هل تفاجأت الولايات المتحدة بهزيمتها "السريعة" في أفغانستان أم خططت لها؟

هل تفاجأت الولايات المتحدة بهزيمتها "السريعة" في أفغانستان أم خططت لها؟


15/08/2021

أوقعت حركة طالبان الأفغانية هزيمة استخباراتية بالولايات المتحدة الأمريكية، لتلحق بالهزيمة العسكرية، بعدما ظهر الإخفاق الكبير في تقدير المدة التي قد تسيطر فيها الحركة على العاصمة كابول؛ أي سقوط أفغانستان بالكامل تحت إمرة طالبان، والذي قدرته الولايات المتحدة بـ3 أشهر، لتختصر الحركة المدة في 3 أيام فقط.

وقد بدا التوتر الذي أصاب الولايات المتحدة من وقع ذلك التقدم السريع منعكساً في تحذير الرئيس الأمريكي جو بايدن للحركة من المساس بالمصالح الأمريكية والأمريكان هناك، معلناً إرسال 5 آلاف جندي لإجلاء الموظفين الأمريكان وبعض المدنيين الأفغان، لتردّ الحركة بأنها تحرص على تأمين الأموال والممتلكات والمرافق العامة، بحسب موقع "العربية".

وكانت الولايات المتحدة تنوي إرسال 2000 جندي فقط من المارينز لإخلاء السفارة وتأمين نقل الموظفين وبعض المدنيين، ولكن أدى التقدم السريع لطالبان في أفغانستان إلى مضاعفة العدد.

وكانت الحركة قد وصلت إلى مشارف العاصمة أمس، وقد حاصرتها بالكامل اليوم، ودخلت في مفاوضات مع الحكومة لتسليم العاصمة دون قتال.

وفيما يعزز ذلك مؤشر الهزيمة المتعددة عسكرياً واستخباراتياً للولايات المتحدة في أفغانستان، ويزعزع الثقة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة بحسب البعض، فإنه يمنح مؤشراً معاكساً لدى البعض الآخر، ممّن يعتبرون أنّ التقدم السريع لطالبان لم يحدث إلا بضوء أخضر أمريكي، من أجل سقوط الدولة في يد الجماعة المتشددة، وخلق بؤرة توتر في الشرق الأوسط تستغلها الولايات المتحدة فيما بعد.

السيناريو الأول الذي يعزز منطق الهزيمة يدعمه رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم البريطاني الذي عمل سابقاً مستشاراً لحلف شمال الأطلسي في أفغانستان توم توجندهات، قائلاً في مقال بصحيفة "ذا ناشيونال": إنّ "فشل الولايات المتحدة في الحفاظ على مسارها في تلك البلاد تسبب في تقويض مصداقية القوة الأمريكية، وسيكون له تداعيات على بعد آلاف الأميال".

 

 تقدّمت الحركة سريعاً، واختصرت مدة الـ3 أشهر التي توقعتها المخابرات الأمريكية إلى 3 أيام، فقد وصلت إلى مشارف العاصمة أمس، وقامت بمحاصرتها بالكامل اليوم

 

وأضاف توجندهات، بحسب ما أورده موقع "العين"، أنّ "الولايات المتحدة والناتو عملا على مدى عقدين من الزمن بتذليل الصعاب، حتى تولى الجيش والشرطة الأفغانية مهمة إرساء الأمن في أفغانستان، فقد بنينا الثقة وقدّمنا الدعم الذي يحتاجون إليه لاستمرار العمليات".

وتابع: "قمنا بتدريب هذه القوات على القتال، وساعدناهم على تعلم قوة خطوط الإمداد والقوة الجوية والقدرة على الشراكة مع الحلفاء، ومكنتهم سلاسل الدعم الجوي والخدمات اللوجستية من القدرة على النجاح".

يقول توجندهات: إنّ "وجودنا كان داعماً قوياً للقوات الأفغانية، نشر الناتو قوة قوامها 10000 جندي، شكلت العمود الفقري لقوات الأمن الأفغانية، ممّا أعطى الثقة لما يقرب من 400000 جندي من الشرطة والجيش الأفغان".

ويتابع: "لكن بدلاً من الانتظار كما فعلنا في ألمانيا وكوريا الجنوبية واليابان وقبرص، انسحبنا، كان عدد الجنود الأمريكيين الذين تم سحبهم من أفغانستان البالغ عددهم 2500 جندي بالكاد يمثل عُشر أولئك الذين ينتشرون بشكل دائم في الخليج، ومنذ أن توقفت العمليات القتالية لقوات الناتو قبل عدة أعوام، لم يواجهوا خطراً محدقاً كالذي نشهده الآن".

ويستطرد أنّ "المستقبل يبدو الآن متوقعاً للغاية، لقد رأينا هذه المسرحية من قبل، يسمح الفضاء غير الخاضع للقانون بانتشار الجماعات الإرهابية مثل داعش التي هددت الشرق الأوسط، أو حركة تركستان الشرقية الإسلامية التي تسعى إلى فصل شينغيانغ عن الصين، وكلتاهما عاودت نشاطها في أفغانستان مؤخراً".

وتساءل: "هل يمكن أن تكون تلك هي مرحلة أمريكا التي تثبت فيها للعالم أنها لم تعد لديها الإرادة، أو ربما القدرة، على لعب الدور الذي لعبته على مدار الـ80 عاماً الماضية؟ إنّ ما جعل الولايات المتحدة قوية وغنية هو أنه من عام 1918 حتى عام 1991 وما بعده، كان الجميع يعلم أنه يمكن الاعتماد على الولايات المتحدة للدفاع عن العالم الحر".

نظرية المؤامرة

وبخلاف ذلك التفسير الذي يعكس هزيمة الولايات المتحدة في أفغانستان، يبرز تفسير آخر يتهم الولايات المتحدة بالتورط فيما تشهده أفغانستان، مشيراً إلى المؤامرة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط بالانسحاب، وترك الدولة فريسة للحركة المتشددة التي كانت مرتعاً للحركات الجهادية في العالم.

ويعكس هذا السيناريو القلق الذي ينتاب دول الشرق الأوسط من ذلك الفراغ الأمني في أفغانستان وتجربة الولاية الثانية لطالبان.

 

توم توجندهات: فشل الولايات المتحدة في الحفاظ على مسارها في تلك البلاد تسبب في تقويض مصداقية القوة الأمريكية، وسيكون له تداعيات على بعد آلاف الأميال

 

ويتبنى هذا السيناريو خبيران مصريان، اعتبرا أنّ سرعة تقدم "طالبان" تدل على فشل واشنطن في بناء نظام عسكري وأمني مستقر بأفغانستان، مع أنّ ما يجري هناك قد لا يتعارض مع الأهداف الأمريكية بعيدة المدى، بحسب ما أورده موقع "روسيا اليوم".

وقال وكيل جهاز المخابرات العامة السابق اللواء محمد رشاد: إنّ أزمة أفغانستان مطروحة للتفاوض بين أمريكا وحركة "طالبان" منذ فترة طويلة، وما يجري في أفغانستان أبعاده متوقعة، وهي قدرة طالبان على السيطرة على أفغانستان، وهذا  ليس بالأمر المفاجئ للولايات المتحدة الأمريكية، "إن لم يكن ذلك متفقاً عليه بينهما".

وأوضح قائلاً: "أمريكا ستجلي رعاياها، ومعهم الأفغان الذين تعاونوا معها بتأمين مطار كابل، وهو سيناريو توافق عليه أمريكا، إن لم تكن متفقة عليه مع طالبان لأهداف استراتيجية، وهي خلق مناطق توتر تستفيد من وجودها على المدى البعيد".

من جانبه، وصف الخبير الأمني العميد خالد عكاشة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بأنه انسحاب مخطط له، يعبّر عن فشل التجربة الأمريكية في أفغانستان وفشل التحالف الدولي هناك أيضاً، بدليل أنه خلال 20 عاماً من التواجد العسكري له في أفغانستان لم يستطع بناء دولة أو نظام عسكري وأمني مستقر، مضيفاً أنّ "النظام تهاوى بمجرد الإعلان عن خروج القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي".

وتابع، بحسب المصدر ذاته: "يمكن وصف تجربة الناتو وأمريكا خلال 20 عاماً بالتجرية شديدة الهشاشة، فلم يستطع الناتو وأمريكا بناء دولة مدنية فى أفغانستان لها أذرع عسكرية ومدنية، ومنذ الإعلان عن الخروج الأمريكي وطالبان تلتهم الولايات الأفغانية الواحدة تلو الأخرى، وتمكنت من السيطرة على معظم أراضي البلاد بشكل متسارع فاجأ العالم وجعله في حالة ذهول".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية