هل وصل الإسلام السياسي إلى عتبة حرجة من النفوذ في فرنسا؟

هل وصل الإسلام السياسي إلى عتبة حرجة من النفوذ في فرنسا؟

هل وصل الإسلام السياسي إلى عتبة حرجة من النفوذ في فرنسا؟


22/04/2024

هناك تحديات عديدة يشكلها الإسلام السياسي في فرنسا، وخاصة مع صعود مؤشر الهجمات المتفاوتة وتنامي العنف وتفشي "الذئاب المنفردة" بين عمليات الطعن العشوائية أو التهديد بالقتل فضلاً عن التفجيرات والاغتيالات العمدية لشخصيات معينة.  

الإخوان وحواضن التطرف

تمثل جماعة الإخوان، المصنفة على قوائم الإرهاب في مصر وعدد من البلدان العريية، أحد أبرز المنظمات الإسلاموية التي لها شبكات وتشكل حواضن لهذا العنف والإرهاب بباريس كما في باقي العواصم الأوروبية، وقد أمسى تواجدهم منذ عقود ضمن الأعباء التي تتخطى ما هو أمني إلى ما هو سياسي وثقافي ومجتمعي، تحديداً في ما يتصل بتشكيل مجتمعات انعزالية تقاوم أو تبدو ممانعة للقيم الحداثية والعلمانية في الغرب.

يوضح شيار خليل لـ (حفريات) أنّ فرنسا منذ عدة أعوام قليلة تتباين جهودها لجهة فرض قوانين وتشريعات تمنع توغل وتغول جماعات الإسلام السياسي.

وبرز مع انطلاق مهرجان باريس للكتاب، الشهر الحالي نيسان (أبريل)، عدة مطالبات تلح على ضرورة إغلاق المكتبات التي لها صفة إسلاموية وتعمد إلى نشر المؤلفات المحرضة على مبادئ الإسلام السياسي والتطرف، وتصنع أفكاراً متشددة، بل لها صلات مباشرة أو خفية مع جماعة الإخوان. وتتزامن هذه الدعوات مع تحركات فرنسية متباينة، في الدوائر السياسية كما في القضاء، لتأميم الفجوات التي تصنعها الجماعات المتشددة، وآخرها إغلاق إحدى المكتبات في مدينة نيس الفرنسية، والتي تنتظر البت القضائي في أمرها.

ونقلت منصة (24) عن محللين فرنسيين قولهم: "إنّ الخطر الكبير الذي تفرضه الحركات الإسلاموية الأكثر نشاطاً، وأخطرها برأيهم جماعة الإخوان، يتلخص في ظهور مجتمع مُضاد على الأراضي الوطنية عبر أشكال مختلفة". حيث إنّ "الإسلام الأصولي وصل إلى عتبة حرجة من النفوذ في فرنسا، وقد استثمرت الشبكات الإسلاموية في مجموعة من المجالات، منها المكتبات الدينية التي أتاحت إنتاج أفراد تُعتبر رؤيتهم للعالم غريبة عن التراث السياسي والثقافي الفرنسي".

وبحسب المنصة، "رغم أنّ مكتبة (اقرأ) في نيس استجابت بسحب كافة الكتب الدينية التي تسببت في قرار إغلاقها، إلا أنّ تلك الأعمال التي تحرض على التشدد ما زالت موجودة في مكتبات أخرى، وخاصة في العاصمة باريس، ويذكر فرنسيون منها مكتبة (الباشا) الإسلامية الواقعة في منطقة إيبول في روبيه، والتي سبق أن خضعت بدورها للإغلاق الإداري عدّة أسابيع بعد ملاحظة عدد من المخالفات".

المكتبات في فرنسا بوابة العقل المفخخ

يقول الكاتب الفرنسي دانييل مولينز: إنّه "لو كان (جيرالد دارمانين)، وزير الداخلية الفرنسي، شجاعاً لأغلق جميع مكتبات التطرّف"، مشيراً إلى أنّ الوزير يجب أن يكون ملمّاً بكافة التفاصيل والحوادث التي تجري من دون أيّ مساحة فارغة ينشط فيها الإ سلامويون، مشدداً على ضرورة أن يكون إغلاق المكتبة رسالة، لكي لا تنتقل عدوى المكتبات المماثلة التي تتفشى في فرنسا إلى باقي المدن والضواحي. وكشف عن بعض المكتبات التي توزع مؤلفات تحمل الأفكار المتشددة والمحرضة على العنف، مثل مكتبات أورينتيكا، سانا، العزار، في شارع جان بيير تمبو بباريس، ومكتبة البستان، وفيها تحديداً كتب يوسف القرضاوي المعروف بارتباطاته بجماعة الإخوان، وكان الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

في حديثه لـ (حفريات) يوضح الكاتب السياسي شيار خليل، المقيم في فرنسا، أنّ فرنسا منذ عدة أعوام قليلة، وفي ظل رئاسة إيمانويل ماكرون، تتباين جهودها لجهة فرض قوانين وتشريعات تمنع توغل وتغول جماعات الإسلام السياسي في البلاد، ومنع انتشارها، أو تراكم حواضنها، بالشكل الذي يهدد القيم العلمانية، وكان من بين تلك الإجراءات قانون "تعزيز قيم الجمهورية".

يتفق مع الرأي ذاته (المركز الأوروبي لدراسة مكافحة التطرف والاستخبارات) الذي يشير إلى ما كشفت عنه الحكومة الفرنسية في مطلع نيسان (أبريل) عام 2021 بخصوص مشروع قانون جديد لمكافحة الإرهاب من خلال مراقبة الإنترنت كـ (واتساب) و(سيغنال) و(تيليغرام) باستخدام الخوارزميات، وتوسيع استخدام أجهزة الاستخبارات الفرنسية للخوارزميات لتعقب الإرهابيين المحتملين. وقدمت وزارة الداخلية الفرنسية أمام مجلس الوزراء مشروع قانون جديد مؤلف من (19) بنداً حول الاستخبارات ومكافحة الإرهاب، ويستند على ترسانة من التدابير القائمة بالأساس.

وتابع: "أطلقت الحكومة الفرنسية منتدى الإسلام في فرنسا (FORIF) في 5 شباط (فبراير) 2022 ليكون بمثابة المحاور الرسمي بين الدولة الفرنسية ومواطنيها المسلمين. وأوضحت وزارة الداخلية الفرنسية أنّ منتدى الإسلام في فرنسا يهدف إلى بدء "مرحلة جديدة من الحوار بين السلطات العامة والعقيدة الإسلامية"، ليحل محل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM)، وتصحيح بعض عيوبه، على وجه التحديد من خلال توسيع أصحاب المصلحة المعنيين، بدلاً من وجود هيئة مركزية واحدة. كما كشفت الأجهزة الاستخباراتية الفرنسية أنّ جماعة الإخوان المسلمين تستخدم المنظمات غير الحكومية المعترف بها من قبل الدولة في فرنسا للترويج للأفكار المتطرفة في البلاد. وأنّها تسللت إلى المنظمات غير الهادفة للربح من خلال تقديم الدعم النقدي وتنصيب قادتها في مجموعات المجتمع الفرنسي، تحت ستار ما يبدو أنّها منظمات غير حكومية تمثل مصالح مسلمي فرنسا، واتهمت جماعة الإخوان المسلمين بالترويج لأفكار الإسلام السياسي في البلاد".

الإسلام السياسي في دائرة الاستقطاب

ويقول خليل: إنّ أزمة الإسلام السياسي تبعث باستقطابات سياسية حادة في فرنسا، كما حدث في مناظرة شهيرة قبل نحو عامين بين ماكرون ومارين لوبان، وقد كشفت الأخيرة عن وجود "بؤر تطرف إسلاموي تؤدي لانتشار وتفشي العمليات الإرهابية، وليس هذا فقط، وإنّما تسبب في تهديد قيم الجمهورية التي تجعل العقد الاجتماعي التاريخي الذي تقوم عليه البلاد يشهد انحساراً أو ينفرط. واللافت في حديث لوبان القيادية بحزب التجمع الوطني هو ما لديها من معلومات إحصائية حول عدد المسجلين على قوائم التطرف وهم حوالي (4500)، فضلاً عن (570) مسجداً مرتبطاً بجماعات الإسلام السياسي".

وبالعودة إلى منصة (24)، ففي آذار (مارس) الماضي أصدرت السلطات المحلية قرار إغلاق مكتبة (اقرأ) الإسلاموية في نيس مدة (3) أشهر، والتي اعتبرها هيوجز مطوح، محافظ منطقة ألب ماريتيم، أصولية وتبيع الكتب وأعمال الفيديو التي تدعو إلى التشدّد الديني، الأمر الذي دعاه لحماية الجمهورية من الأصولية الإسلامية". وغرد قائلاً: "في مواجهة النزعة الانفصالية التي تُهدّد جميع أجزاء مجتمعنا، لا يسعنا إلا أن ندعم جميع المبادرات التي تحدّ من الطائفية وعدم احترام مبادئ ديمقراطيتنا".

تحديات عديدة يشكّلها الإسلام السياسي في فرنسا، وخاصة مع صعود مؤشر الهجمات المتفاوتة وتنامي العنف وتفشي "الذئاب المنفردة" بين عمليات الطعن العشوائية أو التهديد بالقتل فضلاً عن التفجيرات والاغتيالات العمدية.

وتابع: "لا تحتكر المكتبات الإسلاموية تجارة الكتب الدينية أو جمهورها في فرنسا فقط، بل يتنقل الكتاب الديني أيضاً عبر شبكات الاقتصاد غير الرسمي، كالمواقف على الأرصفة، ونقاط البيع في المنازل، بما يذكّر بممارسات الباعة المتجولين التي شهدتها أوروبا القديمة. وذلك بالإضافة إلى معارض الكتب العربية الدينية، والمعاهد والمراكز الدينية التي تنتج من خلال الدراسات المقدمة لطلابها، قراء ومستهلكين للكتب الدينية. كما يمكن لبائع الكتب الذي يرغب في نشر التطرف استخدام قنوات توزيع أخرى مخفية كاستراتيجية للوصول إلى هؤلاء المستهلكين".

وفي إشارة الكاتب السياسي شيار خليل إلى الاستقطاب السياسي الذي يضغط على الحكومة وصناع القرار وفي قصر الإليزيه، بسبب مخاطر وانبعاث مشكلات الإسلام السياسي والأصولية الدينية، يقول: إنّ حل تلك المعضلة تشكل مستقبل السياسيين بباريس، وتحدد توجهات الناخب، وبالتالي فإنّ الخطاب السياسي الفرنسي يركن إلى معالجة ووضع مقاربة عملية ونظرية لإنهاء الوضع المأزوم لمسلمي فرنسا بين الأصولية وأفكار التطرف من جهة، وقيم فرنسا و"الجمهورية" العلمانية من جهة أخرى، وقد سبق للمعارضة اليمينية (لديا جيروس) أن طالبت بتصنيف الإخوان على قوائم الإرهاب، وذلك امتثالاً للقرار ذاته الذي اتخذته مصر والإمارات وبريطانيا.

ويقول (المركز الأوروبي): "تضم فرنسا أكبر عدد من الجاليات المسلمة في أوروبا، ويقدّر عدد المسلمين الذين يعيشون في المجتمع الفرنسي بحوالي (6) ملايين مسلم، وهو العدد الأكبر بين دول أوروبا، وقد عملت جماعة الإخوان على تكوين إمبراطورية مالية وفكرية منذ عام 1978، بهدف تعميق تواجدها وتعزيز نفوذها في المجتمع الفرنسي، وارتبط تنظيم الإخوان بعلاقة مصالح مع عدد من الأحزاب السياسية داخل فرنسا. وتضم فرنسا أكثر من (250) جمعية إسلامية على كامل أراضيها، منها (51) جمعية تعمل لصالح الإخوان، بالإضافة إلى التجمع لمناهضة الإسلاموفوبيا، وجمعية الإيمان والممارسة، ومركز الدراسات والبحوث حول الإسلام، والمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية، ومعهد ابن سينا لتخريج الأئمة. هذه الجمعيات تمارس نشاطاً سياسياً، وتعمل لصالح الجماعات المطرفة. ويُعدّ اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، أو "مسلمو فرنسا" حالياً، من ضمن أكثر الاتحادات المؤثرة في فرنسا، والذي تأسس في إقليم مورت وموزيل في حزيران (يونيو) 1983. ومن قيادات الإخوان المعاصرة في فرنسا طارق رمضان".

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية