هل ينقذ المجتمع الدولي لبنان من براثن حزب الله؟

هل ينقذ المجتمع الدولي لبنان من براثن حزب الله؟


17/08/2020

يبدو أنّ انفجار مرفأ بيروت أيقظ العالم من تراخيه في إنقاذ لبنان، الذي اختطفه حزب الله، ورهنه لأجندة إيران؛ فبعد أن اكتفى المجتمع الغربي والدول العربية بإحالة أزمة الفساد وهيمنة حزب الله إلى الداخل اللبناني، وربط حلّ هاتين المسألتين بتقديم المساعدات والقروض الدولية، جاء انفجار مرفأ بيروت ليذكّر العالم بأنّ لبنان وحده غير قادر على التخلص من هيمنة حزب الله، الذي يسيطر على الدولة بقوة السلاح.

يتوقع المحلل السياسي راشد فايد أن يزيد المجتمع الدولي ضغوطه على حزب الله، لأنّ وجوده وسلاحه يتسبّبان في ازدواجية في قرار السلطة، وطغيان المشروع الإيراني على سياسة لبنان

وتزامناً مع ذلك، تقترب نتائج المحاكمة الوشيكة لقتلة رئيس الوزراء السابق، رفيق الحريري، والتي تنظر فيها محكمة جنائية دولية، ومن ضمن المتهمين فيها عناصر من حزب الله، لتطرح مسألة إرهاب الحزب أمام المجتمع الدولي.

وجاء انفجار المرفأ، وما كشفت عنه قناة "فوكس نيوز" الإخبارية، الأربعاء 5 آب (أغسطس)، من توّرط قطر في تمويل حزب الله، ليُذكّر المجتمع الدولي بضرورة التدخّل لإنقاذ لبنان من خطر المحور الإيراني، والمحور التركي-القطري، اللذين يدعمان حزب الله على حساب الدولة والشعب اللبنانيين.

 لبنان: رهينة حزب الله 

وصل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في زيارة رسمية إلى بيروت، الخميس الماضي، وهي الزيارة التي كانت مقرّرة سلفاً، وأتى إصرار ماكرون على إتّمام الزيارة، رغم انفجار مرفأ بيروت، الذي سبقها بيومين، تأكيداً من فرنسا، أهم حلفاء لبنان الغربيين على مساعدته في محنته، وعدم تركه وحيداً في مواجهة حزب الله وإيران، خصوصاً بعد أن استفاق العالم على كارثة انهيار الدولة اللبنانية، التي يُهيمن حزب الله على مفاصلها.

وألقى انفجار المرفأ بظلاله على جلسة المحكمة الجنائية المُرتقبة، والتي تنظر في اتّهام عناصر من حزب الله بتدبير انفجار 2005، الذي أودى بحياة رفيق الحريري و21 من مرافقيه، وخلّف مئات الجرحى، وسلسلة الاغتيالات التي تبعته سياسية طالت رموزاً سياسية لبنانية مُعارضة للوجود السوري في لبنان.

وقررت المحكمة الدولية تأجيل جلستها إلى 18 من الشهر الجاري، مراعاةً للمُصاب الأليم الذي عاشته بيروت.

اقرأ أيضاً: حزب الله يدفع لحكومة على مقاسه

وكان المانحون الغربيون والعرب، وصندوق النقد الدولي قد ربطوا تقديم المساعدة أو القروض إلى لبنان، للخروج من أزمته الاقتصادية الطاحنة، بحلّ مسألة هيمنة حزب الله على السلطة، ومشكلة الفساد المُستشري.

وفرضت الولايات المتّحدة عقوبات على شخصيات وشركات تتبّع حزب الله، بسبب    تمويل أنشطة الحزب الإرهابية، وصرّح وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو؛ بأنّ واشنطن لن تمنح مساعدات أو قروض إلى لبنان، طالما بقي حزب الله في السلطة، خوفاً من استفادة إيران منها.

اقرأ أيضاً: خبراء عراقيون يكشفون لـ"حفريات" العلاقة "التخادمية" بين قطر وحزب الله

وقال بومبيو، في حديث للصحفيين، في حزيران (يونيو) الماضي؛ شروطنا واضحة لدعم لبنان، "تنفيذ الحكومة اللبنانية إصلاحات حقيقية، والعمل بطريقة لا تجعلها رهينةً لحزب الله".

وترفض واشنطن، والدول الغربية والعربية، منح مساعدات أو قروض إلى لبنان؛ خشية استفادة حزب الله منها في تمويل أنشطته الإرهابية، بعد أن أصبح سيد قرار الحكومة.

اقرأ أيضاً: أدلة جديدة تثبت ضلوع حزب الله بانفجار بيروت

وفي السياق نفسه؛ كان مانحون أوروبيون، بقيادة فرنسا، قد علّقوا حزمة قروض بقيمة 11 مليار دولار للبنية التحتية، جرى الاتفاق عليها عام 2018، بسبب غياب جهود جادة لإصلاح الاقتصاد، والقضاء على الفساد، الذي يستفيد منه حزب الله في شرعنة أمواله.

وفي العام الماضي، حجبت إدارة ترامب 105 ملايين دولار مخصصة للجيش اللبناني؛ كجزء من مراجعة سياسية شاملة حول فعالية برنامجها للمساعدات العسكرية إلى لبنان.

وتسبّب رفض حزب الله للبرنامج الإصلاحي الذي قدّمه صندوق النقد الدولي في تخلي الدول الغربية والعربية عن دعم الاقتصاد اللبناني.

ويرى الخبير الاقتصادي، ناصر سعيدي، وزير الاقتصاد اللبناني السابق، ونائب حاكم المصرف المركزي سابقاً؛ أنّ اقتصاد لبنان يحتاج إلى 25 إلى 30 مليار دولار، لإعادة رسملة المصارف، خلال 5 أعوام.

اقرأ أيضاً: حزب الله يستقوي على اللبنانيين بسلاحه ودعم إيران.. ما علاقة قطر؟

وفي حديثه لموقع "النهار" اللبناني"، قال سعيدي عن دعوة حزب الله للتوجه شرقاً: "التعويل على قدرة روسيا وإيران في أن تكونا بديلين، غير واقعي، لا سيما مع تدهور أسعار النفط".

ما بعد انفجار بيروت

وعقب كارثة مرفأ بيروت، طالب كثيرٌ من اللبنانيين بتغيير ومحاكمة الطبقة السياسية الحاكمة، وعلى رأسها حزب الله، وتحييد لبنان، وفرض سلطة الدولة على الموانئ والمرافئ.

ويبدو أنّ هناك إدراكاً دولياً بأنّ سياسة معاقبة لبنان بسبب حزب الله، لن تؤدي إلا إلى مزيد من تفقير اللبنانيين وتهميشهم، لصالح الحزب وإيران.

منسق قطاع الشباب في تيار المستقبل علاء أرناؤوط لـ"حفريات": لا مساعدات اقتصادية للبنان طالما هناك هيمنة من قبل حزب الله، حتى بعد نكبة تفجير مرفأ بيروت

وحول موقف المجتمع الدولي، يقول منسق قطاع الشباب في تيار المستقبل، فرع طرابلس، علاء أرناؤوط: "أعتقد ألا مساعدات اقتصادية للبنان طالما هناك هيمنة من قبل حزب الله، حتى بعد هذه النكبة، المساعدات ستقتصر على أمور استشفائية طارئة".

ويضيف أرناؤوط، لـ "حفريات": "زيارة ماكرون هي محاولة لفكّ هذه العزلة، لكن لن تنفع طالما حزب الله يتمسّك بالسيطرة على القرار السياسي في لبنان".

وفي سياق متصل، يرى المحلل السياسي اللبناني، راشد فايد، أنّ حزب الله ليس بعيداً عن انفجار بيروت، فمن سمح ببقاء هذه الكمية الكبيرة من نترات الأمونيوم، هو طرف داخلي قوي، ولا أحد غير حزب الله يستطيع فعل ذلك.

وفي ظلّ الأزمة الاقتصادية الخانقة، جاء انفجار المرفأ ليزيد من أزمة لبنان، وأصبح في حاجة ماسة إلى تدخل المجتمع الدولي، وفي ذلك يقول راشد فايد، لـ "حفريات": "لم يعد لبنان قادراً على تحمّل الحصار الدولي، لأنّ كلفة الانفجار فوق طاقته، وفي تلك الظروف يختفي حزب الله، وتتغير لهجته؛ فقد ألغى حسن نصر الله خطابه المقرّر سلفاً عن المحكمة الدولية، واكتفى بتقديم التعازي".

اقرأ أيضاً: ليتوانيا تحظر حزب الله... ما تعليق السعودية وأمريكا على القرار؟

وهناك روايات عدّة حول مسؤولية حزب الله عن انفجار المرفأ؛ فمن ناحية يسيطر الحزب على الموانئ اللبنانية، ويدير مناطق واسعة فيها لحسابه، يتربح منها مادياً، إلى جانب استخدامها في إدخال السلاح بحجة سلاح المقاومة.

وحتى إنّ لم تتشكّل لجان تحقيق نزيهة، تكشف مسؤولية حزب الله عن الانفجار، وصارت فرضية الإهمال هي الثابتة، فلن يعفي ذلك حزب الله من المسؤولية، ويوضح ذلك علاء أرناؤوط، بقوله: "الإهمال هو من قبل حكومة حزب الله وحلفائه، بحسب التقارير المقدمة من قبل الجمارك اللبنانية، ولن يعفي ذلك كلّ من شارك في الحكومة من المسؤولية المحلية أو الدولية، فالتحجيم سيكون لحزب الله، وكلّ من يشارك في هذه الحكومة".

المجتمع الدولي وقتلة الحريري

ومن المتوقع أن تعيد جلسة الحكم المقبلة على قتلة رفيق الحريري، والتي يُتّهم فيها عناصر من حزب الله، قضية هيمنة الحزب على لبنان إلى طاولة النقاش الدولي، بسبب تورط الحزب في تعطيل عمل المحكمة، ورفضه لقراراتها، رغم عملها تحت مظلة مجلس الأمن.

اقرأ أيضاً: حزب الله في قلب الغضب اللبناني.. "الخناق يضيق"

وعن علاقة قرار المحكمة وموقف المجتمع الدولي من لبنان، يرى السياسي اللبناني، عضو تيار المستقبل، أحمد ناصر؛ أنّ انفجار بيروت، ثمّ إدانة حزب الله في المحكمة الجنائية، سيدفعان المجتمع الدولي إلى تدخّل أقوى في لبنان، لانتشاله من هيمنة حزب الله وإيران.

ويردف ناصر، لـ "حفريات": "أظنّ أنّ شوكة إيران في لبنان ستنكسر بعد الحادث، وسيتغير خطاب حزب الله، فلن يقبل المجتمع الدولي بأن يُسخّر الحزب الدولة لصالح المشروع الإيراني، فلم يعد لبنان قادراً على دفع ثمن الارتهان لإيران".

ووفق الصفة القانونية التي تحوزها المحكمة، من المرجح أن يتدخّل المجتمع الدولي عبر مجلس الأمن، لملاحقة المُتّهمين، ويقول منسق قطاع الشباب في تيار المستقبل، فرع طرابلس، علاء أرناؤوط: "ورقة اغتيال الحريري ستكون في يد المجتمع الدولي، فلا يمكن ملاحقة حزب الله أو محاسبته من الداخل اللبناني، وسيُلاحق حزب الله بجريمة اغتيال رئيس وزراء دولة".

ومن المتوقع أن تحظى مسألة سلاح حزب الله باهتمام دولي كبير خلال الفترة المقبلة، لما يسبّبه من خطر على الشعب اللبناني، ودعم الإرهاب ضدّ الدول الغربية والعربية.

ويتوقع فايد؛ أن يزيد المجتمع الدولي ضغوطه على حزب الله الفترة المقبلة، لأنّ وجوده وسلاحه يتسبّبان في ازدواجية في قرار السلطة، وطغيان المشروع الإيراني على سياسة لبنان، وتعطيل مؤسسات الدولة الرقابية، التي كانت كفيلة بعلاج مشكلة نترات الأمونيوم، لو مارست دورها.

وكانت الليرة اللبنانية قد فقدت حوالي 80% من قيمتها مقابل الدولار، وارتفعت الأسعار بشكل كبير، ما تسبّب في غرق جزء كبير من الطبقة الوسطى في الفقر، وتخلّف لبنان عن سداد ديونه السيادية، في آذار (مارس) العام الجاري، وبلغ حجم الدين 89.5 مليار دولار، بما يعادل نحو 155% من الناتج المحلي الإجمالي، بحلول نهاية 2019، ونحو 37% من الدين بالعملة الأجنبية، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية