ولاية طالبان الثانية.. لماذا على الشرق الأوسط أن يقلق؟

ولاية طالبان الثانية.. لماذا على الشرق الأوسط أن يقلق؟


17/08/2021

كانت صورة واحدة من أفغانستان إلى دول الشرق الأوسط عبر الفضاء الإلكتروني لرجل أفغاني يُعتقد ارتباطه بطالبان يطلي صورة لعارضة أزياء في إعلان على أحد الجدران في شوارع كابول بعد سيطرة الحركة على العاصمة، كافية كي تذكر المواطنين في العراق، وسوريا، ومصر، وتونس، والجزائر... بسيل من المشاهد المؤرقة، التي صعدت فيها تيارات الإسلام السياسي، سواء أكثرها وحشية كداعش، أو أكثرها تسييساً كجماعة الإخوان المسلمين.

القلق الذي ينتاب العالم من تجربة طالبان الجديدة في أفغانستان، التي زاد من حدتها سرعة وقعها والسهولة التي سقطت بها العاصمة الأفغانية كابول في يد الحركة، يُنظر إليها بعين مغايرة من قبل تلك الدول، شعوباً وحكاماً، متذكرين المصنع الذي مثلته قندهار من قبل للجهاديين (عاصمة أفغانستان خلال حكم طالبان من 1994 إلى 2001).

وبعد أيام فقط من سيطرة حركة طالبان على معقلها السابق في قندهار، وصلت إلى العاصمة الأفغانية كابول، مؤرخة لحقبة جديدة، ليس فقط في تاريخ أفغانستان، بل في عمر الصراع في الشرق الأوسط، ومستقبل جماعات الإسلام السياسي في المنطقة.

وفي مقابل القلق والحسرة والحزن التي تداول بها ناشطون الصور القادمة من الدولة "الإسلاموية" الجديدة، استقبلت التيارات الإسلامية على خلاف مواقفها وقربها أو بعدها من أفغانستان تلك الصور والأحداث بسعادة، ومداعبة حلم "التمكين" الذي لا يفارق مخيلة كل منها.

ذلك الحلم داعبته أمس صورة تضطر فيها مذيعة قناة فضائية ارتداء الحجاب قبل الخروج على الهواء، في مفارقة عجيبة تعكس حجم التغيرات الآنية والمتوقعة، إذ كانت المذيعة نفسها لـ"قناة الجزيرة الإنجليزية" تظهر صباح اليوم ذاته دون غطاء للرأس.

وذلك لا يعني أنّ طالبان ستصبح ساحة للاحتفال الإسلاموي بسقوط المشروع الأمريكي، بل العكس هو الأقرب، إذ من المتوقع أن تشهد تلك الساحة مزيداً من الصراعات والحرب بين كيانات ذلك المنبع.

يقول الخبير في حركات الإسلام السياسي عمرو فاروق: إنّ فصلاً جديداً من انتعاش تيارات الإسلام السياسي سيحدث بلا شك على وقع سقوط أفغانستان في يد طالبان، خصوصاً فيما يتعلق بجماعة مثل القاعدة، مشيراً في حديثه لـ"حفريات"، إلى "حالة من الارتياح النفسي لدى مكونات الإسلام السياسي خلال اللحظات الأخيرة".

الخبير في حركات الإسلام السياسي عمرو فاروق

وأرجع فاروق ما يحدث إلى المخطط الأمريكي الذي ما يزال يستخدم بطاقة الإسلام السياسي في تحقيق أغراضه، مشدداً على أنّ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان "ليس الهدف منه منح الشعوب حريتها وإرادتها ولا تطبيق الديمقراطية، بل إنّ الولايات المتحدة تسعى إلى تحويل دول جنوب وشرق آسيا إلى مناطق ملتهبة، وكرة مشتعلة أمام الصين وروسيا وإيران لتعطيل المشروع الاقتصادي الضخم للصين، طريق الحرير الجديد.

ويتابع فاروق: أفغانستان الآن هي حلقة جديدة من حلقات الحرب بالوكالة، فبدلاً من أن تخوض الولايات المتحدة مواجهتها بنفسها معهم، تصنع نموذج طالبان السياسي وتوظفه كما وظفت داعش من قبل.

عمرو فاروق: فصل جديد من انتعاش تيارات الإسلام السياسي سيحدث بلا شك على وقع سقوط أفغانستان في يد طالبان

ولفت فاروق في الوقت ذاته إلى تغيير تكتيكي يطرأ على استراتيجية الولايات المتحدة في توظيف الإسلام السياسي حالياً، عبر تحويل بعض الجماعات والكيانات المتطرفة مثل طالبان في أفغانستان، أو بوكو حرام في أفريقيا، أو هيئة تحرير الشام  في سوريا، إلى كيانات سياسية ذات مرجعية، ومنحها الشرعية السياسية والدولية، ونقلها من فقه التنظيم إلى فقه الدولة، وذلك بعدما فشلت الجماعات التقليدية التنظيمية مثل الإخوان في إقامة تلك الدول.

 وانطلاقاً من ذلك يتوقع الخبير السياسي أن يتكرر نموذج التعامل الأمريكي مع طالبان في مناطق أخرى، لافتاً إلى أنّ طالبان تؤسس ولايتها الثانية في أفغانستان انطلاقاً من تجربة جديدة أو بضوء أخضر أمريكي، فهل ستختلف هذه الولاية وتأثيراتها على دول الشرق الأوسط وجماعات الإسلام السياسي، وشكل الدولة؟

يقول فاروق: إنّ طالبان، كنموذج يمارس منهجية فكرية في إطار سياسي، سيتخلى عن بعض السلوكيات، وليس المفاهيم الفقهية والفكرية، وهو أمر ليس صعباً، وتنظيم داعش كان يستطيع أن يفعل ذلك لولا أنه كان يتسم بالتوحش والغلو في القتل والتكفير، وكل التنظيمات تستطيع أن تفعل ذلك، أي إنّ تقيم دولة أو شبه دولة، خصوصاً أنّ لديها علاقات مع دوائر صنع القرار في المناطق المحلية المتمركزة فيها.

وتوقع أن تقوم تلك الدولة على منهجية الإقصاء لجميع الأطراف حتى المنتمين للمنهجية نفسها أو اللافتة العريضة "الإسلام السياسي"، مستشهداً بالصراع في جماعة الإخوان والتيارات السلفية، وقرار طالبان غداة سيطرتها على كابول بمنع السلفيين من ممارسة أي نشاط لهم.

ولفت إلى أنّ حركة طالبان تختلف مع كافة الجماعات الجهادية في كثير من الأفكار والأولويات، حتى مع القاعدة التي تربطها بها علاقات قوية، فحركة طالبان ترفع فكر مواجهة العدو القريب حتى التمكين وقيام الدولة ثم فكرة الولاية أو ضم دول أخرى، على عكس القاعدة التي تقدّم فكرة قتال العدو البعيد.

ويتابع: وذلك لا يمنع أنّ القاعدة هي أكثر الجماعات التي من المتوقع أن تشهد انتعاشة على وقع تقدم طالبان.

   استقبلت التيارات الإسلامية على خلاف مواقفها وقربها أو بعدها من أفغانستان تلك الصور والأحداث بسعادة

أمّا جماعة الإخوان المسلمين، فيشير فاروق إلى أنّ أفغانستان تمثل مركز ثقل للإخوان المسلمين، ولكنه مركز منافس لطالبان وليس موافقاً له، لذا فإنّ سيطرة طالبان لا تصب في صالح جماعة الإخوان التي ستحاول مهادنة الحركة وعدم الدخول معها في صراع مسلح، على عكس موقف تنظيم داعش الذي يطمع في أفغانستان لتقوية ولاية خراسان، وهي واحدة من أكثر مراكزه قوة حالياً.

ويوضح: أفغانستان بؤرة للإخوان، وكانوا محتفظين بمنصب رئيسي المخابرات والأركان خلال حكم النظام الذي سقط، كما أنّ الصراع بينهما "الإخوان وطالبان" تاريخي، يقوم على أنّ جماعة الإخوان تحالفت مع الأمريكان لإسقاط حكم طالبان، ويُعد شاه مسعود وعبد رب الرسول سياف قادة ورموز المعسكرات الجهادية في أفغانستان بعد خروج الاتحاد السوفييتي عام 1992.

وعلى مستوى داعش، يتوقع الخبير في الإسلام السياسي أن ينتهي الموقف إلى الدخول في حرب أهلية مع طالبان، قائلاً: الإخوان يجيدون المراوغة، أمّا داعش فهي من سيشعل الموقف، في ظل تواجدها على حدود إيران وأفغانستان في فرع من أقوى الأفرع "خراسان"، ومن ثم فسقوط الحكومة وخروج الأمريكان فرصة بما يخلفاه من فراغ أمني، ولن يترك تنظيم داعش الساحة لطالبان بسهولة، لافتاً إلى أنّ إدارة الدولة من قبل جيش نظامي تختلف عن إدارتها من قبل ميليشيات كطالبان.

الهجرة الجهادية.. قلق مشروع

يعكس التحليل السابق أنّ الموقف أمام طالبان لن يكون سهلاً، أو أنّ التحديات قائمة وكثيرة حتى إقامة دولتها وشكل تلك الدولة وتحالفاتها وموقفها من الكيانات الأخرى، ما يعني أنّ تصدير التجربة أو إقامة المصنع الجهادي على مستوى واسع من أجل مشروع يتعدى أفغانستان ربما ليس وارداً حالياً، غير أنّ ذلك لا يمنع القلق المشروع من أن تتحول أفغانستان إلى قبلة لهجرات شبابية من بلدان عدة، مفتونة ومتعاطفة مع فكرة التمكين والدولة الإسلامية.

يقرّ فاروق بذلك، مؤكداً أنّ وصول موجات من المهاجرين إلى أفغانستان واردة جداً ومتوقعة، وكذلك خروج موجات من النازحين، من المؤكد أنّ قندهار القديمة وذكراها ستحيا من جديد، ومن ثم خطورتها على دول المنطقة، خصوصاً أنّ الموجات لن تقتصر على طالبان أو حلم الدولة الأفغانية، بل قد تصب في صالح تنظيم داعش، في محاولة للتوسع في أفغانستان، وإقامة الدولة التي خسروها في سوريا والعراق.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية