أفول الإخوان المسلمين بين الواقع والمحاذير

أفول الإخوان المسلمين بين الواقع والمحاذير


26/09/2021

طارق الحريري

خرج الإخوان المسلمون من «الكادر»، لكنهم- وهذا هو الأخطر- فى حالة بيات شتوى، ينتظرون لحظة جديدة تضعف فيها مناعة الدول، نتيجة إصابة اللحمة الوطنية بالوهن، تحت ضغط أوضاع اجتماعية واقتصادية متردية، كى يعاودوا غزو المجتمعات تحت يافطة الإسلام، ومحاولة الوثوب إلى السلطة ثانية، وهم فى غيهم يحتمون فى الغرب بالدول التى تحتويهم، من أجل إعادة تدويرهم، حينما تقتضى مصالح هذه الدول وأهدافها العبث بمصالح واستقرار دول كان للإخوان دور فيها.

بالفعل، تعرضت جماعة الإخوان المسلمين فى السنوات الأخيرة لحالة تدهور ونكوص هائلة، بعد أن تمددت إقليميا بدرجة غير مسبوقة، وبعد أن احتلت مواقع فى السلطة السياسية فاقت خيال وتوقعات كوادرها وقواعدها والمناصرين لها داخليا وخارجيا، ونظرا لأن الشعوب والأنظمة الحالية صارت على دراية بأهداف الجماعة الحقيقية ومقاصدها المعلنة والمخفية؛ لذا أصبح من غير المقبول الاستجابة لمناوراتهم، أو القبول بضغوط القوى الدولية التى تساندهم، باعتبارهم أحد كروت الضغط على الأنظمة التى نبذتهم نزولا على رغبات الشعوب.

فقد أعقب الربيع العربى صعود ملحوظ للإخوان المسلمين فى المشهد السياسى لعديد من دول المنطقة، تراوح فى قوته من دولة لإخرى، لكن أوضاع هذه الحركة التى أسست للإسلام السياسى والحاضن الرئيسى لأغلب تنظيماته، أخذت فى التقهقر، بدرجات من التراجع وصلت إلى الغياب الكامل عن المواقع النافذة فى أروقة وكواليس السلطة.

بداية السقوط كانت فى مصر، وكان سقوطا مدويا بعد أن لفظتهم الإرادة الشعبية بنزول الملايين إلى الشوارع والميادين، لإعلان رفضهم لحكم الإخوان المسلمين، بسبب إخفاقهم فى تقديم أجندة سياسية مقبولة، وفشل محاولة القوى السياسية كافة إيجاد مخرج من الأزمة بتشكيل حكومة ائتلاف وطنى، ولما رفض الاقتراح طالبت القوى الوطنية على اختلاف توجهاتها بإجراء انتخابات مبكرة، مما قوبل بالاعتراض التام، وأمام تعنت الإخوان المسلمين وتشبثهم بالسلطة خرجت الجماهير للتعبير عن إرادتها، وبالفعل تم إسقاطهم وإنهاء وجودهم السياسى، لكنهم فى محاولة لاسترداد السلطة نظموا اعتصامات وتظاهرات تم فضها، وبعدها قاموا بموجة من أعمال التخريب والإرهاب، إلى أن نجحت الدولة فى استعادة الاستقرار.

فى سوريا فشل الإخوان المسلمون فى الانقضاض على السلطة، بعد إشعالهم فتيل الحرب الأهلية، باعتبار أنهم امتداد لموجة الربيع العربى، فى إطار إقناع تركيا للغرب أنهم الفرصة الأمثل للتخلص من نظام حكم حزب البعث، واستتبع ذلك تقديم دعم مالى وعسكرى ولوجستى أشرفت عليه أنقرة، لكنهم فى النهاية لم يحققوا مع كل تنظيمات الإسلام السياسى الإرهابية الداعمة هدف الاستيلاء على الدولة السورية، لا سيما بعد التدخل الروسى والمساندة الإيرانية، أما فى السودان فقد قضت الاحتجاجات الشعبية الواسعة على استئثار الإخوان المسلمين بالسلطة، طوال ثلاثة عقود من حكم البشير القائم على فكر الإخوان، مستعينا بتنظيمات عديدة من أجنحة الجماعة، تبدلت تشكيلاتها تحت مسميات مختلفة، إلى أن أقصتهم الإرادة الشعبية وأزاحتهم الحكومة المؤقتة.

على الصعيد الليبى تعرضت الجماعة، وهى الفصيل الأكثر تنظيما وهيمنة على الميليشيات المسلحة فى ليبيا، إلى انكشاف وضعها الشعبى، حيث لم تتمكن من الحصول على نسبة ذات قيمة فى انتخابات برلمان 2014، مما دفعهم إلى افتعال أزمة عنيفة عصفت بالتجربة الديمقراطية الوليدة، وألقت بالبلاد فى براثن النزاع الإقليمى والدولى، لكن دورهم المخرب أصبح فى طريقه إلى الزوال مع إصرار الإرادة الدولية وتعزيز الإرادة الإقليمية لإجراء انتخابات فى نهاية هذا العام. واستكمالا للشمال الإفريقى تم تعليق البرلمان التونسى الذى كان يسيطر عليه «حزب النهضة» الذراع السياسية للإخوان المسلمين.

وفى الجزائر لم تتمكن «حركة مجتمع السلم الإسلامية» فى انتخابات 2017 من تحقيق عدد مقاعد يسمح لها بتشكيل الحكومة، حتى فى إطار تحالف مع حركة التغيير، وأخيرا بعد الحكم الذى تواصل من عام 2011 جاء السقوط المدوى لحزب «العدالة والتنمية» ذراع الإخوان المسلمين فى المغرب، بعد مناورة من الملك؛ اتقاءً لتمدد موجة الربيع العربى، وهو الحدث الذى وصفه الإعلام الغربى بالسقوط الأخير للإخوان المسلمين فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

عن "المصري اليوم"

الصفحة الرئيسية