وقف استقدام الأئمة في فرنسا... لماذا؟ ومن البديل؟

محاربة التطرف في فرنسا ـ وقف استقدام الأئمة... ما الأسباب وما المعالجات؟

وقف استقدام الأئمة في فرنسا... لماذا؟ ومن البديل؟


31/12/2023

في خطوة جديدة لمحاربة التطرف، قررت فرنسا وقف استقدام أئمة من دول أخرى، اعتباراً من مطلع العام 2024، وفق ما أعلن وزير الداخلية جيرالد دارمانان في رسالة إلى الدول المعنية بالملف، طالباً من الأئمة الحاليين تغيير وضعهم ليستطيعوا البقاء في فرنسا. 

وفي رسالة بعث بها إلى العديد من الدول، أعلن دارمانان أنّه بعد الأول من نيسان (أبريل) 2024 لن يتمكن الأئمة الأجانب الذين أوفدتهم دول أخرى من مواصلة الإقامة في فرنسا بصفتهم تلك.

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ECCI، تناول الخبر في دراسة تحليلية تحت عنوان "محاربة التطرف في فرنسا ـ وقف استقدام الأئمة، الأسباب والمعالجات"، وتطرّق فيها إلى دور المؤسسات الإسلامية في فرنسا في محاربة التطرف، مشيراً إلى تصريحات الرئيس الفرنسي السابقة التي أشار فيها إلى عزمه التصدي لما سمّاها "النزعة الانفصالية الإسلامية"، عبر سلسلة من الإجراءات ضد "التأثيرات الأجنبية" على الإسلام في فرنسا.

دور المجلس الإسلامي

تأسس اتحاد المنظمات الإسلامية في 1983 (أقدم المنظمات الإسلامية بفرنسا) لمتابعة أوضاع المسلمين والإشراف على الملتقى السنوي لمسلمي فرنسا، وينتمي إلى اتحاد المنظمات الإسلامية بأوروبا والمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية منذ 2003، بحسب الدراسة.

ولجأ في 2017 لتغيير اسمه إلى "مسلمي فرنسا" كمحاولة للتعميم على أيّ علاقات تجمع أعضاءه بالإخوان، والتأكيد على أنّه الممثل الشرعي لمسلمي فرنسا، ويضم نحو (250) جمعية. 

قررت فرنسا وقف استقدام أئمة من دول أخرى

وأيضاً يقوم المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي تأسس في 2003 بدور الوسيط بين المسلمين والمؤسسات الحكومية، ويشارك مع الحكومة في وضع "ميثاق مبادئ حول الإسلام" لمنع التدخل الأجنبي في تعيين الأئمة والخطاب بالمساجد عقب الانتقادات لقانون "الانعزالية الإسلامية".

دعم الحكومة للمجلس

وبحسب المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، فإنّه عقب الهجوم على كاتدرائية نيس في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، كثفت فرنسا من دعمها للمؤسسات الإسلامية والمساجد لمواجهة الإخوان، وفي 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 أسست فرنسا "المجلس الوطني للأئمة" بمشاركة "مسجد باريس الكبير" و"تجمع المسلمين في فرنسا" و"اتحاد مسلمي فرنسا"، مع إلزام جميع الجمعيات الإسلامية بالكشف عن تمويلها. 

 

عقب الهجوم على كاتدرائية نيس في تشرين الثاني 2020 كثفت فرنسا من دعمها للمؤسسات الإسلامية والمساجد لمواجهة الإخوان

 

وأسست "المجلس الفرنسي الإسلامي" في إطار منع التمويل الأجنبي للمساجد، فالتمويل العمومي لدور العبادة في فرنسا محظور بقانون (1905)، واعتمدت في جمع الأموال على أنشطة المجلس الاقتصادية والضريبة على المنتجات الحلال وتبرعات الجالية التي بلغت (80%) من تمويل المساجد، وقد تصل إلى مليون يورو في شهر رمضان.

مهام المؤسسات الإسلامية

ويبرز دور المؤسسات الإسلامية في فرنسا المتمثلة في اتحاد المنظمات والمجلس الفرنسي، لضم فرنسا أكبر جالية مسلمة في أوروبا وتقدر بنحو (6) ملايين مسلم، وأقدم المساجد "المسجد الكبير في باريس"، لذا تتولى تنظيم الأمور الدينية ودروس التعريف بالدين وتدريب الأئمة وإصلاح الجمعيات الثقافية التي تمول نحو (90%) من المساجد وإجبارها على التحول إلى جمعيات دينية لضمان شفافية التمويل، وفتح المساجد أمام الفرنسيين المسلمين وغير المسلمين لمناقشة قضايا مجتمعية وثقافية والتعريف بالإسلام بعد الهجمات الإرهابية التي ضربت فرنسا.

تغلغل الإسلام السياسي

انتشر الإخوان بفرنسا عبر (51) مؤسسة من أصل (250)، ومن بينها "المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية" و"مركز الدراسات والبحوث حول الإسلام" و"التجمع لمناهضة الإسلاموفوبيا"، و"جمعية الإيمان والممارسة" وجمعية "فيميسو FEMYSO"، وتضم  (32) منظمة، إضافة إلى اتحاد المنظمات الإسلامية، وفقاً لما رصدته المنظمة.

وقد تمكنوا من تكوين قاعدة بالمؤسسات الدينية والتعليمية والمجالس البلدية معتمدين على علاقاتهم بالمؤسسات الإسلامية وحزبي اليسار الإسلامي والخضر، ليخترقوا نحو (600) جمعية دينية و(150) مسجداً، ممّا منحهم وضعاً مميزاً داخل التنظيم الدولي منذ سبعينيات القرن الماضي. 

 

انتشر الإخوان بفرنسا عبر (51) مؤسسة من أصل (250)، ومن بينها (المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية) و(مركز الدراسات والبحوث حول الإسلام).

 

الاختراق الممنهج للإخوان أدى إلى توتر العلاقات مع الحكومة بداية من 1989، ومع تصاعد الهجمات الإرهابية زاد عمق الخلاف بين الحكومة والمؤسسات المرتبطة بالإخوان، لذا أصبحت أنشطتهم محل رقابة من الجهات الرسمية وانتقاد من جانب السياسيين لرصد خطابهم المحرض ضد المجتمع الفرنسي.

مؤتمرات مشتركة بين الحكومة والمؤسسات الإسلامية

شدّد المركز على أنّه برغم تقلب العلاقة بين فرنسا والمؤسسات الإسلامية، إلا أنّه في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022 عقد الاجتماع الأول لمنتدى "الإسلام في فرنسا" بمشاركة أئمة ومسؤولي الجمعيات لتجاوز الخلافات بالتأكيد على أنّ الإسلام يتوافق مع سياسة الدولة. 

وجاء إطلاق المنتدى بعد انتقاد قانون "الانعزالية الإسلامية"، وبعد نحو (19) عاماً من تأسيس المجلس الفرنسي الإسلامي، ليصبح البديل للمجلس في متابعة شؤون المسلمين عقب الانقسامات التي طرأت عليه العامين الماضيين.

وناقش المنتدى تنظيم مهام الأئمة، وتشكيل سلطة دينية لمتابعة المرشدين المسلمين في المستشفيات والسجون والجيش، وتوفير حماية المساجد ومناهضة الأفكار المعادية للإسلام، وتفعيل قانون "مبادى الجمهورية" لنقل المساجد والجمعيات من قانون (1901) إلى (1905) الخاص بعلمانية فرنسا، وحصر دور الجمعيات الدينية في العبادة فقط.

إلى ذلك، عملت فرنسا العام الماضي على تطبيق "ميثاق المبادئ"، وتوظيف دور "المجلس الوطني للأئمة"، لمنع استغلال الإسلام من قبل الإخوان، ولتعزيز دور الدستور في دمج المسلمين، لجعل المجتمع أكثر تسامحاً في ظل صعود اليمين المتطرف بالتوازي مع الهجمات الإرهابية.

النتائج

خلصت الدراسة إلى أنّ فرنسا أدركت هي وغيرها من الدول الأوروبية أنّ الجماعات والمنظمات المتطرفة تستغل المساجد ومراكز تحفيظ القرآن ليست كدُور عبادة ولكنّها مراكز استقطاب لتجنيد الشبان في الجماعات المتطرفة، عبر خطب التحريض والكراهية، أو لتعزيز الهوية الإخوانية عند المواطنين الأوروبيين. 

وبالرغم من تبنّي السلطات الفرنسية خططاً لحماية المساجد من التطرف، واعتماد استراتيجيات واضحة ومتماسكة في مراقبة الأئمة، واعتراف الاستخبارات الفرنسية أنّ هناك تغييراً عميقاً في الأحياء التي أُغلقت فيها المساجد التي تديرها جماعات متطرفة، لكنّ هناك اعترافاً أيضاً من السلطات الفرنسية بخروج الكثير من المساجد في بعض نواحي فرنسا عن السيطرة.

وتؤكد الدراسة أنّ فرنسا تريد من مواطنيها المسلمين ومن الهيئات التي تمثلهم أن يكون لهم دور في دحض الفكر المتطرف والجهادي، وأن يدعوا إلى مفهوم ديني وسطي، وهو عكس القراءة المتشددة التي تروّج في عدد من المساجد وأماكن العبادة من خلال بعض الأئمة الممولين من الخارج التي تدعو إلى ترويج الأفكار المتشددة في المجتمعات الأوروبية،   وتوظيف هؤلاء الأئمة والخطباء بأوروبا في الأنشطة الاستخباراتية، وتورط بعض الأئمة في أوروبا في فضائح تجسس لمصلحة دول خارجية.

هذا، ويفتقر العديد من الدول الأوروبية إلى الأئمة الأكفاء، وغالباً ما يتم استدعاء أئمة المساجد من الخارج، وغالباً ما يكون "ولاء" هؤلاء الأئمة إلى الدولة التي يتلقون منها رواتبهم، ممّا قد يزيد من تأثير هذه الدول على الداخل الأوروبي. وتكمن المشكلة أيضاً في عدم وجود برامج تدريبية للأئمة في بعض الدول الأوروبية كسويسرا، أو وجود أئمة مدربين تدريباً غير كافٍ.

 

الاختراق الممنهج للإخوان أدى إلى توتر العلاقات مع الحكومة بداية من 1989، ومع تصاعد الهجمات الإرهابية زاد عمق الخلاف بين الحكومة والمؤسسات المرتبطة بالإخوان.

 

وقد أطلق العديد من الدول الأوروبية برامج لإعداد وتأهيل الأئمة؛ لتعريفهم بالنظام الاجتماعي والسياسي في أوروبا، كتشكيل فرنسا المجلس الوطني للأئمة المكلف بالمصادقة على تنشئتهم، وكذلك العمل على تحسين لغتهم، وإلقاء الخطب والمحاضرات بلغة الدول الأوروبية، حتى تتمكن الأجهزة المعنية من مراقبة محتواها، في محاولة لتقليل تأثيرات الجماعات المتطرفة.

ويلعب التدريب الجيد للأئمة دوراً مهماً في مساعدة الجاليات المسلمة عموماً على الاندماج المجتمعي في أوروبا، لا سيّما أنّ الأئمة يُمثلون مرجعاً للكثير من الجاليات المسلمة.

وقد عززت الحكومات الأوروبية، بحسب ما جاء في الدراسة، من قدرة السلطات والأجهزة الأمنية على مكافحة الإرهاب والتطرف داخل دور العبادة.

وتبنت مجموعة من الإجراءات القانونية للتصدي للمتطرفين الإسلاميين، وسهلت عمليات إغلاق دور العبادة التي يشتبه في أنّها تحض على العنف والكراهية، مع رقابة قضائية محدودة، وكثف الاتحاد الأوروبي التعاون مع الدول الأعضاء لمواجهة الإيديولوجية المتطرفة، التي تسعى بعض الجماعات لنشرها، وأيّد الاتحاد الأوروبي مشروع إنشاء "معهد أوروبي لتدريب الأئمة".

مواضيع ذات صلة:

فرنسا توقف استقدام أئمة أجانب اعتباراً من مطلع 2024... ما التفاصيل؟

ألمانيا تتخذ قراراً يتعلق بالأئمة المرسلين من تركيا.. ما تفاصيله؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية