هل يستثمر "داعش" في المظالم الاجتماعية ويعود إلى العراق؟

هل يستثمر "داعش" في المظالم الاجتماعية ويعود إلى العراق؟

هل يستثمر "داعش" في المظالم الاجتماعية ويعود إلى العراق؟


06/04/2024

تضاربت التكهنات، بعد هجوم موسكو الأخير، حول ماهية منفذي الهجوم والغرض منه، حيث أعلن تنظيم داعش خراسان، وهو فرع لتنظيم داعش ومقره في أفغانستان وينشط في باكستان وإيران، مسؤوليته عن الهجوم. ويعكس هذا الحادث عدداً من الدلالات، كما من المتوقع أن يرتب مجموعة من التداعيات على الصعيدين الداخلي والخارجي، قد تفوق في آثارها مجرد الاستجابة الأمنية لحادث إرهابي، بحسب محللين.

ويتوقع مراقبون أن يستعد داعش لإعادة السيطرة على المناطق التي انتزعت منه، لاسيما في العراق.

فبعد الإطاحة بنظام صدام حسين في العام 2003، واجه العراق تحديات عديدة كان على رأسها تحدي إعادة بناء الدولة، إضافة لتحديات سياسية واقتصادية واجتماعية، كان هناك حاجة لمعالجاتها من أجل تعزيز الهوية الوطنية، واحتواء التقسيمات الاجتماعية والمناطقية المشحونة بمعية سلوك النظام السابق، والتي غدت تشهد ذروة التفاعل مع الغزو الأمريكي للعراق. فضلاً عن ذلك مَثّل الإرهاب تحدياً نوعياً نافس التحديات الأخرى وتصدرها من خلال موجتين أفرزتا الاقتتال الطائفي لاحقاً، ليتحول العراق بذلك إلى قِبلة للجماعات الإسلامية المتطرفة والجماعات المسلحة التي برزت لمحاربة الوجود الأمريكي وتقويض العملية الديمقراطية الجاري بناؤها.

هذا ما يقدّره الباحث عمر ضبيان، وهو رجل أمن سابق وباحث في شؤون مكافحة الإرهاب والتطرف، وهو يعمل حالياً على كتاب تحليل صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق. وقد جاء تقدير ضبيان في إطار تقرير تحليلي نشره مطلع الشهر الجاري الموقع الإلكتروني لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

محادثات عراقية أمريكية

ويؤكد مسؤولون في حكومة السوداني في بغداد أن المفاوضات مع الجانب الأمريكي قد انطلقت في شباط/فبراير الماضي ومن بين ما اشترطه الأمريكيون ضمان عدم عودة التنظيم مرة أخرى. ومع ذلك، يناقش البعض التحديات التي سيطرحها ذلك الانسحاب أمام القوات العراقية، بما في ذلك التحدي الأمني والعسكري المفروضان عليها لمواجهة التنظيم، ويخطىء البعض هنا عندما يعتقد أنّ التحدي الوحيد أمام التطرف هو التحدي العسكري فقط، متجاهلين الآلية التي نشأ بها التنظيم في المقام الأول، وهي العامل الاجتماعي المتمثل في المظالم الناتجة عن التوترات بين المكونات الرئيسية في المجتمع العراقي. 

والآن وبعد هزيمة التنظيم عسكرياً مرة أخرى وتدمير شبكاته في المدن بشكل شبه كامل، ما زال التنظيم متغلغلاً في المناطق الريفية الصحراوية والتي تشكل حاضنة وجوده الرئيسية. وفي غياب الردع النشط والمستمر، قد تتطلع هذه القوات إلى الاستفادة من تدهور الوضع الأمني والحكم في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرتها سابقاً.

خلايا داعش تعمل بشكل لا مركزي في المناطق (صلاح الدين، الأنبار، ديالى، حزام بغداد) ومنطقة الجزيرة

بعد الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011 ومع تراجع قدرات القوات الأمنية العراقية، استغل تنظيم "داعش" هذه الفترة لإعادة بناء بقدراته. وفي الوقت عينه، أدى تسييس القيادة العسكرية إلى استبدال القادة الأكفاء بأفراد أكثر ولاءً، مما أدى إلى انخفاض القدرات القتالية والروح المعنوية بشكل عام. ومن الناحية العملية، أدت المساحة التي وفرها الانسحاب الأمريكي الأول من العراق للجماعات المتطرفة، إلى حدوث انهيار أمني بعد هجوم تنظيم الدولة الإسلامية على الموصل عام 2014، مما سمح للتنظيم بالسيطرة على أجزاء كبيرة من العراق.

العديد من الشباب العراقي الذي التحق بصفوف داعش لم يكن سلفياً ولا حتى متديناً، بل كان دافعه الثأر والانتقام للانتهاكات التي وقعت بحقه

وبحلول العام 2017 تمكنت القوات العراقية بمساعدة التحالف الدولي من هزيمة التنظيم عسكرياً، بحسب الباحث ضبيان. ومع تراجع خطر التطرف مرة أخرى، بدأت الدعوات من بعض القوى السياسية لإخراج القوات الأجنبية على رأسها القوات الأمريكية من العراق عبر تصويت في جلسة لمجلس النواب العراقي لم يكتمل نصابها القانوني.

مطالبات بخروج القوات الأجنبية

عادت المطالبات مجدداً بخروج القوات الأجنبية وعلى رأسها القوات الأمريكية من العراق عام 2023 وأديرت تلك المطالبات بخروج القوات الأجنبية كسابقتها من قبل مجموعة من الأحزاب السياسية التي استهدفت عبر مجموعاتها المسلحة المدعومة من الخارج القواعد الأمريكية وقوافل الدعم اللوجستي عبر الطائرات المسيّرة وصواريخ الكاتيوشا والعبوات الناسفة على جوانب الطرق.

ورغم التطور الذي شهدته القوات العراقية وأصبحت أكثر قدرة على مواجهة أي عودة للتنظيم، إلا أنّ انسحاب الأمريكيين سيخلف فراغاً في المناطق الوسطى والشمالية ستسعى الجماعات المسلحة المدعومة من الخارج لملئه وهو ما سيسفر لاحقاً عن انتهاكات تعيد للذاكرة سيناريو ما قبل 2014 من تمرد للمكون السني وتصدر التنظيم لما اسماه "قضية حماية أهل السنة" والتي كانت مدخلاً مهماً له في الحرب الأهلية السورية فضلاً عن العراق. 

خلايا داعش تعمل بشكل لا مركزي في المناطق (صلاح الدين، الأنبار، ديالى، حزام بغداد) ومنطقة الجزيرة، ولا زال مقاتلوه في السجون يدينون له بالولاء المطلق

 انسحاب القوات الأمريكية لا يجب أن يتم بشكل سريع دون تحديد شكل التعاون الأمني المستقبلي والدائم مع الولايات المتحدة. وعلى وجه الخصوص، سيطرح الانسحاب تساؤلات حول إمكانية تحويل مهام التحالف وخاصة بما يتعلق بالاستخبارات والمراقبة والاستطلاع ISR إلى بعثة الناتو في العراق، أم سيطالب العراق لاحقاً بإنهاء بعثة الناتو كذلك؟ وكانت هناك آراء ترى أنّ الناتو لن يصمد إذا انسحبت القوات الأمريكية وسيتعين عليه المغادرة من الناحية اللوجستية، كما أنّ قادة الأحزاب المناوئة للوجود الأمريكي سيطلبون من الناتو الانسحاب كذلك، وفق تقرير معهد واشنطن.

ومع ذلك، فإنّ المخاوف أوسع من مجرد القضايا الأمنية. فالمكون السني في العراق عالق بين الانسحاب الذاتي والتعبئة، كما أنّ سوء الإدارة السياسية وضعف الحكم، قد أديا بالضرورة لنشوء حيز من المظالم بحق بعض المكونات الشريكة في المجتمع، وهذا الحيز بحد ذاته يمثل محركاً رئيسياً للصراع، لاسيما إن أهملت الحكومة ذلك وساهمت من حيث تشعر أو لا تشعر بنموه، مهيئة بذلك أرضية خصبة للعناصر المتطرفة لاستغلال هذه المظالم لتحقيق مأربها.

يكمن التحدي الأكبر في مواجهة تنظيم في معالجة العقيدة والأفكار والأيدولوجيا المتطرفة

يشار إلى أنّ العديد من الشباب العراقي الذي التحق بصفوف التنظيم لم يكن سلفياً ولا حتى متديناً في بعض الأحيان، بل كان دافعه الثأر والانتقام للانتهاكات التي وقعت بحقه في ظل سوء الإدارة. وكانت نتيجة ذلك وبعد تمرد سني كبير فشلت الحكومة في بغداد من احتوائه أن عاد تنظيم الدولة ليسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي العراقية، ولاقى ترحيباً بجهالة من بعض أبناء ذلك المكون.

الإرث الأيدولوجي لداعش

على الرغم من الهزيمة التي لحقت بالتنظيم المتطرف في العراق وسوريا، والتطور الأمني الذي شهدته الساحة في ملاحقته وتصفية قادته، إلا أنّ الإرث الأيدولوجي للتنظيم لم يتبدد لهذه اللحظة، ولا تزال خلاياه تعمل بشكل لا مركزي لاسيما في المناطق (صلاح الدين، الأنبار، ديالى، حزام بغداد) ومنطقة الجزيرة، ولا زال مقاتلوه في السجون يدينون له بالولاء المطلق، ولازالت عملياته مستمرة بوتيرة متباينة في مناطق عدة. وبهذا الصدد يشير الجنرال ماثيو ماكفارلين قائد عملية العزم الصلب في أب/ أغسطس 2023 إلى ذلك بقوله إنّ التهديد لا يزال قائماً وأيدولوجية داعش الشريرة لا تزال قائمة وتبقى إعادة الظهور احتمالاً، فيما يعتقد مسؤولون في الحكومة العراقية بأنّ التنظيم لم يعد يشكل التهديد الذي شكله منذ عقد مضى، وأنّ احتمالية عودته مستبعدة.

ويكمن التحدي الأكبر في مواجهة تنظيم في معالجة العقيدة والأفكار والأيدولوجيا المتطرفة التي أمست إرثاً خلفه التنظيم، كما أنّ المظالم الاجتماعية قادت للعنف المسلح وفسحت المجال للمتطرفين لاستغلالها وشوهت الهوية الوطنية الجامعة ووقفت حائط صد أمامها.

 واقعياً لم يتقدم العراق اليوم في مجال محاربة أيدولوجية التنظيم، ولا يوجد حديث عن وضع استراتيجية واضحة لتبني المحور العلاجي والابتعاد عن حلول المقاربات الأمنية، بينما يبدو أنّ القوات الأمريكية وعلى الرغم من انتهاء مهامها القتالية، هي التي تخنق نفس التنظيم العسكري. كما يتواجد التنظيم في البيئة الصحراوية والريفية والتي لا زال إرثه قائماً فيها بشكل أو بآخر، وتلعب عوامل متعددة كالبطالة والتخلف وضعف الخدمات الصحية والتعليمية والجهل بالمفاهيم الإسلامية وطبيعة البداوة القاسية دوراً مهماً في تعزيز تلك الأيدولوجيا والتسليم لذلك الإرث.

مواضيع ذات صلة:

"داعش" وروسيا... "نهاية الإرهاب" و"استراتيجية التشتيت"

"نهاية الصحوة" و"داعش خراسان"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية