هل سيسمح بوتين لأردوغان بالعبث في أوكرانيا؟

هل سيسمح بوتين لأردوغان بالعبث في أوكرانيا؟


20/02/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

على الأغلب، سوف يُعادي أحدهما الآخر في أيّ عالم آخر.

أحدهما محافظٌ شائخ، والآخر كوميديّ ذو عقليّة تقدّمية، أحدهما سياسيّ محنّك يحكم منذ ما يقرب من عقدين من الزّمن، والآخر استفاد من الشّهرة للفوز بأعلى منصب سياسيّ قبل أقلّ من ثلاثة أعوام. أحدهما مسلم يُتّهم بانتظام بمعاداة السّامية، والآخر يهوديّ فقد أقاربه في "الهولوكوست"، أحدهما يلتقي بالرّئيس الرّوسي، فلاديمير بوتين، والآخر ينظر إليه على أنّه خصمه.

اقرأ أيضاً: محلل سياسي روسي لـ"حفريات": هذه خيارات موسكو إذا اندلعت الحرب

التقى الرّئيس التركيّ، رجب طيّب أردوغان، ونظيره الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، لأكثر من ثلاث ساعات، ووقّعا اتفاقيّة تجارة حرّة تاريخيّة وأعلنا بعضهما صديقين حقيقيّين.

ربما يحترم كلّ طرف الطّريقة التي يقف بها الآخر في وجه البلدان التي يعدّونها متنمّرة. على مدار العقد الماضي، تصرّف عدد قليل من البلدان بإلحاحٍ مع بلد جار، مثلما فعلت روسيا مع أوكرانيا، انظر إلى شبه جزيرة القرم، ومنطقة الدونباس، والقوّات الرّوسية البالغ عددها 130.000، والتي تعبث بإبهامها على طول الحدود الأوكرانية في الأسابيع الأخيرة.

عدو أردوغان

عدوّ أردوغان هو الغرب، وبشكل أكثر تحديداً الثّلاثي المتمثّل في الولايات المتحدة، و"الناتو"، والاتّحاد الأوروبيّ الذي سعى إلى إملاء سلوك أنقرة تقريباً منذ أن اعتنق مؤسّس الدّولة، مصطفى كمال أتاتورك، العلمانيّة والحداثة الغربيّة. قد يقول المرء إنّه مثلما يسعى أردوغان إلى استقلال أكبر من خلال الخروج من سابقة أتاتورك ذات الميول الغربيّة.

يأمل زيلينسكي في تعزيز استقلال أوكرانيا من خلال إنهاء انفصالها عن روسيا.

الدّولتان تشتركان في بعض التّاريخ، أيضاً، في القرن الخامس عشر، أصبحت شبه جزيرة القرم، بقيادة التّتار المسلمين الأتراك، تحت سيطرة الإمبراطوريّة العثمانيّة.

بسبب الطّريقة التي انتزع بها القياصرة أجزاء من الإمبراطوريّة العثمانيّة المنهارة، القرم والبلقان والقوقاز، رأى القادة الأتراك، على مدى قرون في أوكرانيا، حصناً ضدّ التّوسع الرّوسي

وفي القرن السّادس عشر، سيطر العثمانيون على مدينة أوديسا، وذلك إلى حدّ كبير لوقف تقدّم القياصرة الرّوس. في ذلك الوقت، لفتت جارية من غرب أوكرانيا أنظار السّلطان الشّاب سليمان. اتّخذ الخطوة غير العادية المتمثّلة في الزّواج من روكسيلانا، التي ظهرت كواحدة من أكثر النّساء نفوذاً في العصر العثماني، حقبة غالباً ما يستحضرها أردوغان.

القياصرة والإمبراطوريّة العثمانيّة

بسبب الطّريقة التي انتزع بها القياصرة أجزاء من الإمبراطوريّة العثمانيّة المنهارة، القرم والبلقان والقوقاز، رأى القادة الأتراك، على مدى قرون في أوكرانيا، حصناً ضدّ التّوسع الرّوسي.

على الرغم من العلاقات الودّيّة مع روسيا اليوم، دعمت تركيا باستمرار المطالبات الأوكرانيّة بشبه جزيرة القرم، بسبب اتّصال التّتار، ودعمت بهدوء انفصال الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة، عام 2018، عن الكنيسة الأرثوذكسيّة الرّوسيّة بعد 300 عام.

 

اقرأ أيضاً: روسيا وأوكرانيا و"نورد ستريم 2": كيف تنطفئ أزمة أشعلها الغاز؟

في الآونة الأخيرة، باعت أنقرة كييف حوالي عشرين من طائراتها المتطوّرة بدون طيّار، والتي كان لها تأثير في شرق أوكرانيا، في تشرين الأوّل (أكتوبر)، ممّا أزعج موسكو، لكنّه أعطى تركيا عرضاً آخر لفخر قطاعها الدّفاعي. خلال زيارة أردوغان، اتّفق البلدان على بناء منشأة خارج كييف تُنتج طائرات تركية من دون طيّار بمحرّكات أوكرانيّة.

تُعدّ تركيا بالفعل من بين أكبر المستثمرين الأجانب في أوكرانيا، حيث من المتوقّع الآن أن تصل التّجارة السّنوية إلى 10 مليارات دولار. أنشأت الدّولتان نظام السّفر بدون جواز سفر، عام 2017، وفي العام الماضي، تضاعف عدد السّياح الأوكرانيّين الذين زاروا تركيا إلى مليوني سائح.

قال أردوغان، في كييف: "بدلاً من صبّ الزّيت على النّار، نتصرّف بمنطق كيف يمكننا تهدئة التّوترات".

تُعدّ روسيا أكبر مورّد للغاز الطّبيعي والسّيّاح إلى تركيا، ولذلك إذا انضمّت تركيا إلى عقوبات النّاتو المزمعة ضدّ موسكو، فمن المحتمل أن تقوم موسكو بالعمل على انهيار الاقتصاد التّركي

عرض الزّعيم التّركي مراراً التّوسّط في المواجهة، حتّى في الوقت الذي يُهدّد فيه تسليح أوكرانيا بإغضاب روسيا. لا نعرف حتّى الآن مكانه، ولكن سيكون هناك بالتّأكيد خطّ لن تتخطّاه أنقرة، حيث تتمتّع موسكو بنفوذ في المسألتين اللتين أضرّتا بأردوغان محلّياً: الاقتصاد المضطّرب، والاستياء المتزايد تجاه أكثر من أربعة ملايين لاجئ.

موسكو والاقتصاد التركي

تُعدّ روسيا أكبر مورّد للغاز الطّبيعي والسّيّاح إلى تركيا، ولذلك إذا انضمّت تركيا إلى عقوبات النّاتو المزمعة ضدّ موسكو، فمن المحتمل أن تقوم موسكو بالعمل على انهيار الاقتصاد التّركي. يمكن لروسيا، أيضاً، أن تشجّع رئيس النظام السوري بشار الأسد على شنّ هجوم كبير في محافظة إدلب السّورية، ممّا قد يؤدّي إلى دفع مليوني لاجئ آخرين إلى تركيا المعادية للأجانب بشكل متزايد.

زارت مسيرة من الزّعماء الغربيّين كييف في الأيّام الأخيرة لتأكيد دعمهم، وفي الأسبوع الماضي، التزمت الولايات المتّحدة بإرسال 3,000 جنديّ إلى بولندا ورومانيا.

 ينشر أعضاء آخرون في "الناتو" سُفناً حربيّة وطائرات مقاتلة وقوّات في البحر الأسود والدّول المجاورة، على الرّغم من أنّ تركيا ليست من بينهم، بقدر ما امتنعت عن الانضمام إلى العقوبات الغربيّة التّالية لضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم، عام 2014.

قال أردوغان في العطلة الأسبوعيّة: "الغرب، حتّى الآن، لم يُقدّم أيّة مساهمة لحلّ هذه المشكلة". وأضاف: "أستطيع أن أقول إنّهم يزيدون الأمور سوءاً".

 

اقرأ أيضاً: أزمة أوكرانيا: روسيا تراقب بقلق وأمريكا تتأهب.. ما أبرز التطورات؟

في الأيّام الأخيرة، أضافت روسيا عشرات الكتائب التّكتيكيّة إلى قوّاتها على طول الحدود، بينما ورد أنّها جمعت في البحر الأسود أكبر تجمّع بحريّ روسيّ منذ سقوط الاتّحاد السّوفيتي. وصرّحت موسكو، مراراً وتكراراً، أنّ حشد قوّاتها لم ينشأ كتهديد لكييف، ولكن كردّ على توسّع "الناتو"، الذي تعدّه تهديداً أمنيّاً.

ومع ذلك، يبدو أنّ الكرملين يحتفظ بمكانة خاصّة في قلبه لأوكرانيا، بموجب "مذكرة بودابست"، لعام 1994، تخلّت أوكرانيا عن ترسانتها النّوويّة مقابل التزام من روسيا، إلى جانب الولايات المتحدة والمملكة المتّحدة، باحترام استقلالها وسيادتها وحدودها الحالية، والامتناع عن استخدام القوّة، أو حتّى التّهديد باستخدام القوّة ضدّها.

قادة موالون لروسيا في كييف

لكنّ موسكو ساعدت مرّتين في تنصيب قادة موالين لروسيا في كييف قبل أن يناهض الأوكرانيّون ذلك بثورتين، في عامي 2004 و2014، ثمّ جاء ضمّ القرم والصّراع المدعوم من روسيا في شرق أوكرانيا، ممّا أدى إلى مقتل أكثر من 14,000 شخص، وفقاً للأمم المتّحدة.

الآن، لدينا المواجهة الحالية؛ كتب بوتين في مقال من 5,000 كلمة العام الماضي: "السّيادة الحقيقيّة لأوكرانيا ممكنة فقط بالشّراكة مع روسيا"، وأضاف: "معاً، كنّا وسنكون دائماً أكثر قوّة ونجاحاً مرّات عديدة. لأنّنا شعب واحد".

ربما تبعث قبضة أوكرانيا الفولاذيّة على استقلالها الدّيمقراطيّ الهشّ في مواجهة تهديد مستمرّ رسالة إلى تركيا مفادها أنّ تحدّيها للغرب عادل، وبالنّسبة إلى أوكرانيا، قد تمثّل السّياسة الخارجيّة المستقلّة لتركيا حلم التّحالف مع القوى العظمى من دون أن تُستوعب من قِبلها.

مهما كانت الأسباب، فمن الجيّد للبلدين أن تنجذب الأضداد.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

ديفيد ليبيسكا، ذي ناشونال، 7 شباط (فبراير) 2022

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2022/02/07/turkeys-trapeze-act-in-ukraine/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية