هل قطعت حركة النهضة التونسية حقاً مع الإخوان؟

هل قطعت حركة النهضة الإخوانية حقاً مع الإخوان؟

هل قطعت حركة النهضة التونسية حقاً مع الإخوان؟


24/04/2023

أصدرت المحكمة بطاقة إيداع في السجن في حق راشد الغنوشي، بعد ساعات استنطاق طويلة على خلفية تسجيل أدلى فيه بتصريحات داعية إلى العنف، اعتبرها بعض المراقبين إعطاء إشارة لأنصاره للبدء في تنفيذ "الخطّة ب"؛ أي اللجوء إلى العنف مثلما حصل سابقاً في ما يعرف بـ "تفجيرات باب سويقة" وبعض الفنادق، لمّا ضاق الخناق على الحركة في بداية تسعينيات القرن الماضي.

وقال الغنوشي في كلمته: إنّه لا يمكن تصوّر تونس "دون إسلام سياسي"، مشيراً إلى حركة النهضة التي ادّعت في مؤتمرها الأخير أنّها "تفصل الدعوي عن السياسي"، وأبعدت إلى الظّل بعض العناصر المتشدّدة المتهمة بالتكفير والعنف مثل الحبيب اللوز والصادق شورو، وغيرهما ممّن أزاحهم الغنوشي إلى الصف الثاني، ودفع بقيادات أخرى تظهر "تسامحاً" في مستوى الخطاب وتسويقها إعلامياً لتقديم صورة إيجابية عن الحركة مثل؛ عبد الفتاح مورو وعبد اللطيف المكي وسمير ديلو، قبل أن يستقيلوا منها احتجاجاً على غطرسة الغنوشي وانفراده بالقرار، وعدم وضوح الرؤية في ما يخص المؤتمر الـ (11) للحركة الذي تم تأجيله مرات عديدة.

أصدرت المحكمة بطاقة إيداع في السجن في حق راشد الغنوشي

وكثيراً ما تؤكد الحركة أنّها لا صلة تربطها بالإسلام السياسي ولا بحركة الإخوان المسلمين، وتدّعي في تصريحات إعلامية أنّها حركة سياسية مدنية. ولكن يتأكد في كل مرة أنّ هذه تبقى مجرد ادعاءات للتسويق على واجهتيْ الداخل والخارج. ذلك أنّ القانون التونسي يمنع تكوين الأحزاب على أساس ديني، لذلك تسوّق الحركة هذه الفكرة إعلامياً لحشد الدعم الخارجي ونيل اعتراف المجتمع الدولي بوصفها حزباً مدنياً بتغيير الاسم نفسه إلى "حزب حركة النهضة".

الغنوشي قال في حوار لصحيفة "لوموند" الفرنسية في أيار (مايو) 2016 قبيل المؤتمر الـ (10) للحركة الذي انتخب فيه رئيساً مجدداً عن عمر (74) عاماً: "نحن نؤكد أنّ النهضة حزب سياسي، ديمقراطي ومدني، له مرجعية قيم حضارية مُسْلمة وحداثية (...). نحن نتجه نحو حزب يختص فقط في الأنشطة السياسية".

تصريحات النهضة الإخوانية هدفها التسويق للحركة داخلياً وخارجياً

وأضاف: "نخرج من الإسلام السياسي لندخل في الديمقراطية المُسْلمة. نحن مسلمون ديمقراطيون، ولا نعرّف أنفسنا على أنّنا (جزء من) الإسلام السياسي".

وتابع: "نريد أن يكون النشاط الديني مستقلاً تماماً عن النشاط السياسي، هذا أمر جيد للسياسيين؛ لأنّهم لن يكونوا مستقبلاً متهمين بتوظيف الدين لغايات سياسية، وهو جيد أيضاً للدين؛ حتى لا يكون رهين السياسة وموظفاً من قبل السياسيين".

كثيراً ما تؤكد حركة النهضة أنّها لا صلة تربطها بالإسلام السياسي ولا بالإخوان المسلمين، وتدّعي في تصريحات إعلامية أنّها حركة سياسية مدنية. ولكن يتأكد في كل مرة أنّ ذلك مجرد ادعاءات للتسويق على واجهتيْ الداخل والخارج

 

كما أكد خلال كلمته في المؤتمر الـ (10) نفسه: "يؤكد هذا المؤتمر التاريخي بوضوح خياراته الاستراتيجية أنّ حزب حركة النهضة قد تجاوز عملياً كل المبررات التي تجعل البعض يعتبره جزءاً ممّا يُسمّى الإسلام السياسي، وأنّ هذه التسمية الشائعة لا تعبّر عن حقيقة هويته الراهنة، ولا تعكس مضمون المشروع المستقبلي الذي يحمله. وتعتبر "النهضة" أنّ عملها مندرج ضمن اجتهاد أصيل لتكوين تيار واسع من "المسلمين الديمقراطيين".

غير أنّ هذه الادعاءات تسقط كلما اشتد عليها الخناق وضاقت بها السبل، فتستنفر كل السرديات التي تدّعي التنازل عنها، وأهمها انتماؤها الجذري إلى حركات الإسلام السياسي وعلاقتها البنيوية بها من حيث التنظيم والتمويل والإشهار.

وبالتالي؛ فإنّ تصريحات الغنوشي حينها لم تكن سوى شعارات للتسويق الداخلي والخارجي، يفضحها تصريحه المناقض تماماً لما أعلن عنه سابقاً وأكّده في تصريحات إعلامية، كما أكّدته قيادات عديدة من صلب الحركة.

وفي مرحلة بحثها عن الاعتراف وحشد التأييد وتلميع صورة الحركة في الداخل والخارج تقدم الحركة سلسلة من التنازلات عن مبادئها وتنفق مليارات الدولارات على حملات مجموعات التأثير في أمريكا والغرب عموماً لتسويق صورة حداثية متسامحة تؤمن بالديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان والعدالة، غير أنّها في أول منعطف تستنفر ثوابتها وتكشف أنّ تلك الصورة زائفة، وأنّ كل التنازلات لم تكن حقيقية.

وبسبب هذا التذبذب، والتصريحات المتناقضة التي تصدر من حين إلى آخر منذ 2011، وشعبية الحركة في سقوط حر، إذ انتقلت من قرابة مليون ونصف المليون ناخب في انتخابات تشرين الأول (أكتوبر) 2011 إلى (400) ألف تقريباً في الانتخابات الأخيرة، وفقدت أكثر من ثلثي قاعدتها الانتخابية، ولا شك في أنّ هذه التصريحات المتضاربة قد ساهمت في كشف زيف الشعارات التي ترفعها الحركة من حين إلى آخر.

لم ترد تونس على تصريحات أردوغان المتعلقة باعتقال الغنوشي معتبرة ذلك تدخلاً في شؤونها

كما ساهمت هذه التصريحات في تأكيد انتماء حركة النهضة إلى مجتمع الإخوان وتجذرها في مقولات الإسلام السياسي التي تتسلح بالقوة والعنف كلما اشتدت بها الأزمات. وقد سبق أن تنازلت عن السلطة في مراحل سابقة لتؤكّد علاقتها بالاغتيالات السياسية التي حصلت خلال حكمها.

تحرك حاضنة الإخوان في العالم على جميع الأصعدة، إعلامياً وديبلوماسياً وسياسياً، لإدانة اعتقال الغنوشي والمطالبة بإطلاق سراحه، أكبر دليل على أنّ حركة النهضة ما زالت في مربعها الإخواني، ولم تغادره مطلقاً

وما يؤكد ما ذهبنا إليه أنّ أكثر المساندين لراشد الغنوشي إثر اعتقاله ينتمون إلى الإخوان في العالم، فقد قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مقابلة أجرتها قناة (تي آر تي) (TRT) التركية: إنّ "الإدارة الحالية في تونس أوقفت أخي الغنوشي، لم نتمكن بعد من التواصل مع السلطات في تونس عبر الهاتف، لكنّنا سنواصل محاولة الوصول إليها، وفي حال تمكنا من الحديث معها، فسنخبرها بأنّنا لا نرى هذا (توقيف الغنوشي) مناسباً". غير أنّ الرئاسة التونسية رفضت التواصل مع أردوغان، وأبدت انزعاجها من تصريحاته، واعتبرتها تدخلاً في الشأن التونسي.

كما أدان حزب "العدالة والتنمية" المغربي ما سمّاه "الاعتقال التعسفي" لراشد الغنوشي. وأصدرت جماعة الإخوان المسلمين بياناً الثلاثاء 18 نيسان (أبريل) 2023 أدانت فيه "الإقدام على مثل هذا التصرف ضد رمز فكري وسياسي جاوز الـ (80) من عمره".

وأضافت أنّ ما سمّته "الممارسات القمعية والاستبدادية التي تولدت عقب الانقلابات في المنطقة العربية هي جريمة جديدة تضاف إلى السجل الأسود لمن انقلبوا على إرادة شعوبهم".

ولا شك في أنّ تحرك حاضنة الإخوان في العالم وتحركاتها على جميع الأصعدة إعلامياً وديبلوماسياً وسياسياً لإدانة اعتقال الغنوشي والمطالبة بإطلاق سراحه، هو أكبر دليل على أنّ الحركة ما زالت في مربعها الإخواني، ولم تغادره مطلقاً.

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية