ورطة الإخوان في الحرب السودانية... "لا بُدّ من جدة ولو طال السفر"

ورطة الإخوان في الحرب السودانية... "لا بُدّ من جدة ولو طال السفر"

ورطة الإخوان في الحرب السودانية... "لا بُدّ من جدة ولو طال السفر"


29/10/2023

الآن، وبعد أن تأكد قبول قادة الجيش السوداني بالعودة إلى منبر جدّة، والتفاوض مجدداً مع قوات الدعم السريع دون شروط مسبقة من أجل إنهاء الحرب، والشروع في عملية سياسية تعيد الأمور إلى نصابها، وإلى سلطة مدنية انتقالية، أسقِط في يد جماعة الإخوان المسلمين وميليشياتها التي ادّعت أنّها تقاتل بجانب الجيش، فيما هي تفعل ذلك من أجل إضعافه وتفكيكه من الداخل عبر ضباطها الذين سكنّتهم في مفاصله مدة (30) عاماً، تمهيداً لانقلاب يعيدها إلى السلطة مجدداً.

وقد تواترت الأخبار مؤخراً، بعد أن غادر نائب القائد الأعلى للجيش السوداني، الفريق أول شمس الدين الكباشي، المُقرب من الجماعة، مخبأه بالقيادة العامة ـ وسط الخرطوم ـ لينضم إلى قائده عبد الفتاح البرهان المقيم بمدينة بورتسودان (شرق)، وأعلن من هناك أنّه بصدد الذهاب إلى جدة لاستئناف المفاوضات التي توقفت نحو (4) أشهر، منذ تموز (يوليو) الماضي؛ بعد انسحاب وفد الجيش واضعاً شرطاً واحداً للعودة، وهو انسحاب قوات الدعم السريع من المنازل والأعيان المدنية والمؤسسات الحكومية، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، رغم عودة الجيش إلى طاولة جدّة.

جدّة غير

 نائب قائد الجيش السوداني شمس الدين الكباشي كان قد أعلن أنّ وفد الجيش سيذهب إلى جدّة، من أجل استئناف المفاوضات؛ التي يُرجّح أنّها ستناقش وقفاً دائماً لإطلاق النار، يُمهِّد للشروع في عملية سياسية لاستعادة المسار المدني الديمقراطي، وهذا ما يرفضه الإخوان، المتضرر الأكبر من إنهاء الحرب على طاولة حوار، فقد مارسوا ضغطاً كبيراً على قائد الجيش ليسحب الوفد، عقب توقيعه إعلاناً لحماية المدنيين في 11 أيار (مايو) الماضي، لم يلتزم به الطرفان.

قائد الجيش السوداني عبد الفتّاح البرهان

وفي السياق، أعلن المجلس المركزي لقوى إعلان الحرية والتغيير، أكبر ائتلاف سياسي سوداني، وقوى سياسية أُخرى، دعمهم للحلّ السياسي السلمي لقضية الحرب والسلام والتحول المدني الديمقراطي، فيما تحفظ الحزب الشيوعي السوداني على مفاوضات جدّة، ورهن الحل بتغيير  قيادة الجيش، وحلّ ومحاسبة قوات الدعم السريع.

ولم يختلف موقف جماعة الإخوان المسلمين عن الحزب الشيوعي كثيراً؛ فقد أعلن حزب المؤتمر الوطني، الذراع السياسية للجماعة، رفضه الصريح لإيقاف الحرب والتفاوض، وقال في بيان نشره على صفحته الرسمية عبر (فيسبوك): إنّ خيار الحسم العسكري هو الخيار الوحيد لإنهاء الحرب.

 الخاسر الأكبر

واعتبر مراقبون أنّ الخاسر الأكبر من وقف الحرب عن طريق التفاوض، هي جماعة الإخوان وحزبها المؤتمر الوطني، وكان موقع (سودان تربيون) قد كشف عن اجتماع سرّي التأم في أيلول (سبتمبر) المنصرم بمدينة بورتسودان بين قائد الجيش وقيادات إخوانية، على رأسها أمين عام التنظيم علي كرتي، محذرة إيّاه من مغبة الذهاب إلى أيّ مسار تفاوضي لإنهاء الحرب.

وكانت الجماعة قد استغلت هشاشة الدولة والسيولة الأمنية التي نجمت عن الحرب، في افتتاح معسكرات لتجميع المتطرفين والإرهابيين، وتدريب كوادرها على القتال تحت عنوان الاستنفار الشعبي من أجل مساندة القوات المسلحة على القتال، وخصصت لهذه المهمة الإرهابي الإخواني الهارب من سجن (كوبر) بالخرطوم، والمطلوب إلى القضاء السوداني والمحكمة الجنائية الدولية  أحمد هارون.

ويتهم محللون سياسيون ومراقبون الجماعة التي يديرها الآن علي كرتي، وهو أحد قادة ومؤسسي الميليشيات الإخوانية ووزير خارجية سابق في نظام عمر البشير المخلوع، بالوقوف وراء انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، على حكومة عبد الله حمدوك، في 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، فضلاً عن معارضة الاتفاق الإطاري الذي وقعت عليه قوى مدنية وقيادة الجيش والدعم السريع، قبل أن تشتعل الحرب في 15 نيسان (أبريل) الماضي.

وتخشى الجماعة من أنّ التوصل إلى حلٍّ سياسي سلمي عبر مفاوضات جدّه يعني نهايتها الحتمية، لكونها المتهم الأول في إثارة الفوضى وإشعال الحرب والحيلولة دون إيقافها، الأمر الذي دفع وزارة الخزانة الأمريكية إلى فرض عقوبات بحق زعيمها المتطرف علي كرتي، واصفة إيّاه بأنّه اتخذ خطوات لتقويض جهود السودان لإقامة حكم مدني وديمقراطي، وعرقل الجهود المبذولة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار لإنهاء الصراع الحالي بين الجيش وقوات الدعم السريع.

الجيش والإخوان

ومع إعلان نائب قائد الجيش السوداني العودة إلى منبر جدّه، هرعت الجماعة إلى كتائبها الإعلامية وناشطيها في مواقع التواصل الاجتماعي؛ للشروع في حملات تضليلة لإجهاض المنبر وتصوير التفاوض مع الدعم السريع بأنّه خيانة للوطن ودماء الشهداء.

ورفعت الجماعة على منابرها قميص (أيوب)، اللواء الذي لقي حتفه في سلاح المدرعات إثر قصف مقره من قبل (قوات الدعم السريع)، ونشرت على صفحتها مقطع فيديو للقتيل، علقت عليه بقولها: "لمثل اللواء الركن المجاهد أيوب فلتبكِ البواكي، وإنّ الأيدي التي اغتالته ورفاقه لم تكن أيدي قوات الدعم السريع، وإنّما أيدي من تخاذل عن دعم المدرعات من القيادة حينما استغاثوا بها، ومن خانوهم بإرسال إحداثيات قادة المدرعات ليتمّ قصفهم بالمدفعية الموجهة"، وهنا تشير الجماعة إلى ما تعتقد أنّها خيانة من قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ومجموعته.

انقلاب إخواني وقتال محتمل

ويُعتقد على نطاق واسع أنّ جماعة الإخوان تخطط لإطاحة قائد الجيش عن منصبة بالانقلاب عليه، بعد أن استنفد أغراضه.

قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)

وفي السياق، كشفت صحيفة (التغيير) الإلكترونية السودانية عن مصادرها الخاصة أنّ الجماعة تخطط للانقلاب على البرهان ونائبه شمس الدين كباشي ومساعديه ياسر العطا وإبراهيم جابر ورئيس هيئة الأركان محمد عثمان الحسين، وتكوين مجلس عسكري بالتنسيق بين سلاحي المدرعات والطيران، على أن تكون أغلبيته من ضباط الجماعة داخل الجيش، يرأسه ضابط ينتمي إليها، لكنّه غير معروف للعامة، ورجحت مصادر (التغيير) الفريق خالد الشامي، أو الفريق عمر زين العابدين، أو عماد الدين عدوي، للتصدي لهذه المهمة، وجميعهم من الإخوان.

ويبدو أنّ اقتناع قادة الجيش بأنّهم يخوضون حرباً خاسرة، ستؤول في ختام المطاف إلى طاولة حوار، أحدث شرخاً في علاقتهم بجماعة الإخوان التي خططت معهم وساندتهم في الحرب الراهنة، وبالتالي فإنّ طلاقاً بائناً سيحدث بين الفريقين، وربما يؤدي إلى اقتتال على الأرض بينهما، تكون قوات الدعم السريع هي الرابح الوحيد جرّاءه، وفقاً للعديد من المراقبين.

مواضيع ذات صلة:

بعد ممانعة وتشدد... لماذا طلب الجيش السوداني العودة إلى منبر جدة؟.. وما موقف الإخوان؟

ما الذي حملته قمة القاهرة لدول جوار السودان؟

"السودان يعاني فراغاً في القيادة"... رواه آبي أحمد وأخرجته إيغاد




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية