يوم اجتاح الصين الموت الأسود

يوم اجتاح الصين الموت الأسود


20/04/2020

ترجمة: عبد الحكيم الفرقان


يرصد المقال التالي  الذي نشر عام 1894 في مجلة علمية أمريكية مشهورة أوضاع تفشي وباء الطاعون عبر العالم. ومن صدف التاريخ أنّ الطاعون المعروف بـ "الوباء الثالث" انتشر في الصين نهاية القرن التاسع عشر، ومنه إلى باقي أنحاء العالم، وبالتالي فالتاريخ يعيد نفسه من جديد مع الانتشار العالمي لجائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد19".

يعتبر الطاعون من أكثر الأمراض المعدية القاتلة التي لم يسلم منها لا البشر ولا الحيوان

المقال:
كانت أعراض المرض تتمثل في حمى شديدة وصداع وتورم في غدد الرقبة والإبط وأعلى الفخذ، وكذا نزيف في الأنف وطفح جلدي؛ وقد أودى الوباء بـ 80 إلى 90 في المئة من الحالات المصابة، وذلك في مدة لم تتجاوز في الغالب 48 ساعة من حين الإصابة به. هذا هو التصوير الكلاسيكي للطاعون، أو كما هو معروف بالطاعون الأسود أو الطاعون العظيم أو الدبلي. وسبق وأشرنا إليه حينما ظهر في تركستان خريف عام 1892 وقضي جراءه في مدة ستة أيام 1300 شخص في بلدة صغيرة. ومع أنّه اعتبر أكثر الأمراض المعدية ترويعاً، إلا أنّه ظل مجهولاً لحضارتنا الحديثة. فحتى علماء الأوبئة والبكتيريا لم يقوموا بدراسته بما يكفي، والسبب في ذلك كونه من الأوبئة المندثرة، أو على الأقل لم يظهر في منطقة أمكن طلاب العلوم دراسته. وكل هذا جعلنا نجهل كل شيء تقريباً عن أسباب ظهوره أو عن طرق انتشاره.


الشيء الوحيد المعلوم لدينا هو أنّ الطاعون تفشى في بلدان أوروبية في فترات وعلى امتداد ألفي سنة تقريباً. وهو نفس الوباء الذي ظهر إبان فترة حكم الإمبراطور تراجان. كما أنّه دمر أوروبا وآسيا بأسرها في القرن الرابع عشر، ومات بسببه 25 مليون شخص تقريباً في أوروبا و36 مليون شخص في آسيا. وعلى امتداد خمسة أشهر تفشى فيها الوباء في نابولي عام 1656، توفي 000 300 شخص من جراء الجائحة. وكل من طالع "يوميات الطاعون"، لصاحبها دانيال ديفو Daniel Defoe، سيتذكر فظائع الوباء في لندن عام 1665 كما صورها بقلمه المبدع؛ صحيح أنّ هناك شكوكاً تحوم حول ما إذا وجد المؤلف فعلاً في لندن في ذلك الوقت، غير أنّ وصفه الدقيق للحقائق يؤيد إمكانية ذلك. ففي غضون بضعة أشهر على انتشاره في المدينة لقي 96 ألف شخص حتفهم. وعند تطرقه لأعراض الطاعون، أكد ديفو أنه: "أنهك بعضهم من فوره، مع ما رافقه من حمى شديدة وتقيؤ وآلام في الظهر وصداع حاد لدرجة دخولهم في نوبات من الهيجان وحتى الهذيان. أما البعض الآخر فتظهر عليه انتفاخات كبيرة في الرقبة والفخذ والإبطين مما يتسبب في آلام لا يمكن تصورها".


ظهر الطاعون في مدينة تولون عام 1721 وقضى على ثلث سكانها. وكان آخر ظهور له في أوروبا في كل من تركيا ودلماسيا خلال الفترة بين سنة 1840 و1841. وتمكن خيرة الأطباء الأوروبيين من معاينة الطاعون في مصر خلال الفترة الممتدة بين أعوام 1833 إلى1845 وكان ذلك بمثابة حلم يتحقق قبل ظهور علم الأوبئة والفيروسات. ومنذ ذلك الحين، انتشرت الجائحة في غرب آسيا على ضاف نهر الفرات بين أعوام 1867و1873 وفي بغداد عام 1876 وعلى ضفاف نهر دجلة عام 1877 وفي بعض أجزاء من بلاد الرافدين عام 1884. واصلت العدوى انتشارها ولو بشكل طفيف إلى ضفاف نهر الفولجا عام 1878، وأرسلت عدة حكومات أوروبية لجاناً طبية من أجل إجراء بحث ميداني، لكنها اختفت قبل وصولها. ولقد سبق أن أشرنا إلى انتشاره في قرية واحدة أو قريتين في تركستان عام 1892.

من صدف التاريخ أنّ الطاعون المعروف بـ "الوباء الثالث" انتشر في الصين نهاية القرن 19 ومنه إلى باقي أنحاء العالم

يعتبر الطاعون من أكثر الأمراض المعدية القاتلة التي لم يسلم منها لا البشر ولا الحيوان. يستمر الوباء في الانتشار في بقاع غرب آسيا. قد يبدو الأمر مطمئناً؛ لأنه لا تربطنا بهذه البلدان علاقات تجارية ولا أسفار متبادلة، لكننا نعتقد أن هناك ضرورة ملحّة للنظر في انتشار الجائحة في الموانئ الآسيوية التي نرتبط بها باستمرار. هذا الوباء مرعب للغاية في طبيعته ومظهره، فظيع جداً في تطوره، ونحن لسنا على أتم الاستعداد لمجابهة مثل هذا الوباء، علماً أنّنا لا ندري أسبابه أو طرق انتقال العدوى أو وسائل اعتراضه. إنه بالتأكيد يستحق اهتماماً جاداً من حكومتنا ومن مسؤولي الرعاية الصحية، وخاصة أولئك المتمركزين على متن السفن المتجهة للموانئ الآسيوية.


مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

https://www.jstor.org/stable/10.2307/26114469



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية