​ فيروس "أوميكرون" والإرهاب المتحوّر

​ فيروس "أوميكرون" والإرهاب المتحوّر


11/12/2021

منير أديب

أصابت العالم حالة من الهلع جراء التحور الجديد لفيروس كوفيد 19، فبات "أوميكرون" الهاجس المرعب، وربما تهيأت له كل دول العالم، إما بالإغلاق الجزئي أو الكامل إذا لزم الأمر، فضلاً عن استعدادات المشافي، ولم يغب تأثير المتحور "الجديد" والمتوقع في ظل الطفرات الجينية للفيروسات في الاقتصاد، كل هذا رغم تطمينات منظمة الصحة العالمية بأن اللقحات الحالية قد تكون مفيدة للمتحور "الغامض"!

مهم أن ينتبه العالم للأخطار المحدقة أو المتوقعة جراء هذا الفيروس أو غيره من الفيروسات الجديدة، وأن تكون نظرته أبعد في توقع الخطر وفي تقديم العلاجات المناسبة أيضاً. كان العالم ومنظمة الصحة العالمية على قدر المسؤولية في التعامل مع الفيروسات "الفتاكة" التي لم تترك رجلاً أو امرأة، شاباً أو شيخاً، إلا وهددت حياته، حتى ودع ما يزيد عن خمسة ملايين هذه الحياة بسبب الفيروس "اللعين".

الطفرات الجينية للفيروس الذي هب علينا في نهاية كانون الأول (ديسمبر) من عام 2019 كانت سريعة، فبعدما ظهر "بيتا" و"دلتا"، يطل علينا "أوميكرون" قبل أن نودع عام 2021، وكأنه يُريد أن يستنسخ عام 2020 في العام الجديد 2022. حالة الارتباك التي يعيشها العالم الآن "صحية" إزاء فيروس لم يترك بقعة من الأرض إلا وأصاب أهلها، فكان ضيفاً ثقيلاً ومميتاً للأصدقاء والأحباب، كابوس عاشه النّاس قرابة ثلاث سنوات، وما زال معنا، ولا رؤية لاختفائه عما قريب، إلا بعض اللقاحات التي قد تخفف من أعراضه دون أن تقضي عليه.

تعامل العالم بقلق شديد مع فيروس كورونا، وسبق ذلك اتهامات البيت الأبيض والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب للصين بأنها تقف وراء تخليق الفيروس "القاتل"، وطالت الاتهامات منظمة الصحة العالمية بأنها لم تكن على قدر المسؤولية في مواجهة الفيروس، وتنوعت الاتهامات بأن الصين أخفت معلومات عن كوفيد 19 أدت الى انتشاره بهذه الصورة المرعبة. الرعب الذي ضرب العالم لم يكن مبالغاً فيه، فليس هناك ما هو أغلى من حياة البشر التي يضربها الإرهاب والتطرف من دون مواجهة من المجتمع الدولي أو الولايات المتحدة، فقد نجد واشنطن تغضّ الطرف عن دول تدعم الإرهاب وتقدم له تمويلاً من دون مواجهة أو اتهام صريح له بذلك.

خطر الإرهاب لا يقل عن خطر الفيروسات، ولكن الأخيرة وجدت منظمة الصحة العالمية تقف وراء اكتشاف خطورتها ومحاولة إيجاد لقاح ثم علاج لها، وهو ما سيحدث خلال الشهور القليلة المقبلة، كما أعلنت أكثر من شركة، منها "فايزر" الأميركية، عن إنتاج علاج ناجع، بعدما أجرت التجارب السريرية عليه، فأظهر نتائج مبهرة ومبشرة.

اتفق العالم على خطر الأمراض والفيروسات، واتفق أيضاً على ضرورة مواجهتها من خلال منظمة الصحة العالمية، ولكن ما حدث مع الأمراض المميتة لم يحدث مع الإرهاب والتطرف، رغم خطر الأخيرين الذي لا يقارن بخطر الأولى على الأقل، بل لا منظمة دولية مشغولة بتعريف الإرهاب والتطرف ومواجهته في الوقت نفسه، بل نجد مجتمعاً دولياً مقسماً إزاء مواجهة الخطر الذي لا يمكن أن يزول بأي أدوية غير المواجهة التي قد تأخذ وقتاً طويلاً.

إذا كنّا نتحدث عن فيروسات متحورة وضعف المراقبة الفيروسية، وهما سبب رعب العالم، أليس من الأولى أن ننظر إلى الإرهاب من هذه الزاوية، فعدد التحورات التي تعرض لها الإرهاب والتطرف أكبر بكثير من التي حدثت لهذا "الفيروس" وغيره من الفيروسات، فكم كبير وخطير من التحورات انتشر وسط مناعة شبة منعدمة للعالم، مناعة سمحت لتنظيم "داعش" بإقامة دولته على أراض عربية في 29 حزيران (يونيو) من عام 2014، ولم ينجح المجتمع الدولي في تحرير هذه الأراضي إلا بعد خمس سنوات كاملة من الاحتلال، رغم أنه كوّن تحالفاً دولياً مشكلاً من أكثر من ثمانين دولة، ورغم ذلك ظلت راية "داعش" ترفرف على الرقة والموصل طوال هذه السنوات.

رحل "داعش"، ولكنه ما زال باقياً بعملياته النوعية، مخلفاً وراءة خلايا "نشطة" و"خاملة" قد يكون لها طابع جديد. لم يبذل العالم مجهوداً في اكتشاف هذه الخلايا أو التعرف إليها؛ فرغم ضعفها إلا أنها بدت أكثر شراسة "كمتحور" من الفيروس "الأصلي" "دولة داعش"، ولذلك نجحت هذه الخلايا في تنفيذ مئات العمليات النوعية بأريحية، وهذا لا يمنع أن جهوداً تبذل في مواجهة بقايا "داعش"، ولكنها تفتقد الفهم الدقيق لتموضعه الجديد.

تحولت منطقة شمال شرقي سوريا إلى غوانتانامو، حيث يقبع عشرات الأولوف من "داعش" في سجون "بدائية"، لا تتوافر فيها الحماية اللازمة لأخطر "متحور" في تنظيمات الإسلام السياسي في الوقت الحالي، تسيطر "قوات سوريا الديموقراطية" على هذه السجون من دون وجود دعم دولي حقيقي، ولا رؤية بخصوص تصفية هذه السجون وعودة ساكنيها إلى حيث أتوا، سواء بلدانهم العربية أم الأوروبية، فكانوا بمثابة قنبلة موقوته وجاهزة للانفجار في أي وقت، فلك أن تتخيل أن عدد الأطفال في مخيمات "داعش" في الشمال السوري يصل إلى 27 ألف طفل، بينما يقدر عدد السجناء أنفسهم قرابة 40 ألفاً ويزيد.

مخيمات "داعش" بمثابة مصنع إنتاج لتنظيم "داعش" في نسخته الجديدة؛ فهؤلاء الأطفال يتم تربيتهم على الكراهية والانتقام مغلفة باسم الدين زوراً وبهتاتاً، هؤلاء الأطفال يعتقدون أن آباءهم قُتلوا غيلة وما زالت تدفع أمهاتهم بهم إلى ساحات القتال، أو على الأقل تعدهن لذلك، وهذا هو الأخطر على الإطلاق.

العالم يرفض عودة الأطفال إلى بلدانهم، حتى غير مصحوبين بذويهم، فضلاً عن أنه  يرفض عودة ذويهم؛ فينمو هؤلاء الأطفال خلف الأسلاك الشائكة ورضعات أمهاتهم نحو ضرورة الانتقام، فما زالت هؤلاء الأمهات يحملن صيحات الملقب أبو بكر البغدادي، فهذه الدول التي رفضت استقبال مواطنيها وزوجاتهم وأطفالهم القصّر، تركتهم جميعاً لمستقبل أكثر عنفاً، وهنا نستطيع القول إنه يتم تخليق جيل جديد من "داعش" حتى يتلافى ما سقط فيه التنظيم الأم، من دون وجود رؤية للمواجهة تناسب الخطر أو تقرأ المستقبل.

ما نودّ قوله إن خطر "أوميكرون" أقل بكثير من خطر الإرهاب المتحور، ورغم ذلك ما زال المجتمع الدولي مهتماً بالفيروس، بينما يترك الإرهاب يضرب الأرض والسماء ويصل إلى النّاس في أماكنهم رغم "العزل" و"الكمامة"، فليس أسوأ من عدو لا تدرك خطره ولا خطورته.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية