هل يختفي الإرهاب عام 2023؟

هل يختفي الإرهاب عام 2023؟

هل يختفي الإرهاب عام 2023؟


25/12/2022

منير أديب

مع نهاية عام 2022 نطرح السؤال نفسه، هل انتهى الإرهاب حقاً؟ أم أن حديثنا يتجه لناحية موجة جديدة من الإرهاب ربما تكون أكبر من مثيلاتها في الأعوام السابقة؟ وهل يشعر العالم بالأمن خلال العام المقبل؟ أسئلة تبحث عن إجابة وسط التفاصيل المؤلمة التي عاشها خلال العقد الأخير.

قُتل ثلاثة خلفاء لتنظيم "داعش"، أولهم، أبو بكر البغدادي في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2019، ولحقه خليفتان هذا العام هما، أبو إبراهيم الهاشمي القرشي في شباط (فبراير) الماضي، وثانيهما أبو الحسن الهاشمي القرشي في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي أيضاً، فضلاً عن مقتل أيمن الظواهري، زعيم تنظيم "قاعدة الجهاد" في آب (أغسطس) الماضي ... انتصارات ولكنها تحمل في طياتها هزائم كبرى!

من الخطأ أن نقيس نجاحنا في مواجهة الإرهاب بمقتل قياداته، مهما كانت هذه القيادات نافذة ومهما كانت قدرتها العسكرية. صحيح أن مقتل هذه القيادات يؤثر على قدرة التنظيم العسكرية بشكل مرحلي، ولكن التنظيمات عابرة الحدود والقارات قادرة على إنتاج قيادات بديلة أو هي تعمل على ذلك انتظاراً لقدرها المحتوم والمتوقع في الوقت نفسه.

لا بد من أن نضع استراتيجيات لمواجهة الإرهاب، فلا يكون تقييمنا للمواجهة على نجاح مرحلي بمقتل قائد أو زعيم لهذا التنظيم أو ذاك، وإن كانت هناك دلالات لعمليات الاستهداف هذه، ولكن من الخطأ البناء عليها أو اعتبارها دليل نجاح؛ فرغم ما تحقق من استهداف القيادات سالفة الذكر، إلا أن الأمم المتحدة في تقرير حديث ما زالت تحذر من عودة "داعش" و"القاعدة" معاً وهو ما يؤكد أن منحنى صعود هذه التنظيمات للأعلى رغم موت أبرز قياداته خلال عام 2022.

ما زال العام يئن ويتألم في نهاية عام 2022 وسط ما عاشه من تحديات بدأت بالجائحة الصحية، فيروس كورونا، وقبلها الإرهاب الذي ضرب قلبه النابض ثم انتهاءَ بالأزمات الاقتصادية التي أثرت على كبده على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا وما سبقه من صراع روسي - أميركي - أوروبي، فما زال الجسد مستسلماً لأمراضه الفتاكة، وهنا استفاد الإرهاب ولا يزال من هذه الحالة ويواصل صعوده.

يبدو أن العالم لا يبحث عن استقراره وأمنه، ويبدو أن الإرهاب جنين تم خلقه بسياسات الدول الكبرى، التي اتفقت على نفسها! فوفرت ملاذاً آمناً للإرهاب الذي إدعت وما زالت تدّعي مواجهته، وهنا لا بد أن نواجه أنفسنا بما أنتجناه أو بما كسبت أيدينا، فما زالت عين العالم لا تُبصر الحقيقة فيما أذناه لا تسمع صخب الإرهاب اللعين.

من أهم الإستراتيجيات التي لا بد أن تكون حاضرة في مواجهة الإرهاب هي مواجهة الدول الداعمة له، فلا يمكن مواجهة الإرهاب من دون الوقوف أمام دعم هذه الدول التي تخلق له الحياة، مقدمة مصلحتها السياسية الضيقة على أهداف أعم وأشمل في مواجهة الظاهرة. مواجهة الإرهاب تستلزم قطع كل طرق الدعم السياسي والإعلامي والمالي عليه، بحيث يبدو وحيداً تَسهل بعد ذلك مواجهته والقضاء عليه، وما دون ذلك سوف يظل العالم وكأنه يحرث في الماء، بلا فائدة لأهداف قد تبدو ذات فائدة ولكن لا أثر لها.

الحقيقة المؤلمة للواقع السيّئ الذي يعيشه العالم ربما يدفعنا إلى تكرار السؤال ولكن بصورة صحيحة، متى يتوقف العالم عن توفير ملاذ آمن للإرهاب؟ بل متى يمتلك العالم الإرادة لمواجهة هذا الإرهاب وتوغله؟ الحقيقة الأكثر إيلاماً أن العالم ما زال يشرع في سياساته السابقة، ولذلك أي حديث عن انتهاء الإرهاب في العام 2023 يبدو خارج سياقه، فلا بد قبل الحديث عن انتهاء الإرهاب أن نجيب على سؤال يتعلق بوقف تخليق هذا الجنين الشاذ وغير الشرعي في رحم هذا العالم، وهنا تبدو المسؤولية عامة وليست مسؤولية محدودة لبعض الدول التي تورطت في دعم الإرهاب.

ما أسهل أن نصف الواقع بأنه بات أفضل حالاً من الماضي، ولكن الأصعب أن نرى المستقبل بعيون غاب عنها نور الحقيقة، والحقيقة الأولى أن الإرهاب لم ينشأ عشوائياً؛ فأجهزة استخبارات دولية تدعم هذه الجماعات، التي لا ترى أزمة في تلقي الدعم مقابل تحقيق أهدافها، فهذه التنظيمات أشبه بالعاهرة التي لا تجد مشكلة في أن تكشف جزءاً جديداً من جسدها كلما كان هناك مقابل مادياً جديداً.

العلاقة الملتبسة بين تنظيمات الإسلام السياسي وبعض أجهزة الإستخبارات الدولية جاءت من واقع المصلحة؛ فبعض دول العالم تبحث عن مصلحة سياسية ضيقة من وراء دعم جماعات العنف والتطرف والتمرد، وهنا جاء الدعم المشار إليه، كما أن هذه التنظيمات تتعامل ببراغماتية حيث لا تُمانع من وضع يدها في يد دول قد تصفها بالكفر مقابل مواجهة خصومها القريبين، على طريقة العدو القريب والعدو البعيد في قراءتها الدينية.

لن يختفي الإرهاب عام 2023 إلا إذا نجحنا في وضع استراتيجية لمواجهته، ولا بد لهذه الإستراتيجية من أن تراعي الظروف السياسية والاقتصادية، كمثال، لكل دول العالم، ولا بد من مناقشة هذه الإستراتيجية وأن يتم الترويج لها تحت غطاء الأمم المتحدة، وأن يتاح النقاش لكل دول العالم بعد أن يقدموا مقترحاتهم حتى يتم صياغتها في وثيقة تُشبه الوثيقة العالمية لحقوق الإنسان، وهذه الوثيقة لا بد من أن يكون منصوص فيها عقوبات على كل من لا يتعاون من الدول أو يثبت دعمه لهذه التنظيمات بأي صورة.

لا بد من فتح نقاش عام والتبشير بهذه الإستراتيجية وأن تأخذ مساحتها في أروقة السياسيين والاقتصاديين والمتخصصين حتى تتم بلورة رؤية تكون الأقدر على مواجهة الإرهاب في عام 2023، ولا بد من أن يذهب الباحثون إلى هذه الدعوة وأن يحملوها على عاتقهم وأن يدافعوا عنها، وعليهم أن يضيفوا إليها أو يهذبوها وفق تصور المواجهة الذي تختفي معه جماعات العنف والتطرف.

في هذه الحالة فقط نستطيع أن نقول إن عام 2023 سوف تختفي فيه ظاهرة الإرهاب أو على الأقل سوف نبشر العالم بكسر شوكته، بعدها يمكن أن يلتقي هذا العالم على قيم مشتركة يمكن أن تساعد في البناء والتنمية في مناخ من المحبة والتسامح.

عن "النهار العربي"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية