هل يشعل الغاز شرارة الحرب بين حزب الله وإسرائيل؟

هل يشعل الغاز شرارة الحرب بين حزب الله وإسرائيل؟


13/06/2022

خطاب ناري من الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، ضدّ إسرائيل، بعد وصول سفينة استخراج الغاز إلى حقل كاريش الذي تسيطر عليه إسرائيل، وتعتبره لبنان جزءاً من منطقتها الاقتصادية البحرية، وجاءت تهديدات نصر الله لإسرائيل بالتزامن مع وصول الوسيط الأمريكي، أموس هوكشتاين، إلى بيروت، لإعادة تفعيل المفاوضات غير المباشرة بين البلدين بشأن ترسيم الحدود البحرية.

وتعدّ اكتشافات الغاز الطبيعي العنوان الأبرز لهذا الخلاف الحدودي، ولولا ذلك لما صارت القضية بهذه الأولوية للجانبين، رغم تمسّك كلّ منهما بحقوقه في شريط حدودي ضيق، محلّ نزاع بينهما.

وتزيد من سخونة القضية عوامل في الداخل اللبناني، منها ما يتعلق بالأزمة الاقتصادية، وتعليق آمال كبرى على اكتشافات الغاز في المنطقة المتنازع عليها لانتشال البلاد من الكارثة الاقتصادية، وكذلك استثمار حزب الله في الأزمة لكسب الدعم الشعبي، ومواجهة التراجع النسبي في الاستحقاق الانتخابي النيابي الأخير.

تهديدات نصر الله

وفي خطاب متلفز، بتاريخ التاسع من حزيران (يونيو) الجاري، تناول الأمين العام لحزب الله، قضية وصول منصة حفر عائمة إلى حقل كاريش في المنطقة المُتنازع عليها مع إسرائيل، وهدّد حسن نصر الله بتصدّي المقاومة للعدوان الإسرائيلي. وقال: "نحن أمام قضية لا تقلّ أهمية عن قضية تحرير الشريط الحدودي المحتل، بل أكثر من ذلك، هذه القضية فيها مميزات يجب أن تشكل دافعاً وحافزاً ليتحمل الجميع المسؤولية".

خريطة النزاع الحدودي البحري بين إسرائيل ولبنان

وشدّد على ضرورة ترك العدو هذا النشاط، وأنّ "المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه استخراج النفط والغاز من حقل كاريش، وكلّ الخيارات مفتوحة وموجودة على الطاولة". وأشار نصر الله في خطابه إلى ضرورة تكاتف القوى السياسية اللبنانية كافة من أجل الحفاظ على ثروات لبنان، والتي قدّرها بنحو 200 - 500 مليار دولار، ووصفها بأنّها كفيلة بإنقاذ لبنان من الانهيار الذي يعيشه.

وفي السياق نفسه، تمهيداً لاستئناف المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية، أجرت السفيرتان، الأمريكية والفرنسية، في بيروت سلسلة لقاءات مع قادة القوى السياسية والمسؤولين الرسميين. ومن المرتقب وصول كبير مستشاري وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون أمن الطاقة، آموس هوكشتاين، إلى بيروت، ويتولى الوساطة بين لبنان وإسرائيل في ملفّ ترسيم الحدود البحرية، وتأتي الزيارة بناءً على دعوة من رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي.

الطبقة السياسية في لبنان تدرك ضآلة العوائد المتوقعة من غاز شرق المتوسط، سواء من أمام السواحل اللبنانية، ومن المناطق المتنازع عليها مع إسرائيل. ولهذا يفضّلون بقاء الملف معلقاً

ومن جانبها، حذّرت إسرائيل من أيّ مساس بمنصة الغاز "كاريش"، وأرسلت مركبات بحرية للمساعدة في تأمين المنصة، بما في ذلك غواصات، وكذا نسخة بحرية من منظومة الدفاع الصاروخي "القبة الحديدية".

وتتبادل الدولتان الاتهامات بشأن النزاع الحدودي. وبحسب الرواية الإسرائيلية؛ تتركز المفاوضات على منطقة بحريّة متنازع عليها، تبلغ مساحتها 860 كيلو متراً مربعاً، وفق خريطة مسجلة لدى الأمم المتحدة في عام 2011، بينما يريد لبنان التفاوض على مساحة إضافية تبلغ 1430 كيلو متر مربع إلى الجنوب، بما يعني استبدال خطّ 23 لترسيم الحدود بخط 29 إلى الجنوب، رغم إعلانه من قبل عن رضاه بخطّ 23، وهو ما أدّى إلى إخفاق جولات سابقة نهاية العام الماضي.

وتمتد المنطقة الإضافية إلى جزء من حقل غاز "كاريش" الذي أسندته إسرائيل لشركة "إنرجيان"، ويضمّ الحقل 1.4 تريليون قدم مكعب، وتساوي 8 مليار دولار، لكامل الكمية وفق مستويات الأسعار الناتجة عن الحرب في أوكرانيا. ولا يعني ذلك أنّ هذه عوائد الحقل؛ فعملية الاستخراج لا تكون لكامل الاحتياطي، فضلاً عن وجود تكاليف استثمارية كبيرة، وفي حالة إسرائيل تحصل على 40% ضرائب من استخراج الغاز، ما يجعل حقل كاريش لا يساوي الأهمية الكبرى كما يدعي ساسة لبنان.

حقيقة الغاز اللبناني

عام 2020 انتهت أعمال الاستكشاف والمسح في المنطقة رقم 4 أمام السواحل اللبنانية، وأعلنت شركة "توتال" عدم العثور على كميات ذات جدوى اقتصادية من الغاز الطبيعي.

ويقول الأكاديمي والكاتب السوري، محمد صالح الفتيح: "كلّ الاحتياطي المتوقع لحقل كاريش هو حوالي 20% من الاحتياطي المتوقع لحقل تامار، و10% من الاحتياطي المتوقع لحقل ليفياثان، ومع أنّ حقل تامار دخل الإنتاج في 2013 وليفايثان في أواخر 2019، إلا أنّه لم يكن لهما انعكاس مهم على الاقتصاد الإسرائيلي أو على مستوى معيشة الأفراد".

مظاهرة تطالب بالتمسك بالخط 29 لترسيم الحدود

وبحسب تصريحه لـ "حفريات"؛ فإنّ الطبقة السياسية في لبنان "تدرك ضآلة العوائد المتوقعة من غاز شرق المتوسط، سواء من أمام السواحل اللبنانية، ومن المناطق المتنازع عليها مع إسرائيل. ولهذا يفضّلون بقاء الملف معلقاً من دون حسم واضح؛ فلا هم يعترفون بعدم وجود عوائد مهمة من هذا الغاز، ولا يقومون فعلاً بخطوات جدّية ملموسة سواء لاستخراجه من أمام الساحل اللبناني، أو لمنع أيّة جهة من استخراج الغاز من المنطقة المتنازع عليها مع إسرائيل، وفيها حقل كاريش".

وأشار إلى أنّ هدفهم هو "بقاء ملف الغاز مادةً للتداول الإعلامي ولزرع الأمل وتجنّب المضي نحو قرارات مؤلمة اقتصادياً، والجميع مشترك بهذه اللعبة".

الباحث عاصم عبد الرحمن لـ "حفريات": هناك مقترح يقتضي حصول لبنان على كامل حقل قانا، وإسرائيل على كامل حقل كاريش، وهو ما سيحمله الوسيط الأمريكي إلى الرؤساء اللبنانيين.

وتابع الأكاديمي السوري: "المصارف اللبنانية، التي ترفض إعادة الودائع لأصحابها وترفض الكشف عن حركة الحسابات وتهريب رؤوس الأموال الكبيرة، باتت تسوّق إعلامياً ملفّ الغاز كخيار منقذ لحلّ أزمة الودائع؛ وذلك عبر استخدام العائدات المزعومة من الغاز، التي ستأتي يوماً ما في المستقبل، للقيام بما توصف بـ "إعادة تكوين الودائع" أي تضخّ نسبة من عائدات الغاز إلى المصارف، ومنها لأصحاب الودائع البالغة 104 مليارات دولار".

التوظيف السياسي

ومن جانبه، قال الكاتب والباحث السياسي اللبناني، عاصم عبد الرحمن إنّ "النزاع الحدودي بين لبنان وإسرائيل قائم على الخلاف حول حقلَي كاريش وقانا؛ أي الخطين٢٣ و٢٩ والخط الفاصل بينهما، الذي يريده كلّ طرف وفقاً لمصلحته متعرجاً أو جالساً، ما يزيد حصة كلّ من طرفي النزاع".

وأضاف لـ "حفريات": "هناك مقترح يقتضي حصول لبنان على كامل حقل قانا، وإسرائيل على كامل حقل كاريش، وهو ما سيحمله الوسيط الأمريكي إلى الرؤساء اللبنانيين، للبتّ النهائي في الملف والتوصل إلى الحلول التي تمكن أطراف النزاع من بدء التنقيب عن الغاز، واكتمال هيئة منتدى دول شرق المتوسط للغاز، الذي تبقى دونه عقبات نظراً للعداوة بين لبنان وإسرائيل".

د.الفتيح: المصارف اللبنانية باتت تسوّق إعلامياً ملفّ الغاز كخيار منقذ لحل أزمة الودائع

وحول دور نصر الله في ملف ترسيم الحدود، قال الباحث السياسي: "يستخدم نصر الله وهج سلاحه في مختلف القضايا لفرض شروطه إلا أنّ إصراره في الخطاب الأخير على حصرية التفاوض برئيس الجمهورية ميشال عون إنما يدلّ على التزامه سقف خيار لبنان الرسمي؛ فهو أولاً يطمئن إلى مواقف عون، ثم إنّه ليس بوارد مغامرة الدخول في مواجهة مع إسرائيل، في الوقت الذي ما يزال فيه التفاوض الأمريكي الإيراني حول الملف النووي جارياً على قدم وساق".

وكان "كونسورتيوم" يضمّ "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية و"نوفاتك" الروسية قد أكمل العام 2020 أعمال الحفر الاستكشافية في المنطقة (4) البحرية قبالة سواحل بيروت، وقال إنّه "لم يعثر على كميات ذات جدوى تجارية"، وتمّ تأجيل الحفر في المنطقة (9) الجنوبية، والتي حصل "كونسورتيوم" نفسه على رخصتها أيضاً، ومن المرتقب استئناف الاستكشاف الشهر الجاري، ومن غير المعلوم بعد موقف الشركتين الأوروبيَّتين من التعاون مع الشركة الروسية، في ظلّ العقوبات الغربية على روسيا، جراء غزو أوكرانيا.

عاصم عبد الرحمن: يستخدم نصر الله وهج سلاحه في مختلف القضايا لفرض شروطه

مواضيع ذات صلة:

هل اشترى حزب الله شحنة الأمونيوم من الحرس الثوري الإيراني؟

كيف ستواجه إسرائيل محاولات حزب الله تغيير قواعد اللعبة؟

هل تخوض إسرائيل مواجهة قريبة مع حزب الله؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية