هل ينجح مقتدى الصدر في إخماد انتفاضة العراقيين؟

هل ينجح مقتدى الصدر في إخماد انتفاضة العراقيين؟


01/12/2020

تُبرز الاحتجاجات العراقية في مدينة الناصرية، جنوب العراق، الوضع المأزوم في المشهد السياسي، بوجه عام، وانعكاساته الممتدة، منذ اندلاع التظاهرات الشعبية، في (تشرين الأول) أكتوبر العام الماضي، ضد الفساد وتوغل النظام الإيراني.

يجيد مقتدى الصدر لعبة التوازنات، فهو يقف على مسافة من إيران؛ حيث يرفض الالتحاق بالجمهورية الإسلامية، ويعتمد مرجعية النجف في مقابل المرجعية الإيرانية

وتكشف حالة الغضب والانفلات الأمني بين المتظاهرين، من جهة، والعناصر المنتمية أو المؤيدة للتيار الصدري، من جهة أخرى، عن مفارقة وخصوصية مغايرتين؛ إذ تبعث بصراع شيعي شيعي، وذلك على خلفية تراجع زعيم التيار، مقتدى الصدر، عن خوض الانتخابات البرلمانية، المزمع إجراؤها في يونيو (حزيران) العام المقبل، الأمر الذي فرض عليه الانخراط في التنافس المحموم بين مختلف التيارات السياسية والدينية، وكذا محاولته إحباط المظاهرات، وتهيئة الأجواء للاستحقاق الانتخابي.

الصدر في مربع الغضب

وإثر الصدامات الدموية بين المحتجين وأنصار التيار الصدري، منذ الجمعة الماضية، والتي أسفرت عن مقتل سبعة أشخاص، وإصابة مائة آخرين، بحسب البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية العراقية، صدر قرار بـ"حظر التجوال" في المدينة الواقعة جنوب العراق، كما فرض رئيس الوزاراء العراقي، مصطفى الكاظمي، مجموعة من الإجراءات الأمنية المشددة، لجهة الفصل بين الطرفين، ووقف أعمال العنف، بعد المواجهات الصعبة التي حدثت.

وبحسب الناطق الرسمي بلسان رئاسة الوزراء، اللواء يحيى رسول، فإنّ الكاظمي قرر "إقالة قائد الشرطة في محافظة ذي قار، وتشكيل لجنة للتحقيق في الأحداث التي جرت في المحافظة، وإعلان حظر التجوال فيها، وإلغاء تصاريح حمل السلاح، لمنع المزيد من التداعيات التي تضر بالسلم الأهلي في العراق".

اقرأ أيضاً: هل يتحول العراق إلى ولاية فقيه صدرية

وقام رئيس الوزراء العراقي، بإرسال قوات إسناد من العاصمة العراقية، بغداد، إلى محافظة ذي قار، وشدد الكاظمي، في بيان رسمي، على ضرروة "فرض القانون بطريقة تؤمن وتحمي المتظاهرين السلميين، وفرزهم عن المخربين"، كما قرر تشكيل "فريق أزمة الطوارئ، بصلاحيات إدارية ومالية وأمنية، لحماية المتظاهرين السلميين، ومؤسسات الدولة، والممتلكات الخاصة".

اقرأ أيضاً: العراق: بعد مذبحة الناصرية هذا ما قاله الصدر.. ماذا عن حكومة الكاظمي؟!

وقال الكاظمي إنّ "الأحداث المؤسفة التي جرت في ذي قار، مؤخراً، تستدعي موقفاً مسؤولاً على كل المستويات"، مؤكداً على ضرورة توحيد "الجهود الشعبية في ما يصب في مصلحة العراق". ولفت في بيانه الرسمي إلى أنّ اللجان التي وجه بتدشينها إنّما تهدف إلى "قطع الطريق أمام كل ما من شأنه زرع الفتنة، وجعل المتظاهرين السلميين في مواجهة مع الدولة، التي حرصت منذ أن تولت الحكومة مسؤوليتها، على نصرة الاحتجاج السلمي، ودعم التوجهات العادلة التي طالب بها شباب العراق".

الكاظمي وسبل وقف الانفلات الأمني

ويضم فريق الأزمة الذي أوفده رئيس الوزراء العراقي إلى الناصرية، مستشار الأمن الوطني، قاسم الأعرجي، والذي أوكلت إليه مهمة رئاسة الخلية، ورئيس جهاز الأمن الوطني، الفريق عبد الغني الأسدي، فضلاً عن عدد من القيادات الأمنية في وزارة الداخلية، وقيادة العمليات المشتركة.

ومن جانبه، غرد زعيم التيار الصدري، على حسابه الرسمي، في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "يجب أن يعم السلام في الناصرية الفيحاء، وعلى أهالي الناصرية ألا يتصارعوا فيما بينهم". وأضاف: "إنّ كان هناك من يزعزع أمنها (مدينة الناصرية)، من أيّ طرف كان، ولا يحترم هيبة الدولة، فإنّ على الحكومة المركزية التعامل معه".

اقرأ أيضاً: العراق: صراع الدولة واللا دولة.. وغزل سياسي بين الصدر والكاظمي

كما دان زعيم التيار الصدري، الأحد الماضي، تعاطي الحكومة المحلية في الناصرية مع الأحداث، وقد وصف موقفها بـ "المتخاذل"، وتعد تلك هي المرة الأولى التي يعلق فيها على الأحداث الأخيرة، منذ اندلاعها، الجمعة الماضية، وذلك على إثر انتشر هاشتاغ عبر "تويتر"، دشنه الناشطون العراقيون، تحت وسم "مقتدى الصدر قاتل"، بيد أنّ الصدر طالب المعتصمين بالعودة إلى منازلهم "سالمين"، وحذرهم من "ضياع حقوقهم ما بين مطرقة متشدديهم وسندان الفاسدين".

الانتخابات واستعراض القوة السياسية

تزامنت المواجهات المستمرة بين المحتجين والتيار الشيعي الذي يقوده الصدر، مع إعلان الأخير في تغريدة على حسابه بـ"تويتر"، عن تراجعه بخصوص خوض الانتخابات التشريعية، بل وتسريب معلومات أخرى حول رغبته في تشكيل أغلبية برلمانية، وتسمية رئيس الوزراء من تياره، حيث قال: "إنّ بقيت وبقيت الحياة، سأتابع الأحداث عن كثب وبدقة، فإن وجدت أنّ الانتخابات ستسفر عن أغلبية (صدرية) في مجلس النواب، وأنّهم سيحصلون على رئاسة الوزراء، وبالتالي، سأتمكن بمعونتكم وكما تعاهدنا سوياً على إكمال مشروع الإصلاح من الداخل، سأقرر خوض الانتخابات".

وإلى ذلك، قام عدد من أنصار التيار الصدري، والمقربين منه، بالدعوة إلى التظاهر في ساحة التحرير، والاصطفاف ضد ما وصفوه بـ"الفساد"، والمطالبة بـ"الإصلاح"، وهو الأمر الذي اعتبره مراقبون، محاولة لاستعراض القوة السياسية، في سياق التنافس الانتخابي، المتوقع خلال العام المقبل؛ حيث دعا رجل الدين الشيعي، الشيخ خضير الأنصاري، أنصار الصدر إلى أداء صلاة الجمعة، في ساحة التحرير، في بغداد.

الحقوقي العراقي علي فضل الله لـ"حفريات": يحاول الصدر أن يكون ممثلاً غير تقليدي للكتل الشيعية، وأن يظل معارضاً للحكومة وإصلاحياً في الوقت ذاته

وقال الأنصاري في خطبته أثناء صلاة الجمعة: "إنّنا لسنا طامعين بالحكم، لكننا ملتزمون بالدفاع عن العراق، من خلال تحقيق أغلبية صدرية في البرلمان، مضحية بنفسها من أجل الإصلاح؛ لأنّنا نريد رئاسة الوزراء حتى نحمي العراق من سلطة الأحزاب الفاسدة"، مضيفاً: "سندافع بكل سلمية بعيدا عن العنف والقتل، لأنّنا ملتزمون بالدفاع عن العراق أمام الفاسدين، وأن مشروع الإصلاح أمانة في اعناقنا".

أين يقف مقتدى الصدر؟

وفي حديثه لـ"حفريات"، يشير الحقوقي العراقي، علي فضل الله، إلى أنّ التيار الصدري من خلال هذه الحشود التي اصطفت في ساحة التحرير، أو غيرها من الميادين، أراد تحقيق أكثر من رسالة، سواء للمجتمع العراقي المدني، أو المكونات السياسية، الشيعية منها والسنية والكردية، وهي رسالة مفادها أنّ التيار يمتلك قاعدة شعبية هائلة؛ يستطيع من خلالها السيطرة على الشعب العراقي، إضافة إلى أنّه يملك أغلبية اجتماعية وسياسية، تمكنه من تحقيق التقدم الذي يسعى إليه في الانتخابات البرلمانية، في حزيران (يونيو) العام المقبل، الأمر الذي يترتب عليه تحديد رئيس مجلس الوزراء من تياره، وكذا تشكيل الحكومة.

الحقوقي العراقي علي فضل الله

ويضيف فضل الله: "يسعى التيار الصدري إلى ضبط الشارع، ووقف موجة الاحتجاجات الشعبية، وقد تمكن أنصاره من إنهاء الانتفاضة، وفض الاعتصام، في وسط العاصمة العراقية، بغداد، في ساحة التحرير، وبالتالي، تتصاعد أعمال العنف في ساحة الحبوبي، في الناصرية، جنوب بغداد، والتي شهدت سقوط ما لا يقل عن سبعة قتلى، وهو ما ينذر بتفاقم الأوضاع، واستمرار المواجهات الدامية بين التيار الصدري والمحتجين، وعدم انحسارها، بل وعدم قدرة الصدر على احتكار الشارع، أو تجميد الصراع".

اقرأ أيضاً: تهديدات الصدر في أربعينية الحسين: الدولة الرخوة في مواجهة الميليشيات

وحول الأفق السياسي الذي يمكن أن يحصل عليه الصدر في إطار هذا الصراع، يجيب الحقوقي العراقي: "يجيد مقتدى الصدر لعبة التوازنات، سواء محلياً أو خارجياً، فهو يقف على مسافة من إيران؛ حيث يرفض الالتحاق بالجمهورية الإسلامية، سياسياً وأيديولوجياً، ويعتمد مرجعية النجف في مقابل المرجعية الإيرانية في طهران وقم، كما أنّه يتمتع بعلاقات جيدة في الخليج، بخاصة في السعودية والإمارات، وله مواقف ضد الحشد الشعبي، وقد طالب بحلّ الميلشيات التابعة له، وبالتالي، فإنّه يحاول وضع نفسه باعتباره ممثلاً غير تقليدي للكتل الشيعية، وأن يظل عند الصورة التي حافظ عليها كمعارض للحكومة وإصلاحي في الوقت ذاته".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية