هل يتسع شرخ العلاقات بين "حماس" و"الجهاد"؟

هل يتسع شرخ العلاقات بين "حماس" و"الجهاد"؟

هل يتسع شرخ العلاقات بين "حماس" و"الجهاد"؟


25/05/2023

طارق فهمي

بعد انتهاء المواجهات الأخيرة في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة "الجهاد" كان السؤال المطروح، هل نجحت إسرائيل في إحداث شرخ جديد في إطار العلاقات بين "حماس" و"الجهاد" لعدم مشاركة الأولى في المواجهات الأخيرة، ليكون ذلك السيناريو في عدم المشاركة مكرراً في المواجهات المرتقبة، وهو ما يذكر بالفعل بما نجحت إسرائيل في إتمامه بين قطاع غزة ورام الله، إذ بات الانقسام واقعاً مستمراً منذ أعوام طويلة.

موقف محدد

جاء موقف "حماس" تجاه ما جرى في قطاع غزة متسقاً مع مواقف سابقة في إطار عدم الاشتباك المباشر مع إسرائيل وفي إشارة إلى أن الحركة تتبنى خياراً قائماً على فكرة التهدئة، ومسؤولة عن إدارة الأمن في القطاع وتتحمل مسؤوليته، مما يفسر أن الحركة باتت تطبق وثيقتها (أعلنها رئيس المكتب السياسي في "حماس" خالد مشعل وثيقة سياسية جديدة للحركة التي بموجبها ستؤيد إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وذلك عام 2017) بعد تعديل أفكار الميثاق، وباتت تعترف بحدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967، وفي إطار مغازلة إسرائيل والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بأنها يمكن أن تكون البديل الجاهز وأنها لا تتنافس في قطاع غزة مع القوى الفلسطينية الأخرى، بل على إدارة المشهد الفلسطيني، وأنها البديل المحتمل في حال إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية حرة في الداخل الفلسطيني، بالتالي فإن هذا الأمر سيرتبط بعد أولوياتها.

أولها، عدم الدخول في مواجهات والاستمرار في طرح مقاربة حقيقية ومهمة للتعامل وعدم الاشتباك الدوري في إسرائيل، وهذا يفسر لماذا لم تقم إسرائيل بتوجيه ضربات على مواقع لحركة "حماس" وظلت التقييمات الإسرائيلية تعمل في اتجاه عدم التحام "حماس" إلى جوار "الجهاد" في المواجهة الأخيرة لأن دخولها كان سيرتب معايير مختلفة وسيؤدي بالفعل إلى مواجهات نوعية.

ثانياً، تأكيد وحدة القرار العسكري الذي جرت ترجمته إلى قرار عائم بالتنسيق داخل غرفة المقاومة التي ضمت فصائل فلسطينية وازنة سيكون لها دور في الفترة المقبلة بما تملكه من قدرات صاروخية، وإن كانت لا تقارن أصلاً بما لدى "الجهاد" و"حماس".

وفي إشارة إلى أن الغرفة باشرت الحضور الإعلامي والأمني في المتابعة، لكن لم يكن لحركة "حماس" حضور وازن أو مؤثر على رغم سيل التصريحات التي أطلقها قادة الفصائل بوجودها وحضورها في المشهد، وهو ما لم يتم.

والمؤكد أن عدم المشاركة كان ولا تزال تحكمه مواقف وتوجهات "حماس" في الداخل الفلسطيني عموماً وفي قطاع غزة خصوصاً، إضافة إلى أنها تعمل في مساحة من المرونة والواقعية السياسية المباشرة، وهو ما سينعكس على مسارات واتجاهات العلاقات مع إسرائيل لاحقاً، وبالتأكيد على مسار ما سيجري مع حركة "الجهاد" من الآن فصاعداً، بخاصة أنها تضررت كثيراً في المواجهة الأخيرة وباتت وحيدة في سياق المواجهة المقبلة مع إسرائيل، وسترتب عدتها على أنها باتت الطرف المواجه لتل أبيب والمقاوم، إضافة إلى التركيز على أن بنيتها الرئيسة معرضة للهجوم الدوري من قبل إسرائيل في إطار استئناف سياسة الاغتيالات التي ستتبعها الأخيرة من الآن فصاعداً التي تؤرق مؤسسات وقطاعات الجهاد في الداخل والخارج، إذ من الممكن أن تقوم إسرائيل بعمليات تصفية في لبنان وسوريا وماليزيا والسودان وإندونيسيا ودول أخرى يتحرك فيها عناصر "الجهاد" الفلسطيني ويحصلون على خبراتهم العسكرية.

ثالثها، إدراك حركة "حماس" أن تحقيق مكاسب من الاستمرار في تبني خيار التهدئة والتعامل بحزم مع الفصائل الراهنة سيؤدي إلى خسائر كبيرة للحركة، بخاصة أنها فشلت في إتمام صفقة تبادل الأسرى وعجزت عن رفع الحصار ولم تطور خطابها الإعلامي والسياسي والأمني طوال الفترة الماضية، وأنها تعمل في اتجاه مسار التهدئة كخيار لإدراكها طبيعة ما يجري في إسرائيل من تحولات حقيقية وتوجهات حزبية متطرفة تدعو إلى الصدام والمواجهة وبناء قواعد اشتباك جيدة مع قطاع غزة والضفة الغربية.

ومن ثم فإن مسار العلاقات سيمضي في إطار محدد ووفق سيناريو يدفع إلى الترقب والحذر مما سيجري، وإبقاء مساحات الاختلاف في دائرتها المحددة وعدم إظهارها للعلن كي لا تستثمر إسرائيل فيها. ويقابله سيناريو آخر يدفع إلى التهدئة الحذرة مع استمرار وجود مناكفات في مسار العلاقات بين الجانبين، مما قد يؤدي إلى صدامات دورية غير منضبطة.

لكن من المؤكد أن حال الانقسام العام بين فصائل المقاومة، وعلى رأسها "الجهاد"، ستكون مباشرة ومطروحة تجاه حركة "حماس" بصرف النظر عن أي خطابات سياسية وإعلامية مطروحة ربما تعبر عن نفسها، أو تشارك في عرض تصورها السياسي أو الإعلامي في الفترة المقبلة.

ولحين الدخول في صدامات جديدة مع إسرائيل، بخاصة أن الحاجة إلى بناء مواقف متماسكة بين إسرائيل والقطاع ستتطلب التنسيق مع حركة "حماس" وليس "الجهاد"، وهو ما سيتضمن مواقف مباشرة وتدابير أمنية وسياسية مهمة ومرحلية للوصول إلى حال التهدئة الكاملة الممتدة، وليس العمل على تفاهمات أمنية موقتة سرعان ما تنهار في أي لحظة، كما جرى أخيراً بعد واقعة وفاة الأسير خضر عدنان ولولا دخول الوسيط المصري سريعاً على الخط وتعامله مع الجانبين وفق مقاربة مباشرة وواقعية، وتجاوز عن مشروطية كل طرف لامتدت المواجهات لأيام عدة.

اتجاهات مصلحية

ستعمل إسرائيل وفق منظومة محددة اتضحت معالمها منذ وصول الحكومة الراهنة إلى الحكم، ومن خلال مكونات الائتلاف الراهن الذي يسعى إلى حسم الصراع وعدم إدارته كما يتصور بعضهم، وهو ما كان يجري في أعوام طويلة سابقة من استثمار لما يجري في الإقليم من جانب وللوضع الفلسطيني الحالي واستمرار تجمده منذ أعوام، ولن يبدله سوى تغيير القيادة الفلسطينية كما ترى إسرائيل وترتب له للتعامل مع خليفة الرئيس الراهن مع الرهان على أن الأوضاع في قطاع غزة لن تشهد تحولات دراماتيكية حقيقية في ظل حكم "حماس" وأن قادة الداخل يعملون على تكريس ما يجري وأنهم لا يسعون أبداً إلى العودة لرام الله، بخاصة أن العودة مرتبطة بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وهو خيار مستبعد في الوقت الراهن.

ومن ثم، فإن إسرائيل ستعمل في اتجاهات محددة لتكثيف الفصل بين المقاومة الفلسطينية وحركتي "حماس" و"الجهاد" على وجه الخصوص، على اعتبار أن الخطر الأكبر المواجه في الوقت الراهن حركة "الجهاد" بما تملكه من قدرات صاروخية حقيقية امتدت إلى القدس وتل أبيب، وهنا مكمن الخطورة الذي تعمل عليه إسرائيل في الوقت الراهن والمنتظر.

و"الجهاد" تعني "حزب الله" وإيران، الأمر الذي يتطلب بالفعل إعادة ترتيب الحسابات والتقييمات التي تعمل عليها أجهزة المعلومات الإسرائيلية، بخاصة جهاز "شاباك" الذي يدعو إلى ضرورة الفصل بين السلطة الفلسطينية في رام الله و"الجهاد" و"حماس" في قطاع غزة، والانفراد بكل فصيل بمفرده في ظل خيارات وبدائل عدة تعمل عليها أجهزة المعلومات بصورة دائمة، وهو ما يجري في الوقت الراهن، بخاصة أن حركة "حماس" باتت طرفاً محايداً أو هكذا تقدر الحكومة الإسرائيلية، وتؤكد أن "حماس" باتت طرفاً مسؤولاً ومنضبطاً، ولهذا ليس غريباً أن يدعو جنرالات سابقون في الجيش الإسرائيلي وفي هيئة الأركان إلى ضرورة الانفتاح على الحركة، ولو بصورة تدريجية وتكريس إستراتيجية الحسم والتعامل من خلال مقاربات متعددة تركز على الثوابت لا المتغيرات، الأمر الذي يمنح الفرصة في استيعاب حركة "حماس" لاحقاً وتطويق خياراتها، والانفراد بـ"حركة" الجهاد الفلسطيني والتعامل الأمني معها بصورة دورية، بخاصة أن أخطار فك الترابط بين الحركتين ستكون مهمة في المرحلة المقبلة، وستمنح جهاز الأمن الداخلي "شاباك" بناء آليات للتعامل توفق الإستراتيجي مع الأمني في إطار رؤية واحدة تشمل كثيراً من الإجراءات والتدابير الحقيقية في إحداث أكبر قدر من الانقسام والشروخ داخل الحركتين، والانتقال من إدارة المواجهة في القطاع لتفتيت الترابط في المواجهة، مما يعني أن إسرائيل ستستمر في طرح سياستها العامة في القطاع وتحييد الداخل تماماً للالتفاف على الخطر الراهن في الضفة الغربية، بخاصة أن سيناريو الصدام الكامل في مدن الضفة محتمل وتتزايد فرصه بصورة كبيرة بصرف النظر عن الإجراءات التي تتبعها الحكومة الإسرائيلية واستمرار مطالبتها السلطة الفلسطينية بعودة التنسيق الأمني كاملاً، بخاصة أن المواجهات الأمنية في مدن الضفة مستمرة مع استمرار الاقتحامات الدائمة من القوات الإسرائيلية التي ربما تؤدي في أي لحظة إلى انفجار كامل.

الخلاصات الأخيرة

من الواضح أن هدف الحكومة الإسرائيلية الراهنة تكريس إستراتيجية الانقسام وإبعاد "حماس" عن "الجهاد" والانفراد في المواجهة معها، بخاصة أن الوضع الراهن بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني سيسمح بمقاربات مختلفة في التعامل وإعادة فك وتركيب السياسات، بخاصة تجاه حركة "الجهاد" التي باتت هدفاً رئيساً في إطار المواجهة المقبلة التي لن تتأخر كثيراً في حال استمرار المشهد السياسي كما هو، مما يشير إلى أن إسرائيل تعيد ترتيب تقييماتها السياسية والإستراتيجية في قطاع غزة تحسباً للمتغيرات الراهنة والمحتملة التي تتطلب إعادة تدوير السياسات والإستراتيجيات، بما يؤكد أن المصالح الكبرى لإسرائيل ثابتة، ولن تتغير في إطار تطويق ومحاصرة أية تهديدات آتية من قطاع غزة التي ستقودها في الوقت الحالي حركة "الجهاد" ومجموعة من التنظيمات الأخرى والصاعدة وبعضها شارك في المواجهة الأخيرة.

عن "اندبندنت" عربية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية