هل تنجح "الصفقات" في إنهاء الأزمات بين إقليم كردستان وبغداد؟

هل تنجح "الصفقات" في إنهاء الأزمات بين إقليم كردستان وبغداد؟

هل تنجح "الصفقات" في إنهاء الأزمات بين إقليم كردستان وبغداد؟


30/01/2023

مثّل اللقاء الذي جمع رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، ورئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، انعطافة لافتة لمحاولة إيجاد صيغة سياسية ومقاربة عملية للتعاون بين بغداد وأربيل، فضلاً عن مناقشة القضايا المحورية بين الطرفين، ومنها أزمة الطاقة، الأمر الذي يجعل الأولويات تتجه نحو التعاون السياسي والأمني، وتخفيض سقف الخلافات، لا سيّما في ما يتصل بمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، والانتهاكات التركية الإيرانية.

ومن بين الملفات التي ناقشها السوداني وبارزاني، القوانين المرتبطة بملف النفط والغاز، وكذا قانون الموازنة العامة الاتحادية، فضلاً عن التنسيق الأمني المشترك لتأمين الحدود والحفاظ على سيادة العراق، فيما أكد بارزاني على "ضرورة عدم النظر إلى بعضنا كمنافسين، بل يجب العمل معاً بروح الشراكة". وطرح رئيس إقليم كردستان إمكانية حل الخلافات وإنهاء المشكلات العالقة بين بغداد وأربيل.

وتابع: "ندعم رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني، الذي يسعى إلى إعادة السلطة المدنية والمحلية إلى جميع المحافظات، ويحاول تمهيد الأرضية للحوار والاتفاق بشأن المشاكل العالقة بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية".

وأضاف أنّ "مناطق وأقاليم ومحافظات العراق، والقوميات والأديان والمذاهب في العراق ليست أعداء لبعضها، بل هذه التعددية القومية والدينية والمذهبية هي قوّة للعراق".

وفي كلمة ألقاها ببغداد بالتزامن مع ذكرى اغتيال رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بالعراق، محمد باقر الحكيم، قال بارزاني إنّه يتعين على الحكومة العراقية الالتزام بالوعود والتعهدات التي تشكلت على أساسها الكابينة الوزارية لحكومة السوداني، فضلاً عن تطبيق الدستور من دون انتقائية وتنحية أيّ اعتبارات تؤدي إلى إهمال أجزاء من بنوده.

الناشط السياسي محمد الطائي: ترسيم الحدود بين الإقليم والمركز

وقد أوضح رئيس إقليم كردستان أنّ الدستور هو "عقد سياسي واجتماعي بين جميع مكوّنات العراق لا يجوز إهماله مثلما يحصل الآن، بل يجب تطبيقه بالكامل، حتى لا ترى الناس نفسها بعيدة عن العملية السياسية في العراق".

وشدد على ضرورة "ضمان حقوق جميع المكونات وفق الدستور. وأن يكون نظام إدارة العراق بشكل عملي وحقيقي نظاماً فيدرالياً، وهذا هو المبدأ الأساسي للدستور والنظام السياسي والإداري للعراق".

منذ عام 2003، وحتى الآن، هناك الكثير من الملفات التي تعكس حجم المشاكل بين حكومتي المركز، من جهة، وإقليم كردستان، من جهة أخرى، حسبما يوضح الناشط السياسي والمدني العراقي بحراك تشرين، محمد الطائي، موضحاً لـ"حفريات"، أنّه على رأس تلك الملفات "النفط والغاز والأمن وكذا ترسيم الحدود بين الإقليم والمركز. وبالإضافة لذلك، ملف المنافذ الحدودية وحمايتها؛ إذ إنّ حكومة الإقليم دائماً ما استخدمت تلك الملفات كبنود تفاوض، بصفة مستمرة، للحصول على مناصب في الحكومة والمشاركة في إدارة الدولة في كل دورة انتخابية. ويؤكد: لا يخفى على أحد أنّ تصويت نواب الإقليم في البرلمان العراقي على شخصية رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، وحكومته، لم يكن  إلا بعد التفاوض على تلك الملفات، وأخذ الضمانات على تحقيقها بما يضمن مصلحة أكبر للإقليم".

هل تنتهي الخلافات أم تتراكم؟

يتفق والرأي ذاته، الباحث المصري في العلوم السياسية الدكتور سامح مهدي، الذي يرى أنّ هناك تفاهمات واضحة بين حكومة السوداني والإقليم، لافتاً في حديثه لـ"حفريات" إلى الزيارات التي يقوم بها مسؤولون كرد من إقليم كردستان إلى بغداد، وذلك منذ تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي، حيث بدأ رئيس حكومة الإقليم بفتح نقاشات مع السوداني في القضايا ذاتها التي تمثل نقاط خلاف تقليدية بين بغداد وأربيل، وأهمها التنسيق الأمني في المناطق المتنازع عليها، وكذا ملف الغاز والطاقة، وإيجاد صيغة ملائمة لتصدير النفط من حقول الإقليم.

ووفق الباحث المصري في العلوم السياسية، فمن المتوقع أن يقوم وفد سياسي كردي بزيارة بغداد، نهاية الشهر الجاري كانون الثاني (يناير)، وذلك لاستكمال المحادثات التي بدأها بارزاني، مشدداً على أنّ النتائج قد تكون إيجابية تلك المرة. وتابع: "حصل الكرد على وعود من تحالف الإطار التنسيقي الذي يعد محمد شياع السوداني قيادياً بارزاً فيه لإنهاء التناقضات مع حكومة المركز وتصفية الخلافات القديمة، الأمر الذي يمكن اعتباره شروطاً كردية وافق عليها الطرف الأول في مقابل الحصول على أصوات الكرد لصالح مرشح الإطار".

من الملفات التي ناقشها السوداني وبارزاني، القوانين المرتبطة بالنفط والغاز، وقانون الموازنة العامة الاتحادية، والتنسيق الأمني المشترك لتأمين الحدود والحفاظ على سيادة العراق

وفي ما يبدو أنّ هناك درجة من الدعم غير المسبوق لحكومة السوداني من قبل حكومة الإقليم، وهذا الاصطفاف السياسي يبرز، على نحو لافت، من خلال اللقاء الذي جمع بارزاني، مطلع الأسبوع، بالسفيرة الأمريكية ببغداد، آلينا رومانسكي، والتي شددت في بيان على ضرورة هذا الدعم، وأهمية التحالف بين الطرفين، بما يحقق استقرار المنطقة. وتثمن رومانسكي زيارة "نيجيرفان بارزاني لبغداد لمناقشة توطيد وحدة إقليم كردستان العراق، وتنفيذ إصلاحات البيشمركة، وتعزيز العلاقات بين حكومة العراق وحكومة الإقليم، وتعزيز العلاقات الأمريكية العراقية".

وبخلاف الموقف السياسي العراقي المعارض لوجود القوات الأمريكية، والذي ضغط على حكومات سابقة، منها حكومة مصطفى الكاظمي، فإنّ السوداني أكد على أهمية بقاء القوات الأجنبية (في إشارة لوجود فرق بين قوات حلف شمال الأطلسي والقوات الأمريكية)، بينما لم يحدد جدولاً زمنياً لانسحابها، مشيراً إلى استمرار تهديد تنظيم داعش الإرهابي، الأمر الذي يجعل هناك حاجة لوجود هذه القوات لتدريب الوحدات العسكرية والأمنية العراقية.

شروط كردية وبنود تفاوض مع بغداد

وبالعودة للناشط السياسي والمدني العراقي بحراك تشرين، محمد الطائي، فيقول إنّ الزيارة المتكررة  لبارزاني إلى بغداد في هذا الشهر، تستهدف تحقيق جملة نتائج سياسية، ومتابعة البنود المتفق عليها بين الطرفين، منها الموازنة العامة، المزمع إقرارها في آذار (مارس) المقبل، حيث يرغب إقليم كردستان بزيادة نسبته في الموازنة العامة لـ 21 ٪ بعد أن كانت تبلغ 17٪ في الموازنة السابقة .

ويتابع: "وفي ما يخص الاعتداءات المتكررة من الجانب الإيراني والتركي على الأرضي العراقية في إقليم كردستان، ويسعى الأخير إلى أن يضع حكومة المركز أمام مسؤولياتها في حماية السيادة العراقية من أيّ اعتداء خارجي، وأن يتم حسم هذا الملف بشكل يضمن الحماية للإقليم، ويحفظ سيادة الدولة، لا سيّما أنّ حكومة السوداني هي نتاج تحالف الإطار التنسيقي المعروف بارتباطه بإيران".

الدكتور سامح مهدي: هناك تفاهمات واضحة بين حكومة السوداني والإقليم

حكومة السوداني "غير قادرة على حسم هذه الملفات بشكل يحقق العدالة بين محافظات الإقليم والمركز، خاصة في ما يخص ملف ترسيم الحدود بين تلك المحافظات وأيضاً ملف النفط والغاز، والحصول على أموال صادرات النفط من الإقليم. كما أنّ الحكومة ببغداد غير قادرة على حسم ملف الاعتداءات المتكررة من الجانب الإيراني على الأراضي العراقية في الإقليم، كونها حكومة مسلوبة القرار، ولا تملك من الاستقلالية القدر الذي يسمح لها حسم هذه الملفات للصالح العراقي. فهذه الحكومة هي نتاج توافق سياسي من خلال التفاوض على أجندة داخلية وخارجية محددة وربما مؤقتة"، وفق ما يقول الطائي.

ولمّح المصدر ذاته إلى أنّ حكومة السوداني تواجه أزمة كبرى بخصوص التعامل مع ارتفاع سعر الدولار أمام الدينار العراقي. بسبب "الكثير من الشركات والمصارف المالية التي تقوم بتهريب العملة الصعبة إلى إيران". وفي المحصلة، فإنّ "الحكومات التوافقية بين أحزاب مختلفة في التوجه الفكري، وكذا في المصالح السياسية والاقتصادية، لا يمكنها حتى أن تقدم أنصاف الحلول، وبالتالي فهي تراكم الأزمات".

الناشط العراقي محمد الطائي لـ"حفريات" منذ عام 2003، وحتى الآن، هناك الكثير من الملفات التي تعكس حجم المشاكل بين حكومتي المركز وإقليم كردستان

ويختم الطائي حديثه قائلاً إنّ "طموح السوداني ومحاولاته الشخصية لحلحلة هذه الأزمات ربما غير كافية أمام حراك الشارع العراقي المتسارع، والذي يقع تحت وطأة احتجاجات عنيفة وغضب هائل من الطبقة السياسية الحاكمة. وهذه النخبة الحاكمة تخلف صراعات تؤثر سلباً، سواء على مستوى تراجع وضع المواطن من الناحية المعيشية والمجتمعية، أو على مستوى سيادة الدولة وحفظ هيبتها أمام دول الجوار ومركزية بغداد أمام إقليم كردستان. ومن المتوقع أن يشهد العراق في الفترة القريبة القادمة موجة احتجاجات، ربما، لا تقل وطأة عن حراك تشرين (أكتوبر) عام 2019".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية