أين تقف الأطماع السياسية للرئيس الصومالي؟

أين تقف الأطماع السياسية للرئيس الصومالي؟


30/01/2021

منذ تنصيبه رئيساً للصومال؛ يسعى محمد عبد الله فرماجو إلى ضمان فوزه بولاية ثانية، واضعاً العربة أمام الحصان، فبدلاً من تحقيق الآمال التي عُقدت عليه، لتكون الإنجازات ورقته الرابحة أمام منافسيه، اختار فرماجو أن يوظفّ السلطة لتهيئة المجال السياسي ليضمن فوزه بولاية ثانية، تتبعها ولايات أخرى.

واتبع فرماجو نهجين لتحقيق ذلك؛ الأول تغيير نظام الانتخابات من العشائري إلى النظام المباشر، والنهج الثاني؛ الهيمنة على القوى العشائرية كبديل في حال لم ينجح في فرض النهج الأول، ما يكشف بجلاء أنّ هدف فرماجو لم يكن إصلاحياً، كما يروّج المخدوعون.

ولم ينجح فرماجو في تغيير نظام الانتخاب، لكنّه نجح في الهيمنة على القوى العشائرية، عبر السيطرة على الولايات، بالمال السياسي القطري، لكن واجهته عقبات أمام فرض هيمنته على ولايتي جوبالاند، وبونتلاند.

قوات من الجيش الصومالي

ووظف فرماجو الجيش في بسط هيمنته على إقليم غدو، مقتطعاً إياه من ولاية جوبالاند، في انتهاك صريح للدستور والنظام الفيدرالي، متسبباً في اشتعال صراع بين الحكومة الاتحادية وحكومة الولاية، وتكرّرت الاشتباكات العسكرية بينهما، والتي تسبّب آخر واحد منها في مقتل 11 مدنياً وعسكرياً، وجرح العشرات.

بداية الأزمة

اندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات ولاية جوبالاند، يقودها وزير الأمن السابق، عبد الرشيد جنان، والقوات الاتحادية، التابعة للرئيس فرماجو، في مدينة بلدحاوه الحدودية، القريبة من كينيا، في 25 من الشهر الجاري، أسفرت عن مقتل 11 من المدنيين، بينهم أطفال.

وتبادل الطرفان الاتهامات حول بدء القتال، وأعلنت مقديشو استسلام المئات من قوات جنان، واتهمت كينيا بالتدخل في شؤونها، وتمكّنت القوات الاتحادية من استعادة البلدة من قوات جنان، عقب وصول تعزيزات إليها.

بدلاً من تحقيق الآمال التي عُقدت عليه لتكون الإنجازات ورقته الرابحة أمام منافسيه، اختار فرماجو أن يوظّف السلطة لضامن فوزه بولاية ثانية

وتقع بلدحاوه في إقليم غدو، الإقليم الثالث في ولاية جوبالاند، والذي سيطرت عليه قوات الحكومة الاتحادية، مطلع العام الماضي، بعد أن أخفقت في فرض مرشح موالٍ لها لرئاسة الولاية.

وشهدت ولاية جوبالاند انتخابات البرلمان الإقليمي ورئاسة الولاية، في آب (أغسطس) 2019، وفاز رئيس الولاية، أحمد محمد إسلام مدوبي، بفترة رئاسية جديدة، ولم تعترف الحكومة الاتحادية بشرعية الانتخابات ونتائجها، وسبق ذلك قطع العلاقات بين الولاية والعاصمة.

وكانت الحكومة الاتحادية قد قبضت على وزير الأمن في الولاية، عبد الرشيد جنان، أثناء زيارة عمل إلى مقديشو، وأودعته السجن، حتى تمكّن من الفرار إلى كسمايو ثم إلى كينيا، وقامت القوات الاتحادية بالاستيلاء على إقليم غدو، وفرض إدارة محلية تابعة للعاصمة، في انتهاك صريح للدستور الاتحادي.

وتحت الضغوط الدولية والأمريكية بشكل خاص، تراجعت حكومة الرئيس فرماجو، وأعلنت اعترافها بمدوبي كرئيس مؤقت لمدة عامين للولاية، في حزيران (يونيو) الماضي، وهو البيان الذي رفضته الولاية، بسبب ربط الاعتراف بمرحلة انتقالية.

قبيلة فرماجو

وينحدر الرئيس فرماجو من قبيلة المريحان في إقليم غدو، ويريد السيطرة على الإقليم لضمان دعم قبيلته، وينازعه الجنرال جنان في ذلك.

وحول ذلك؛ يقول الباحث السياسيّ الصوماليّ، أحمد هراد: "ينتمي معظم سكان ولاية جوبالاند إلى قبيلة الدارود، وتتفرع إلى عشيرتين؛ الأولى الأوغادين، وهم الأغلبية، ومنهم رئيس الولاية أحمد مدوبي، والثانية؛ عشيرة المريحان في إقليم غدو، وهم الأكثرية الثانية، وينتمي الرئيس فرماجو إليهم".

اقرأ أيضاً: هل تسعى قطر وتركيا لإشعال الحرب الأهليّة في الصومال؟

ويكشف مدير مركز "هرجيسا" للدراسات والبحوث، محمود محمد حسن، أهداف فرماجو القبلية في إقليم غدو، قائلاً: "يفتقد فرماجو إلى وجود عمق قبلي له، على عكس بقية المرشحين الرئاسيين، لذلك يريد بسط هيمنته على الإقليم، موظفاً في ذلك الجيش، كي يضمن دعم قبيلته، سواء انتخابياً أو كقوة قبلية".

مدير مركز هرجيسا للدراسات والبحوث، محمود محمد حسن

ويردف حسن، لـ "حفريات": "اللافت للنظر أنّ عشيرة فرماجو لا تؤيده، بل تؤيد ولاية جوبالاند، وذلك لحسابات السياسة القبلية المحلية، ومن يقود القوات العسكرية التابعة للولاية في الإقليم، والتي هاجمت الحكومة في بلدحاوه، هو عبد الرشيد جنان، الذي ينتمي للقبيلة نفسها، ومنذ سيطرة فرماجو على الإقليم لم ينجح في كسب ودّ السكان، بسبب الإهمال الذريع، وترتّب على تدخّله العسكريّ زعزعة الأمن، وتنامي نفوذ حركة الشباب".

الأطماع الانتخابيّة

ويقوم النظام السياسيّ في الصومال على نظام الانتخاب العشائري (4.5)، الذي يقسم الحصص الأربع من مقاعد مجلس النواب والشيوخ، على العشائر الأربع الكبرى في البلاد بالتساوي، مع منح النصف لبقية العشائر الصغيرة، وتختار البرلمانات الإقليمية للولايات الستّ أعضاءها في مجلس الشيوخ، الذي يشكّل مع مجلس النواب البرلمان، الذي يختار أعضاؤه رئيس الجمهورية.

ورغم عيوب ذلك النظام، الذي يجعل العشيرة هي بنية النظام السياسي، إلا أنّه الأكثر واقعية وعملية، في ظلّ غياب الثقة بين المكونات الصومالية، التي عاشت لعقود تحت هيمنة العشيرة.

الجنرال عبد الرشيد جنان

وحاول فرماجو تغيير هذا النظام، إلى نظام الانتخاب المباشر، (صوت واحد لكلّ مواطن)، المتَّبع في الدول الديمقراطية، وهي خطوة حسنة في ذاتها، لكن لا تناسب الوضع الصوماليّ، لسببين؛ الأول عدم إمكانية إجراء انتخابات نزيهة في ظلّ سيطرة حركة الشباب الإرهابية على مناطق واسعة من البلاد، وغياب الإمكانيات التقنية والمالية، والثاني؛ غياب المجال السياسي الديمقراطي، وسلطوية فرماجو التي مارسها منذ اليوم الأول لانتخابه.

وحاول فرماجو إقرار هذا النظام، الذي عارضته الولايات واتحاد مرشحي الرئاسة والأحزاب السياسية، وقام بإقراره عبر مجلس النواب الموالي له، لكنّه تراجع عن ذلك أمام رفض القوى السياسية والإقليمية.

الباحث أحمد هراد لـ"حفريات": حصّة جوبالاند في مجلس النواب 43 مقعداً، منها 16 لإقليم غدو، ويريد فرماجو إجراء الانتخابات، ليضمّ 16 صوتاً إلى مؤيديه

وبالعودة إلى علاقات فرماجو مع الولايات الخمس منذ تنصيبه، عدا أرض الصومال المستقلة من جانب واحد، تكشف الصورة العامة أنّه خطط للسيطرة على الولايات الخمس، بالتالي، السيطرة على نوّابها في البرلمان، كخطة بديلة لضمان فوزه بولاية ثانية، حال لم ينجح في تغيير نظام الانتخاب.

ويؤكّد ما سبق صحة مخاوف الولايات والقوى السياسية من نوايا فرماجو، الذي استغل تفضيل المجتمع الدولي لنظام الاقتراع المباشر في الاستبداد بالسلطة.

وبالمال القطريّ؛ تمكّن فرماجو من السيطرة على ولاية جنوب الغرب، عام 2018، ثم ولاية غلمدغ، مطلع عام 2020، وهيرشبيلي، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، بالتالي، ضمن تأييد نوابهم في البرلمان لاختياره رئيساً في الانتخابات المقبلة.

وإلى جانبهم؛ انفرد فرماجو بتشكيل اللجنة الانتخابية الخاصة بأرض الصومال، والتي ستعقد انتخاباتها في العاصمة مقديشو، وبذلك لم يتبقَّ خارجاً عن سيطرته سوى ولايتي؛ جوبالاند وبونتلاند.

ولم يستطع فرماجو استخدام القوة ضدّ الولايتين القويتين، لكنّه اقتنص إقليم غدو، لتعزيز عمقه القبلي، والسيطرة على عدد من مقاعد جوبالاند.

ويبيّن الباحث أحمد هراد ذلك بالقول: "حصة جوبالاند في مجلس النواب 43 مقعداً، منها 16 لإقليم غدو، ويريد فرماجو إجراء الانتخابات الفيدرالية، ليضمّ 16 صوتاً جديداً إلى مؤيديه، وجوهر الصراع على المقاعد البرلمانية".

الباحث السياسي الدكتور أحمد هراد

ويضيف الصحفي الصومالي، المتخصص في الشؤون الأفريقية، عبد الفتاح موسى: "لطالما كانت جوبالاند ذات ثقل سياسيّ في أيّة انتخابات، ويشعر فرماجو أنّه خسر تأييد الولاية بعد التدخلات الصبيانية التي قام بها، وخصوصاً رفضه نتائج الانتخابات الرئاسية في الولاية، قبل التراجع، وترفض إدارة الولاية إجراء الانتخابات الفيدرالية قبيل عودة إقليم غدو لسيطرتها".

التدخّل الكيني

وتدعم كينيا إدارة جوبالاند، خاصة الجنرال عبد الرشيد جنان، ضدّ الحكومة الاتحادية، وهو أمر أكّدته مصادر عدّة، على الرغم من نفي الجنرال جنان، وولاية جوبالاند، ويستغل أنصار فرماجو هذا الدعم لتشويه صورة الولاية، وتغليف أطماع الرئيس بلباس وطني.

وكان فرماجو قد أعلن ترشّحه للانتخابات الرئاسية، عام 2017، من نيروبي، عاصمة كينيا، وروّج خطاباً يدين فيه الوجود الإثيوبي، ويعتزّ بصداقة كينيا، قبل أن ينقلب على نفسه ويتقرب من إثيوبيا، ويهاجم كينيا.

اقرأ أيضاً: داعش الصومال ينقسم ويشهد اقتتالاً بين عناصره... ما الأسباب؟

ولا تُفهم تحوّلات فرماجو إلا في إطار الصراع الانتخابي؛ ففي آذار (مارس) 2018، قبل الأزمة مع جوبالاند، اتّهم برلمانيون الرئيس بالتقاعس عن حماية المدنيين من الاعتداءات الكينية، ما يوضح أنّ الأزمة مع كينيا لم تظهر إلا عقب الصراع على جوبالاند.

ورغم ذلك؛ لدى كينيا أطماع في ولاية جوبالاند، بعد أن احتلّت الإقليم الجنوبي الغربي، عام 1963، والذي تسكنه غالبية صومالية، وتنشط فيه حركة الشباب المجاهدين، انطلاقاً من جوبالاند.

الصحفي عبد الفتاح موسى

ويقول مدير مركز "هرجيسا" للدراسات والبحوث: "لكينيا أطماع توسعية على حساب الصومال، ومنحها نشاط حركة الشباب ذريعةً للتدخل، من خلال المطالبة بضمّ أراضي من جوبالاند، لإنشاء منطقة عازلة مع مناطق حركة الشباب، وتدعم بقوة الجنرال جنان؛ لأنّها لا تريد وجود القوات الاتحادية على حدودها".

وتريد كينيا زعزعة صورة فرماجو بعد أن دخل في عداء معها، ويقول الصحفي عبد الفتاح موسى: "التدخّل الكينيّ يأتي لزعزعة صورة الرئيس فرماجو، خاصة بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وفي الوقت نفسه يأتي التدخّل خوفاً من وصول حدّة الاشتباكات إلى الحدود الكينية، وانزلاق الإقليم الصومالي، الذي تسيطر عليه في الحرب".

وفي أيلول (سبتمبر) الماضي، وقّع الرئيس والولايات اتفاقاً سياسياً يمهّد لإجراء الانتخابات، وتعهّد فرماجو بحلّ الخلافات مع جوبالاند وبونتلاند، وعقب ذلك قام فرماجو منفرداً بتشكيل اللجان الانتخابية الفيدرالية من الموالين له، ما أدّى إلى مقاطعة الولايات والمرشحين للانتخابات، التي تأجلت إلى أجل غير مسمى، عن موعدها الذي كان مقرراً في كانون الأول (ديسمبر) الماضي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية