هل يقسم لقاح كورونا العالم.. ما حظوظ الدول الفقيرة؟

هل يقسم لقاح كورونا العالم.. ما حظوظ الدول الفقيرة؟


09/12/2020

مع تفشي جائحة كورونا التي ضربت في البدء الدول المتقدمة؛ كالصين وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، توجهت الأنظار صوب أفريقيا القارة الفقيرة مستوطن الأوبئة، وصوب دول آسيوية فقيرة، على اعتبارها في مواجهة إبادة جديدة، وكانت المعادلة المتوقعة والمنطقية "أنّ فيروساً لم تصمد في مواجهته أنظمة صحية متقدمة سيفتك دون شك بدول فقيرة دون أنظمة صحية من الأساس أو بأنظمة متهاوية".

دول العالم تتهافت لحجز حصتها من اللقاح فيما تواصل غالبية الدول الفقيرة والنامية المراقبة والفرجة

على مدار شهور من تصنيف منظمة الصحة العالمية للفيروس كجائحة عالمية في آذار (مارس) الماضي، فاجأت أفريقيا دول العالم، ليس عن قدرة أو صمود، لكن  ربما في انطباق عبثي جديد لبيت الشعر الشهير "ما لجرح بميّت إيلام".

لا يجري في أفريقيا كثير من اختبارات الكشف عن الفيروس، وخارجها الأمر نفسه في دولة كاليمن، التي ظلت لشهور دون تسجيل حالة واحدة، ليس لأنها خالية أو غير متأثرة، لكنها في ظل جحيم الحرب والمواجهة لم يكن لديها رفاهية الكشف والتقصي والتوقف أمام الوباء.

لا يجري في أفريقيا كثير من اختبارات الكشف عن الفيروس

وبالأرقام، فيما تمثل الولايات المتحدة وحدها 22.5% من مجمل الإصابات المكتشفة حول العالم، وتسجل 4 دول أوروبية، وهي فرنسا وإيطاليا وأسبانيا وبريطانيا، نحو 11% من الإصابات حول العالم، فإنّ الدول الأفريقية والفقيرة لا تمثل أرقامها نسباً تُذكر، ولا تتوقف الحياة فيها لتنتبه إلى كورونا.

اقرأ أيضاً: بعد إثبات فعاليته.. الإمارات تُسجل لقاحاً جديداً مضاداً لكورونا

في مصر مثلاً، وعلى الرغم من التنبيهات الرسمية لاستخدام الكمامات، فإنّ الغالبية لم تعد تلتفت، وأمام التوجه الحكومي الذي يتلاقى مع الهوى الشعبي في تجاهل الفيروس واتباع سيرورة الحياة، سواء بدوافع الخوف على الاقتصاد من قبل الأولى، أو خوف الرتابة والملل وعودة كابوس الإغلاق من قبل الثانية، فإنّ الأمور تسير كما لو أنّ كورونا لا يعدو كونه "نزلة برد".

وذلك لا يعني أنّ الفيروس تتنافى مخاطره أو تقلّ بالتجاهل، لكن مثلما فاجأ الفيروس أو إصاباته الدول الفقيرة، فهل يفاجئهم اللقاح هذه المرّة مفاجأة في الاتجاه العكسي، أم تظل تلك الدول مضطرة للتعامل مع مخاطره وفق الخطة الشعبية ذاتها، أمام "قلة الحيلة"؟

اقرأ أيضاً: بريطانيا تبدأ اليوم حملة تلقيح واسعة النطاق ضد كورونا.. تفاصيل

وفيما ينتظر العالم صدور اللقاح الأمريكي الأول "فايزر"، والذي يُعدّ الأقرب إلى الصدور حتى اللحظة، في ظل تجارب سريرية منصفة، تتجاوز فاعليته فيها 90%، فإنّ دول العالم تتهافت لحجز حصتها من اللقاح، بينما تواصل الدول الفقيرة والنامية المراقبة والفرجة.

وما زالت الدول الفقيرة تحمل همومها، خصوصاً في ظل القناعة التي رسّخها كوفيد 19، وهي أنّ "أحداً غير آمن، يعني أنه لا أحد آمن"، في ظل قدرة الفيروس الفائقة على الانتقال والانتشار، كما اختبرت كافة الدول في الشهور الماضية.

اقرأ أيضاً: 2020 عام الكورونا.. قصة فيروس عطّل حياة البشر.. فهل نودعه قريباً؟

وفي هذا السياق، أطلقت منظمة الصحة العالمية مبادرة باسم "كوفاكس" بهدف العمل على إتاحة توزيع عادل للقاح. والتصنيف العادل يعني أن يتوفر لكل دولة 20% من اللقاحات لعدد سكانها، تمنح للفئات صاحبة الأولوية، وهي الفئات التي تتزايد معها المخاطر عند إصابتها بالمرض، سواء كبار السن أو أصحاب الأمراض المزمنة.

وعلى الرغم من جمالية الهدف والرغبة والتعبير، فإنّ "كوفاكس" لم تختبر بعد، أي أنّ الاختبار الحقيقي لمدى إدراك دول العالم أنّ النجاة من كورونا يجب أن تكون جماعية، وإلا فلا نجاة للجميع، سيكون بعد طرح اللقاح والبدء في توزيع جرعاته.

ووفق المؤشرات الأولى، فإنّ الإمعان في التفاؤل ضرب من السذاجة، حيث إنّ كثيراً من الدول القادرة سارعت إلى حجز جرعات من اللقاح، على نحو يستنزف الجرعات الأولى التي تمّ الإعلان عنها من قبل الشركة الأمريكية، أي إنّ الفقراء سيكونون في ذيل من يصل إليهم اللقاح.

اقرأ أيضاً: كورونا: ما بين عدالة التفشي وظلم توزيع اللقاح

تقول مديرة شبكة الصحة العالمية في جامعة أكسفورد ترودي لانغ لوكالة "فرانس برس": "إذا كان لدينا لقاح فايزر فقط ويحتاج كل شخص إلى جرعتين، فمن الواضح أننا أمام معضلة أخلاقية".

ونظراً إلى أنها توقعت الطلب المفرط على أي لقاح معتمد، أنشأت منظمة الصحة العالمية مبادرة "كوفاكس" في نيسان (إبريل) لضمان التوزيع العادل للقاحات، وهي تجمع الحكومات والعلماء والمجتمع المدني والقطاع الخاص، بحسب ما أورده موقع "دويتشه فيله".

 

نظراً إلى أنها توقعت الطلب المفرط على أي لقاح معتمد، أنشأت منظمة الصحة العالمية مبادرة "كوفاكس" في نيسان لضمان التوزيع العادل للقاحات

 

ومن جانبها، قالت المحللة في مركز التنمية العالمية للأبحاث رايتشل سيلفرمان: من غير المرجح أن يتوفر جزء كبير من الدفعة الأولى من اللقاحات في أفقر البلدان. فاستناداً إلى اتفاقات الشراء المسبق الموقعة مع شركة "فايزر"، هناك 1,1 مليار جرعة تم شراؤها من قبل الدول الغنية. وقالت سيلفرمان لوكالة "فرانس برس": "لم يتبقَ الكثير للدول الأخرى".

اقرأ أيضاً: متى نتخلى عن الكمامات في مواجهة كورونا؟.. عالم إيطالي يجيب

وبعض البلدان التي طلبت مسبقاً، مثل اليابان وبريطانيا، هي جزء من "كوفاكس"، لذلك من المحتمل أن تصل بعض الجرعات على الأقل إلى البلدان الأقل تقدماً من خلال اتفاقات الشراء الخاصة بها. وبخلاف ذلك، فإنّ الولايات المتحدة التي طلبت 600 مليون جرعة، ليست عضواً في "كوفاكس"، لكنّ هذا الأمر قد يتغير مع الرئيس المنتخب جو بايدن، بحسب "دويتشه فيله".

اقرأ أيضاً: كورونا يفتك بإدلب وريفها والناس لا يملكون ثمن كمامة

ولا يفوت الرؤساء العرب التحدث والمناشدة بوضع الدول الفقيرة في الاعتبار، وكان الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز قد قال في كلمته الافتتاحية لاجتماع قادة مجموعة الـ20، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي: إنه ينبغي عليهم العمل على تهيئة الظروف التي تتيح الوصول إلى اللقاحات بشكل عادل، وبتكلفة ميسورة لتوفيرها للشعوب كافة، إلى جانب أدوات أخرى لمحاربة جائحة كوفيد-19،  بحسب وكالة الأنباء السعودية (واس).

وأضاف لدى افتتاحه اجتماع قادة الاقتصادات الـ20 الأكبر في العالم: "نستبشر بالتقدم المحرز في إيجاد لقاحات وعلاجات وأدوات التشخيص لفيروس كورونا، إلا أنّ علينا العمل على تهيئة الظروف التي تتيح الوصول إليها بشكل عادل وبتكلفة ميسورة لتوفيرها للشعوب كافة".

اقرأ أيضاً: هل بددت إيران مخصصات كورونا للإنفاق على الميليشيات؟

وفيما تتجدد المناشدات، وتتعلق الآمال بخروج اللقاح إلى النور، على أمل أن تنتهي الجائحة، فإنه من غير المتوقع أن تُحمل اللقاحات على طبق من ذهب إلى الفقراء الذين لا تُكتشف بالأساس إصابتهم بالمرض، ويموت كثير منهم في صمت، ويترك آخرون يعانون من المرض، أو يواجهون القلق والخوف منه، خصوصاً أنّ الخوف في الدول المتقدمة أكثر من الخوف في الدول الفقيرة التي ألفته.

الصفحة الرئيسية