هل تعود أنقرة للازدهار بعد تحسين علاقاتها بدول الجوار؟

هل تعود أنقرة للازدهار بعد تحسين علاقاتها بدول الجوار؟


05/03/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

قبل أن يقوم الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، بزيارته الرئاسيّة الأولى، والأولى منذ أكثر من عشرة أعوام لبلاده، إلى تركيا الشّهر المقبل، يُخطّط للتّوقف في كلّ من نيقوسيا وأثينا لطمأنة الدّولتين الحليفتين بالتزام إسرائيل المستمر.

ترتيب الاجتماعات له دلالاته: فمن الواضح أنّ تركيا، التي تحتل المركز الأخير على جدول الأعمال، تتصدّر العناوين، بينما تفتتح قبرص واليونان العرض الدّبلوماسيّ.

يُبرز التلطُّف الدبلوماسيّ الإسرائيليّ إلى أيّ مدى عزّزت تركيا موقعها في شرق المتوسط ​​في العامين الماضيين. وكان الاتّحاد الأوروبيّ قد فرض، في أواخر عام 2019، عقوبات على تركيا، بسبب عمليّات التّنقيب الاستكشافيّة في المياه التي تدّعي جمهوريّة قبرص أنّها تخصّها لكن تركيا تدّعي أنّها تنتمي إلى "جمهورية شمال قبرص التّركية".

بعد بضعة أسابيع، وقّعت أنقرة اتّفاقاً لترسيم الحدود البحرية مع طرابلس تجاهل بشكل أساسيّ جزيرة كريت اليونانيّة، وأثار انتقادات واسعة النّطاق.

في الصّيف التّالي، بعد مواجهة متوتّرة بين السّفن الفرنسيّة والتّركيّة بالقرب من السّاحل الّليبي، أوقفت فرنسا دوريات النّاتو التّابعة لها احتجاجاً على اعتداءات أنقرة، ثمّ دخلت تركيا واليونان على شفا الحرب بسبب خلاف على جزيرة يونانيّة صغيرة على بعد كيلومترات قليلة من السّاحل التّركيّ.

تستعدّ تركيا فجأة لترسيخ موقعها البارز المتجدّد في شرق المتوسّط ​​وما وراءه، كلّ ذلك هشّ إلى حدّ ما، وحركة واحدة خاطئة من الممكن أن تعرقل قطار السّلام هذا

شهد أيلول (سبتمبر) 2020 التّشكيل الرّسميّ لـ "منتدى غاز شرق المتوسّط"​​، الذي سعى إلى بناء خطّ أنابيب رئيس إلى أوروبا، مع وجود إسرائيل ومصر واليونان وإيطاليا وقبرص والأردن كأعضاء، نُظِر إلى التّحالف الجديد على نطاق واسع على أنّه مضادّ لتركيا، وسُرعان ما انضمّت الإمارات العربيّة المتّحدة والاتّحاد الأوروبيّ إليه كدول مراقبة.

اقرأ أيضاً: أردوغان يخطط لطموحاته العُثمانيّة الجديدة نحو الشرق

وفي أيلول (سبتمبر)، أيضاً، رفعت الولايات المتّحدة حظر الأسلحة المفروض منذ فترة طويلة على قبرص، ممّا أتاح إرسال شحنات عسكريّة إلى خصم تركيا. بعد شراء تركيا لنظام الدّفاع الصّاروخيّ "إس-400" من روسيا، طردت الولايات المتّحدة تركيا من برنامج "إف-35"، ودعا العديد من المراقبين إلى طرد تركيا من النّاتو.

بحلول نهاية عام 2020، عندما فرض الرّئيس الأمريكيّ السّابق، دونالد ترامب، عقوبات على تركيا، لشرائها "إس-400"، بدت عزلة أنقرة كاملة.

بعد مرور 14 شهراً، تنتهي أنقرة في عالم جديد، انتهى السّباق على احتياطيّات الغاز في شرق المتوسّط ​​قبل أن يبدأ تقريباً، حيث أدّى انخفاض الأسعار وانخفاض الطّلب بسبب الوباء إلى جعل أوروبا سوقاً غير محتمل، وأكّدت واشنطن هذا التّحول الشّهر الماضي عندما انسحبت من خطّ أنابيب "إيست ميد".

علاوة على ذلك، عزّزت تركيا موقفها الإقليميّ في مجال الطّاقة باكتشاف لا يُستهان به للغاز في البحر الأسود، والذي من المتوقّع أن يبدأ استغلاله العام المقبل. وفي الآونة الأخيرة، ذكرت المنافذ الموالية للحكومة أنّ اكتشافاً رئيساً آخر في البحر الأسود قد يكون وشيكاً.

اقرأ أيضاً: "ديانت" ذراع أردوغان تطالب المواطنين بالتبرع.. لماذا؟

تستمر أنقرة وأثينا في الاقتراب من بعضهما، لكن خلال العام الماضي، التقى الاثنان بانتظام لإجراء محادثات رفيعة المستوى، بما في ذلك يوم الإثنين الماضي، لتسوية مجموعة من الخلافات.

في شمال قبرص، أنشأت تركيا قاعدة طائرات من دون طيار وساعدت في تنصيب رئيس صديق لأنقرة، وبما أنّ ناخبي "جمهورية شمال قبرص التّركيّة" يفضّلون الآن خطّة حلّ الدّولتين التي تدعمها تركيا على الاتّحاد الفيدراليّ الثّنائيّ الذي دافعوا عنه لفترة طويلة، فإنّ اقتراح حلّ الدّولتين أصبح الآن جزءاً من المفاوضات الرّسميّة. في غضون ذلك، تحوّلت نيقوسيا من الدّعوة إلى فرض عقوبات على تركيا إلى التّركيز على تدابير بناء الثّقة.

لعلّ الأهم من ذلك أنّه في الأشهر الأخيرة تمكّنت تركيا في الوقت نفسه من تحسين العلاقات مع قوى إقليميّة قويّة، مثل مصر والمملكة العربيّة السّعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة وإسرائيل. الشهر الماضي، استقبلت دولة الإمارات العربيّة المتّحدة الرّئيس التّركي، رجب طيب أردوغان، بمراسم احتفاليّة كبيرة؛ حيث وقّع البلدان أكثر من 12 اتّفاقيّة تعاون، معظمها في مجال الدّفاع والتّجارة.

هذا التّقارب يؤتي ثماره بالفعل في ليبيا، وكان السّفير التّركي، كنان يلماز، قد زار، الشّهر قبل الماضي، رئيس مجلس النّواب الّليبي، عقيلة صالح، في شرق البلاد، فيما عيّنت الإمارات سفيراً جديداً وأعادت فتح سفارتها في طرابلس. وعلى الرّغم من إلغاء انتخابات كانون الأوّل (ديسمبر)، يبدو أنّ هناك زخماً نحو المصالحة، حيث تلعب أنقرة وأبو ظبي أدواراً رئيسة، بالإضافة إلى ذلك، تفضّل الولايات المتّحدة كثيراً استمرار الوجود العسكريّ لتركيا العضو في النّاتو في ليبيا على الوجود العسكريّ الرّوسي على شكل مقاتلي "مجموعة فاغنر".

حتّى الأزمة الأوكرانيّة ساعدت، حتّى الآن، في تعزيز الصّورة الإقليميّة لتركيا، حيث تدرك الولايات المتّحدة والنّاتو أنّ دوراً أكبر لتركيا في شرق المتوسّط ​​والبحر الأسود، ودورها كحليف لأوكرانيا، يمكن أن يساعد في احتواء روسيا. أيضاً، قد يساعد تفضيل تركيا في هذه المسارح على إبقاء أنقرة في صفّ الغرب في حالة اندلاع الحرب بين أوكرانيا وروسيا، كما يتوقّع كثيرون.

تجري تركيا الآن محادثات مع الرّياض بشأن زيارة رئيسها للسّعوديّة، بينما توقّف مستشار أردوغان البارز، إبراهيم كالين، في إسرائيل، الأسبوع قبل الماضي، لوضع حجر الأساس لرحلة هرتسوغ إلى تركيا.

من المتوقّع أن يصل الرّئيس الإسرائيليّ إلى أنقرة، وقد أوضحت تل أبيب أنّ التّطبيع لن يتطلّب من تركيا قطع العلاقات مع حماس، التي لها مكاتب في إسطنبول

من المتوقّع أن يصل الرّئيس الإسرائيليّ إلى أنقرة في الفترة من 9 إلى 10 آذار (مارس)، وقد أوضحت تل أبيب أنّ التّطبيع لن يتطلّب من تركيا قطع العلاقات مع حماس، التي لها مكاتب في إسطنبول.

التّرقب للقمة كبير؛ لأنّها ستكون أعلى اجتماع ثنائيّ من حيث مستوى التّمثيل منذ حادثة "مافي مرمرة"، عام 2010، حيث صعدت القوّات الإسرائيليّة على متن سفينة مساعدات إنسانيّة تركيّة بهدف كسر الحصار على غزة وانتهى بها الأمر بقتل 10 مواطنين أتراك؛ بل إنّ بعض المحلّلين اقترحوا أنّ تركيا قد تقدّم بديلاً لخطّة خطّ أنابيب "إيست ميد" المتعثّرة وتساعد في إيصال الغاز الإسرائيليّ إلى أوروبا.

ما يزال التّضخّم المتفشّي والاستياء العام المتزايد والأرقام القياسية لحالات "كوفيد-19" تزعج تركيا في الدّاخل، لكن خارج حدودها تقفز أنقرة عالياً، يبدو الأمر كما لو أنّ السّنوات الـ 12 الماضية قد تمّ محوها.

أخيراً وليس آخراً، فيما يغادر هرتزوغ، سيفتتح المسؤولون الأتراك "منتدى أنطاليا للدبلوماسيّة"، وتتوقّع القمّة، التي ستعقد يومي 11 و13 آذار (مارس)، وفوداً رفيعة المستوى من اليونان ومصر وإسرائيل ومجلس أوروبا ومالطا والعراق وجهات فاعلة إقليميّة أخرى، ربما بما في ذلك أرمينيا.

تستعدّ تركيا فجأة لترسيخ موقعها البارز المتجدّد في شرق المتوسّط ​​وما وراءه، كلّ ذلك هشّ إلى حدّ ما، وحركة واحدة خاطئة من الممكن أن تعرقل قطار السّلام هذا. لكن منذ أواخر عام 2020، فإنّ ما حقّقته أنقرة من خلال تحوّل في النّهج، وشيء من اليأس، وقليل من الوقاحة أمر مثير للإعجاب، ويُظهر كيف يمكن أن تكون العزلة عابرة في هذا المشهد الجيوسياسيّ سريع التّغير.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

ديفيد ليبيسكا، ذي ناشونال، 21 شباط (فبراير) 2022

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2022/02/21/how-turkey-is-winning-back-the-eastern-mediterranean/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية