو" عن مسؤولين في الأمم المتحدة قولهم: إنّ الضغوط الروسية لرفع العقوبات مقابل تخفيف حصارها عن الموانئ الأوكرانية قد يُعقّد المفاوضات "الهشة"، وذلك قبل وقت قصير من اختتام كبير مسؤولي الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة يومين من المفاوضات في موسكو بشأن الحصار.

وفي حين أنّ أيّ مفاوضات تهدف للتوصل إلى تسوية قائمة على تنازلات من الطرفين وسعيهما لتحقيق أقصى قدر من المكاسب، اعتبر أحد المسؤولين الأمريكيين موقف موسكو "دبلوماسية ابتزاز"، مؤكدين أنّ الولايات المتحدة لن توافق على صفقة ترفع أيّ ضغط اقتصادي عن الكرملين.

وأوّل من أمس، أبدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مقابلة مع تلفزيون "روسيا 1"، استعداده لضمان عبور الحبوب الأوكرانية إذا طهرت كييف موانئها من الألغام، وضمان تصدير الحبوب كذلك من خلال الموانئ الخاضعة لسيطرتها مثل؛ بيرديانسك وماريوبول بعد إزالة الألغام، وفقاً لوكالة "تاس" الروسية"، وأكد أنّ "كييف يمكنها أيضاً تصدير الحبوب براً والطريق الأكثر منطقية هو بيلاروسيا، ومع ذلك، يجب رفع العقوبات الغربية عن بيلاروسيا."

 انفراجة كبيرة

رأت "بوليتكو" أنّ التوصل إلى أيّ اتفاق يسمح لأوكرانيا بتصدير الحبوب قبل موسم حصاد القمح الصيفي سيكون بمثابة "انفراجة كبيرة"، مشيرة إلى أنّ المسؤولين الأمريكيين يراقبون عن كثب مفاوضات روسيا مع الأمم المتحدة، وكذلك المفاوضات المنفصلة مع تركيا، بشأن السماح بمرور "آمن" للحبوب الأوكرانية للأسواق العالمية.

التوصل إلى أيّ اتفاق يسمح لأوكرانيا بتصدير الحبوب قبل موسم حصاد القمح الصيفي سيكون بمثابة انفراجة كبيرة

وقد أدى الحصار إلى قلب طرق التجارة العالمية رأساً على عقب، بينما يهدد بخنق أوكرانيا مالياً وتعميق أزمات الجوع في جميع أنحاء العالم، وفقاً للصحيفة الأمريكية. وفي المقابل، تحاول روسيا رفع العقوبات التي وصفت بأنّها "الأشدّ إيلاماً" على الإطلاق، ضد الاقتصاد الروسي، وإنهاء عزل روسيا دولياً.

ويحاول الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إبرام اتفاق يضمن وصول صادرات المواد الغذائية والأسمدة الأوكرانية والروسية إلى الأسواق الخارجية بأمان، غير أنّ نجاح تلك الجهود يظل رهناً بموقف واشنطن، ففي 10 نيسان (أبريل) الماضي، اتهم المفكر الأمريكي نعوم تشوميسكي، في حوار مع صحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية، الولايات المتحدة الأمريكية بإشعال الحرب الروسية الأوكرانية وعرقلة أيّ محاولة للتوصل إلى تسوية برفضها رفع العقوبات عن روسيا.

 

تخوض الأمم المتحدة وساطة للتوصل إلى صفقة مع روسيا للسماح لأوكرانيا بإعادة تصدير الحبوب عبر البحر الأسود

 

وفي مرحلة مبكرة من المفاوضات بين روسيا والأمم المتحدة، أعربت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد عن دعم الولايات المتحدة العام للمناقشات، لكنّها أشارت أيضاً إلى أنّه لا توجد عقوبات تمنع روسيا من تصدير منتجاتها الغذائية والزراعية مثل؛ الأسمدة، كما قال بوتين.

وبحسب "بوليتكو"، فإنّ مساعدي وزارة الخارجية الأمريكية يبدون أكثر تفاؤلاً بشأن المفاوضات من غيرهم في إدارة بايدن، لكنّ معظم المسؤولين قالوا إنّهم ينتظرون تقدّم المحادثات أكثر لمعرفة ما إذا كانت روسيا سوف تتخلى عن دعواتها لتخفيف العقوبات.

ويضغط المشرعون الأمريكيون لمساعدة أوكرانيا في إعادة فتح ميناء أوديسا على البحر الأسود، وهو الميناء الوحيد في البلاد الذي ما يزال تحت سيطرة كييف، غير أنّ إدارة بايدن استبعدت، في الوقت الحالي، إرسال سفن عسكرية إلى المنطقة، الأمر الذي قد يدفع روسيا للانتقام. وبدلاً من ذلك، تخطط الإدارة لمواصلة إرسال الأسلحة لمساعدة أوكرانيا في محاربة القوات الروسية التي تهاجم أوديسا والمناطق الشرقية من البلاد، بينما تضغط لفتح المزيد من الطرق البرية لنقل الحبوب، الأمر الذي يعتبره مراقبون "صباً للزيت على النار"، ويؤدي إلى الحفاظ على الوضع "مشتعلاً".

 سياسة قصيرة النظر

من جهته، أكد بوتين، أول من أمس، أنّ بلاده "لا تعرقل تصدير الحبوب من أوكرانيا، ويمكن أن يتم ذلك عبر موانئ البحر الأسود والدول المجاورة، مضيفاً: "بالنسبة إلى صادرات الحبوب الأوكرانية، فإنّنا لا نضع عقبات أمام ذلك".

وعن تأثير العقوبات الأخيرة على روسيا وتبعاتها، قال بوتين: "سيؤدي هذا إلى تفاقم الوضع في أسواق الأسمدة العالمية، ممّا يعني أنّ آفاق الحصاد ستكون أيضاً أكثر تواضعاً. وهذا يعني أنّ الأسعار سوف ترتفع فقط"، واصفاً العقوبات بأنّها "سياسة خاطئة وقصيرة النظر تماماً، كما يمكنني القول إنّها مجرد سياسة غبية تؤدي إلى طريق مسدودة".

غوتيريش: عندما تشنّ الحرب، يجوع الناس

 وقد أدى الوضع في أوكرانيا والعقوبات واسعة النطاق المفروضة على روسيا من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى ارتباك إمدادات الحبوب عالمياً، فمنذ بداية العام الجاري، ارتفعت أسعار القمح والذرة بشكل ملحوظ. وأشار مجلس الأمن الدولي في اجتماع عقد في 21 أيار (مايو) الماضي إلى أنّ مخزون القمح حول العالم سيستمر (10) أسابيع فقط، والوضع أسوأ ممّا كان عليه خلال أعوام أزمة 2007-2008.

 الفقراء يدفعون الثمن

في 19 أيار (مايو) الماضي، حذّر أكثر من (75) متحدثاً أمام مجلس الأمن من أنّ أزمة الغذاء العالمية، التي تأثرت بالفعل بوباء كوفيد 19 وتغير المناخ، تتجه إلى مستويات المجاعة في جميع أنحاء العالم بسبب الحرب في أوكرانيا، وما نتج عنها من نقص في صادرات الحبوب.

في بيان على موقع الأمم المتحدة الرسمي، قال غوتيريش: "عندما تشنّ الحرب، يجوع الناس"، مشيراً إلى أنّ 60% من الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية في العالم يعيشون في مناطق متأثرة بالصراع. وشدد على أنّه "عندما يناقش هذا المجلس الصراع، فإنّك تناقش الجوع، وعندما تفشل في التوصل إلى إجماع، يدفع الجياع ثمناً باهظاً."

 

مسؤولون في الأمم المتحدة: إنّ الضغوط الروسية لرفع العقوبات مقابل تخفيف حصارها عن الموانئ الأوكرانية قد يُعقد المفاوضات "الهشة"

 

وحذّر من أنّ هناك (44) مليون شخص في (38) دولة في جميع أنحاء العالم يعانون من مستويات طارئة من الجوع، مشيراً إلى أنّ غزو روسيا لجارتها أدى فعلياً إلى إنهاء صادرات أوكرانيا من المواد الغذائية، مع ارتفاع أسعار الأغذية الأساسية بنسبة تصل إلى 30%، ممّا يهدد الناس في دول عبر أفريقيا والشرق الأوسط.

 وروسيا وأوكرانيا معاً تصدّران نحو 30% من الحبوب الاستراتيجية، وفي مقدمتها القمح، و67% من زيت عباد الشمس، وقد أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى ارتباك سلاسل التوريد، ولا سيّما من أوكرانيا، التي تقول إنّ موانئها الرئيسية على البحر الأسود، شريان التصدير الأول للدولتين، مغلقة ومحاصرة من قبل الروس، ممّا يهدد بانعدام الأمن الغذائي على مستوى العالم.

مواضيع ذات صلة:

الحرب الروسية الأوكرانية... هل هناك آفاق للتسوية السلمية؟

كيف توظّف روسيا الحسناوات لكسب العرب في الحرب ضد أوكرانيا؟

مسارات المرحلة الثانية في الحرب الروسية ـ الأوكرانية وسيناريوهاتها المتوقعة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية