هل تمكن الكاظمي من تجاوز قضية الأمن ليقفز إلى الاستثمار؟

هل تمكن الكاظمي من تجاوز قضية الأمن ليقفز إلى الاستثمار؟


22/11/2020

جاء رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى الحكم من أروقة المخابرات، التي بشّرت برئيس وزراء "ليس سهلاً"، حاملاً مشروع "التوازن العراقي"، بفكّ ارتباطه عن إيران، مقابل تقارب مع دول الخليج، وفي مقدّمتها الجارة السعودية.

طريق الكاظمي لم يكن ممهداً، ولن يكون، وتلك بديهية كان يعرفها الكاظمي نفسه، والمحيطون به، سواء أكانوا أصدقاءه الجدد، أم أعداءه، وفيما تمسّك الكاظمي بالتحدي، ونجح في تجاوز بعض العقبات وتجنب الأخرى أو قرّر مهادنتها، فإنه فشل فيما يبدو في اختبار حيوي ومهم، يتمثل في إدارة معركة الاستثمار داخل العراق، والتي كانت ستمثل بداية جديدة وطوراً مختلفاً من العلاقات بين المملكة والعراق.

اقتباس: ظنّ الكاظمي أنه يمكن أن يتجاوز أزمة الأمن والسلاح، ويقفز إلى الطفرة الاقتصادية ومخططه في إحداث التوازن في رمانة العلاقات الخارجية لبلاده، حتى أوقفت عقبة الميليشيات طموحه

وبما أنّ العلاقات الاقتصادية تمثل الرباط الرئيسي في تحسين العلاقات بين الدول، وتعبّر عن فتورها وضمورها، فقد كان الحديث منذ البدء منصبّاً بين الكاظمي والمملكة على عهد جديد من العلاقات بشراكة اقتصادية عميقة وممتدة.

عقدت الجلسات التنسيقية والتباحثية بين الدولتين على مدار الشهور الماضية، مع وجود بوادر حقيقية لدى الدولتين على توطيد تلك العلاقة ونقلها إلى أطوار جديدة بما يخدم مصالح البلدين، فالسعودية ستستفيد من حليف حيوي وهام يضعف معسكر غريمها التقليدي إيران، بالإضافة إلى إتاحة بيئة جديدة وخصبة لاستثماراتها وتوجهاتها، بمخطط يقوده الأمير محمد بن سلمان لإحداث طفرة اقتصادية غير مرتبطة بالنفط.

أمّا العراق، فقد كان سيكسب بتلك العلاقات ملايين الدولارات التي سوف تضخ إلى سوقه الذي يعاني من أزمة حادة، ما يعني توفير مزيد من فرص العمل، بالإضافة إلى تحسين صورته وفك ارتباطه بإيران الذي يؤثر على علاقاته مع دول عدة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.

غير أنّ تلك الأهداف الواعدة من الجانبين، تواجه في المقابل بتغلغل إيراني أكبر من أن يتم تجاوزه بسهولة، خاصة في ظل انفلات السلاح في العراق، وسطوة الميليشيات المسلحة وغالبيتها تحت إمرة إيران.

ظنّ الكاظمي أنه يمكن أن يتجاوز أزمة الأمن والسلاح، ويقفز إلى الطفرة الاقتصادية ومخططه في إحداث التوازن في رمانة العلاقات الخارجية لبلاده، حتى أوقفت عقبة الميليشيات طموحه، وعرقلت المشاريع الاقتصادية بين السعودية وإيران في شقها الزراعي.

إعلان مُحبط

أعلن وزير الزراعة العراقي محمد كريم الخفاجي اعتذار الشركات السعودية عن الاستثمار في العراق، وعلى الرغم من أنّ الحجج التي ساقها تتعلق في ظاهرها بالمياه، غير أنّ باطنها لا يخلو من عقبة الأمن.

اقرأ أيضاً: متى يخرج العراق من "بيت الطاعة" الإيراني؟

وقال الخفاجي في تصريح صحفي: إنّ "شركات سعودية أبدت رغبتها بإنشاء محطات لتربية الأبقار على مساحة من 10 إلى 50 ألف دونم في محافظات المثنى والأنبار والنجف، إلّا أنّ وزارة الموارد المائية العراقية أكدت عدم قدرتها على توفير مياه مستدامة لمدة 50 عاماً"، بحسب ما أورده موقع "روسيا اليوم".

وأضاف وزير الري: بسبب عدم القدرة على توفير مياه مستدامة، اعتذرت الشركات السعودية عن تنفيذ هذا المشروع.

يأتي ذلك بعدما لاقى مشروع الاستثمارات السعودية في العراق رفضاً كبيراً من أطراف سياسية وجماعات مسلحة منضوية في هيئة الحشد الشعبي، واعتبرتها أطراف سياسية "محاولة سعودية للاستيلاء على الاقتصاد العراقي".

أراد رئيس الوزراء العراقي امتصاص تلك الحالة الحانقة والتهديدات المبطنة للمشاريع والمصالح السعودية في العراق، فخرج في مؤتمر صحافي وانتقد تلك المحاولات

وربط مراقبون بين تراجع الشركات السعودية عن الاستثمار في العراق وبين رفض الميليشيات المسلحة، تجنباً لاستهداف تلك المشاريع ما يعني إهدارها، فيما يعكس في الوقت ذاته استمرار السطوة الإيرانية على مقدّرات العراق.

تهديدات الميليشيات

في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أصدرت جهتان شيعيتان بالتزامن بيانين يرفضان الاستثمارات السعودية المرتقبة في العراق، في مؤشر على توجيه جهة ما لإصدار تلك البيانات، والتي جاءت بالتزامن مع حملة عبر القنوات الشيعية والمنصات الرقمية على تلك الاستثمارات، ووصفها بالوهمية تارة وبالاحتلال السعودي تارة أخرى.

وقال زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي: "نرفض محاولات النظام السعودي في الاستيلاء على المساحات الكبيرة من أراضي محافظات الأنبار والنجف والمثنّى والبصرة بدعوى الاستثمار، لما في هذا المشروع من تهديدات أمنية خطيرة للغاية من قبل نظام له سوابق عديدة في الإضرار بأمن العراق واستقراره في إصدار فتاوى التكفير وإرسال مئات الانتحاريين مضافاً إلى الدعم المخابراتي والمالي".

وتابع، بحسب ما أوردته صحيفة العرب اللندنية: إنّ المشاريع لها أضرار اقتصادية ستلحق بمخزون العراق الاستراتيجي من المياه الجوفية التي تحويها هذه الأراضي بسبب نوعية المزروعات التي يراد استغلال مياه العراق من أجلها.

فيما قال نائب عن ميليشيا العصائب في البرلمان العراقي نعيم العبودي: لأننا نعرف النوايا جيداً وما يضمره هذا المشروع من خطر على العراق أرضاً وشعباً، فإننا نرفضه، وندعو العراقيين الغيارى على أرضهم إلى إفشاله بكل الوسائل الممكنة.

وحاول رئيس الوزراء العراقي امتصاص تلك الحالة الحانقة والتهديدات المبطنة للمشاريع والمصالح السعودية في العراق، فخرج في مؤتمر صحافي وانتقد تلك المحاولات، غير أنّ محاولته لم تنجح في طمأنة المملكة لضخّ استثمارات بالمليارات، فيما تواجه مخاطر عدم الاستقرار والاستهداف.

طالما ظلّ قرار الهدنة وقطعها، واستهداف مصالح دولة ما أو مهادنتها بيد ميليشيات تأتمر بأوامر إيرانية، بحسب مراقبين، فإنّ العراق سيظل بيئة غير آمنة للاستثمار

وربما فيما حدث مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي هددت بسحب سفارتها من العراق قبل شهور، في ظل تزايد عمليات الاستهداف من قبل الميليشيات، مع التوعد بالرد، أفضل انعكاس لطبيعة الأوضاع على الأرض، وعجز الحكومة عن السيطرة، إذ توقفت الهجمات بمبادرة من الميليشيات بعدها، وفق تصريحها، ثم عادت بعد أيام إلى استهداف المصالح الأمريكية من جديد معلنة أنّ الهدنة قد انتهت.

وطالما ظل قرار الهدنة وقطعها، واستهداف مصالح دولة ما أو مهادنتها بيد ميليشيات تأتمر بأوامر إيرانية، بحسب مراقبين، فإنّ العراق سيظل بيئة غير آمنة للاستثمار.

وقال الكاظمي قبل أيام فقط من اعتذار الشركات السعودية: هناك من يروّج لكذبة "الاستعمار السعودي" في مجال الاستثمار، واصفاً هذا الفعل بـ"المعيب"، بحسب ما أوردته جريدة "الشرق الأوسط".

وأضاف الكاظمي: إنّ استثمارات السعودية توفر مئات الآلاف من فرص العمل للعراقيين، ومن اللازم تأمين بيئة تحمي المستثمر وليس ابتزازه، لافتاً إلى أنّ السعودية لها استثمارات زراعية في دول كثيرة، كالأرجنتين وكندا وبنسبة كبيرة جداً، متسائلاً بسخرية: لماذا لا يعتبرون ذلك استعماراً؟ إنما فقط عندنا في العراق يصبح استعماراً؟

وتابع رئيس الوزراء العراقي: هناك من يحاول الاستهانة بكل خطوة أمل تقوم بها الحكومة من خلال جيوش إلكترونية وبعض القنوات، ولو أنهم أنفقوا هذه الأموال على تصحيح صورتهم لدى الناس، لكان أفضل من إنفاقها على النيل من رئيس وزراء يحاول أن يكون خادماً للشعب.

وحول ملف السلاح، شدّد على أنّ حكومته أخذت على عاتقها متابعة السلاح المنفلت، لكنّ  "القضية معقّدة، لأنه تم تأسيسها خلال فترة 17 عاماً، ولا تنتهي بين يوم وليلة، وتحتاج إلى عمل وحوار"، كاشفاً في الوقت ذاته وجود تعاون وتفاهم مع بعض الجماعات لضبط السلاح وتسليمه إلى الدولة.

ولم يوضح الكاظمي أسماء تلك الجماعات أو إلى أي فصيل تنتمي، لكنه زاد: هناك خوف من موضوع السلاح المنفلت، وهناك 4 أنواع من السلاح: سلاح بيد مجاميع خارج سيطرة الدولة، وسلاح بيد عصابات الجريمة المنظمة والمخدرات، وسلاح لدى بعض العشائر، وسلاح لدى الإرهاب و(داعش).

حجم الاستثمارات السعودية والإيرانية

ولا يعني الإعلان السعودي، أو العرقلة البادية في خطط تطوير التعاون الاقتصادي، انقطاعه على نحو كامل، إذ إنّ للسعودية استثمارات في العراق تبلغ قيمتها نحو ملياري ريال، بحسب تصريح لوزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، في 13 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، مشيراً إلى أنّ بلاده تتطلع إلى ضخ استثمارات إضافية من المتوقع أن تصل إلى 10 مليارات ريال تقريباً في قطاعات مختلفة.

اقرأ أيضاً: فتح المنفذ الحدودي "عرعر" بين العراق والسعودية.. وهذه دلالاته

ويعني التصريح السابق أنّ السعودية كانت تأمل في مضاعفة استثماراتها بالعراق 4 أضعاف، وكان البلدان قد افتتحا منفذ عرعر البرّي بينهما في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي، ما أضفى تفاؤلاً على تفعيل التبادل التجاري والعلاقات قبل أن يحبطها الاعتذار السعودي الأخير.

ورغم الحجم الكبير لتلك الاستثمارات، فإنها لا تتخطى رغم ذلك حجم الاستثمارات الإيرانية في العراق، والتي لا يوجد رقم محدد لها في ظل العقوبات الأمريكية على إيران، وإجراء معاملات واستثمارات بطريقة تحايلية.

وفي آب (أغسطس) الماضي، نقلت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء (إرنا) خلال اجتماع إيراني ـ عراقي أنّ الجانبين عملا على رفع سقف التبادل التجاري بينهما إلى 20 مليار دولار، وتباحثا حول تعديل الميزان التجاري الذي يميل لصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية