هل يمكن أن يصل اليمين المتطرف إلى السلطة مرة أخرى في ألمانيا؟

هل يمكن أن يصل اليمين المتطرف إلى السلطة مرة أخرى في ألمانيا؟

هل يمكن أن يصل اليمين المتطرف إلى السلطة مرة أخرى في ألمانيا؟


21/04/2024

مارك هولينغسورث - تيبو كراوزة

على افتراض أنه كان موقعاً سرياً للتخطيط للمستقبل السياسي لألمانيا، لم يكن فندق لاندهاوس أدلون الخيار الأكثر دبلوماسية ومراعاة للأوضاع. يطل الفندق على بحيرة ليهنيتز في بوتسدام، بالقرب من برلين، ويقع الفندق على بعد 20 دقيقة فقط بالسيارة من موقع "مؤتمر وانسي" سيئ السمعة عام 1942، إذ ناقش راينهارد هايدريش وغيره من كبار المسؤولين النازيين "المسألة اليهودية"، مما أوصل في نهاية المطاف إلى المحرقة.

من الواضح أن المشاركين - وهم أعضاء بارزون في حزب "البديل من أجل ألمانيا" Alternative für Deutschland اليميني المتطرف [معروف اختصاراً بالأحرف الأولى من اسمه بالألمانية "آي أف دي" AfD] - لم يدركوا أوجه التشابه المروعة. ونظم هذا الاجتماع في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي اثنان من رجال الأعمال وحضره رولاند هارتفيغ، مساعد زعيم حزب "آي أف دي"، وأولريش سيغموند، وهو زعيم برلماني إقليمي، واثنان من نشطاء النازيين الجدد النمسويين، وحتى عضوان من الحزب الديمقراطي المسيحي المحافظ ولكن من التيار العام.

كانت الهجرة القسرية واسعة النطاق على رأس جدول الأعمال صباح السبت الرمادي. وناقشوا ترحيل ليس فقط اللاجئين أو طالبي اللجوء، ولكن أيضاً أولئك الذين لا يعتبرون "ألماناً عرقيين حقيقيين"، بما في ذلك المواطنون الألمان المندمجون جيداً من الجيل الثاني أو الثالث من ذوي الأصول الأجنبية.

وعندما تسربت تفاصيل الاجتماع، أصيبت المؤسسة السياسية الألمانية بالصدمة، وتظاهر مئات الآلاف في جميع أنحاء البلاد. حتى أن الكنيسة الكاثوليكية أعلنت أنه لا ينبغي للمسيحيين التصويت للـ"آي أف دي"، بسبب آرائهم القومية المتطرفة التي تصل إلى حد التطهير العرقي.

في العادة، لا تجتذب الأحزاب اليمينية المتطرفة دعماً كبيراً في ألمانيا. هذه هي الحساسية من أي ارتباط مع الفصائل اليمينية المتطرفة لدرجة أن شركة "أديداس" أقدمت قبل أسبوعين وبسرعة لمنع أطقم كرة القدم الألمانية التي تحمل الرقم 44 في بطولة يورو 2024 وسط مخاوف من أنه يشبه الرمز النازي SS. (يشبه خط الرقم "4"، عندما يكون الرقمان جنباً إلى جنب، الكتابة الرونية على شكل صاعقة صممته قوات الأمن الخاصة في ثلاثينيات القرن الماضي).

ومع ذلك، فقد أظهرت استطلاعات الرأي في الأشهر الأخيرة دعماً متزايداً لحزب "آي أف دي" مما يمكن أن يؤثر في الاتجاه السياسي لألمانيا، وتكون له آثار مهمة في الاتحاد الأوروبي - والحرب في أوكرانيا.

لم يعد حزب البديل من أجل ألمانيا مجموعة احتجاجية هامشية. فقد تأسس كحزب محافظ مناهض للاتحاد الأوروبي، وانتقل إلى أقصى اليمين المتطرف، وهو الآن مصنف على أنه "خطر مشتبه به" على الدستور الألماني. والهاجس الأبرز اليوم هو كيف اندمج الحزب في التيار السياسي السائد.

وتتزعم الحزب سيدة الأعمال السابقة أليس فايدل ودهان المنازل السابق تينو شروبالا. لكن قاعدة قوة الحزب تقع في منطقة تورينغن حيث زعيم الحزب هناك هو بيورن هوكه، وهو مدرس تاريخ سابق يبلغ من العمر 52 سنة. ومن المقرر أن يصبح هوكه، وهو شعبوي صارم وجذاب، الحاكم القادم لولاية تورينغن هذا الخريف. ووصفته محكمة محلية رسمياً بأنه متطرف وفاشي ووضعته تحت المراقبة الدستورية.

ولكن في حين أن هوكه يبدو حالة شاذة في الحزب، إلا أن اجتماع فندق بوتسدام يشير إلى أنه ليس وحده. فهو يقود فصيلاً قوياً داخل "آي أف دي" وتسيطر سياسات اليمين المتطرف الآن على الحزب.

ومع تزايد الدعم الذي يحظى به حزب "البديل من أجل ألمانيا"، هل يمكن أن يحدث ما لا يمكن تصوره؟ هل يمكن أن يصل هذا الحزب اليميني الشرير إلى السلطة بالفعل؟ يحظى الحزب حالياً بنسبة 18 في المئة في استطلاعات الرأي الوطنية، ويأتي في المرتبة الثانية بعد الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ.

بالنسبة إلى انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو (حزيران) المقبل، من المتوقع أن يضاعف "آي أف دي" حصته من الأصوات. أما في شرق ألمانيا، حيث ستجرى ثلاثة انتخابات على مستوى الولايات هذا الخريف، فمن المتوقع أن يفوز الحزب، للمرة الأولى، بمعظم الأصوات، ومن المحتمل أن يشكل أولى الحكومات الإقليمية إذا وجد حزباً آخر يمكن أن يشكل معه تحالفاً. ويمكن أن يحدث ذلك في تحالف مرعب مع حزب "بي إس دبليو" الذي أسسته سارة فاغنكنشت، وهي شخصية سيارية تقليدية مؤيدة لبوتين نشأت في ألمانيا الشرقية ولكنها تتفق مع اليمين في محاربة الناتو ومجتمع "ووك".

ومع ذلك، على رغم من قوة "آي أف دي" إلا أنه من غير المرجح أن يشكل حكومة وطنية. فنظام الانتخابات النسبية في ألمانيا يعني أن التعاون مع الأحزاب الأخرى مطلوب لتمرير أي تشريع. وصرحت جميع الأحزاب القائمة بأنها لن تعمل أو تشكل ائتلافاً مع حزب "البديل من أجل ألمانيا". وعلى رغم أن هذا يمنع الحزب من الحصول على سلطة وطنية، إلا أنه لا يمنع نفوذه. وفي الواقع، قد يؤدي تزايد شعبيته إلى فوضى سياسية. إن تزايد شعبية الحزب يجعل من الصعب على الأحزاب الأخرى تشكيل ائتلافات حكومية مستقرة ومتماسكة مطلوبة للوصول إلى عتبة 50+1 في المئة.

ومن الأمثلة على ذلك الحكومة الحالية: فللمرة الأولى في تاريخ ألمانيا، هناك ثلاثة أحزاب في السلطة، مما يؤدي إلى انقسام حكومي داخلي غير مسبوق. وإذا ما ازدادت قوة "آي أف دي" فإن الحكومات الائتلافية التي تضم أحزاباً متعددة من فصائل سياسية مختلفة ستصبح أكثر احتمالاً، مما سيؤدي إلى طمس ولاءاتها الأيديولوجية واختلافاتها السياسية. وقد يتحول هذا الأمر إلى حلقة مفرغة حيث تضطر الأحزاب القائمة إلى العمل معاً مكرهة، مما يؤدي إلى استقرار أقل ويجعل "آي أف دي" البديل الوحيد الناجع.

إذاً، لماذا اجتذب حزب "البديل من أجل ألمانيا" كثيراً من الدعم في ألمانيا؟ يمكن التكهن بمعظم الأسباب - زيادة الهجرة، وانعدام الأمن الاقتصادي، والتهديدات الثقافية المتصورة لطريقة الحياة التقليدية. ولكن هناك عامل واحد مرتبط تحديداً بألمانيا - خيبة الأمل من السياسة السائدة. فائتلاف يسار - الوسط الذي يقوده أولاف شولتز لا يحظى بشعبية كبيرة، ويستغل "آي أف دي" هذا الاستياء بمهارة لتقديم نفسه كبديل للسياسة "الخضراء" والـ"ووك" المتشددة.

يصور اليمين المتطرف نفسه على أنه بطل "الناس العاديين" ضد النخب. ويجد الشعبويون مثل هوكه، بخطابه القومي والتحريضي، صدى لدى شرائح من السكان الذين يشعرون بالتهميش وخيبة الأمل من الوضع الراهن. كما أن ضعف أداء الاقتصاد، ولا سيما ارتفاع أسعار الطاقة بسبب نقص الغاز الروسي والتخلي عن الطاقة النووية، لا يؤدي سوى إلى تعزيز تلك الميول المعادية للمؤسسة.

وإذا ما حصل "آي أف دي" على أي نفوذ، فإنه يعد بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي، والتخلي عن أوكرانيا، ورفع العقوبات المفروضة على روسيا، ودعم المفاوضات مع بوتين، والترحيب بعودة ترمب للبيت الأبيض. ومما لا يثير الدهشة أن الحزب معاد بشدة للاتحاد الأوروبي ويفضل الديكتاتوريين مثل بوتين.

لكن موقف "آي أف دي" المؤيد لروسيا سيخضع للمراقبة بعد مزاعم بأن المتحدث باسم سياسته الخارجية، بيتر بيسترون، قبل 25 ألف يورو من شبكة إعلامية موالية لروسيا، صوت أوروبا Voice of Europe، للترويج لنهج الكرملين في شأن الحرب الأوكرانية، وفقاً لتقارير إعلامية حديثة. وقال بيسترون، أحد أبرز مرشحي حزب "البديل من أجل ألمانيا" في انتخابات البرلمان الأوروبي، للصحف إنه "لم يقبل أي أموال للدفاع عن المواقف الموالية لروسيا".

أما السيناريو المرعب هو إذا كان الألمان سيصوتون اليوم، فإن الائتلاف الحاكم سيحصل على 35 في المئة فقط من الأصوات، أي أقل بكثير من الأغلبية المطلوبة. هل يمكن أن يكون حزب البديل من أجل ألمانيا أكبر حزب في أي انتخابات وطنية؟ هذا مستبعد جداً. فمعظم الألمان لا يؤيدون اليمين المتطرف، ولا يزالون مرتاحين للتوافق الوسطي الذي ساد بعد الحرب الذي حقق الرخاء والأمن. لكن الوضع الراهن مهدد، وعلى رغم أن "آي أف دي" لن يمارس السلطة، إلا أنه يمكن أن يمارس نفوذاً حقيقياً في الأجل القريب.

عن "ذا اندبندنت"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية