إسرائيل تُرهب الفلسطينيين بـ"الذئب الأحمر"

إسرائيل تُرهب الفلسطينيين بـ"الذئب الأحمر"

إسرائيل تُرهب الفلسطينيين بـ"الذئب الأحمر"


كاتب ومترجم جزائري
20/06/2023

ترجمة: مدني قصري

يَنتهِك نظامُ المراقبة بالتعرّف على الوجه حقوقَ الفلسطينيين الأساسية في الحرية وفي احترام حياتهم الخاصة.

تعمل إسرائيل على تعزيز نظام الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة باستخدام تقنية بيوميترية للتعرّف على الوجه، والتي تعمل بالذكاء الاصطناعي، لِتعقّب وتقييد حركة الفلسطينيين. تُحدّد تقنية التعرّف على الوجه الأشخاصَ وتُصنّفهم بناءً على خصائصهم الجسدية، لا سيما انتماءهم العرقي والجنسي والعمر وحالة الإعاقة.

تم استخدام تقنية التعرّف على الوجه لأوّل مرّة في إطار الفصل العنصري الإسرائيلي في عام 1999.

لكنّ تقريراً جديداً صادراً عن منظمة العفو الدولية يحلل استخدامَ نظام جديد للتعرف على الوجه، يُسمَّى "الذئب الأحمر" Red Wolf، وهو نظام تم نشره منذ عام 2022 عند نقاط التفتيش العسكرية في مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة. يقوم النظام بِمسح وجوه الفلسطينيين، وغالباً ما يرفض لهم الدخولَ ويُضيفهم إلى قواعد بيانات الحكومة الإسرائيلية دون موافقتهم.

ويضيف التقرير أنّ استخدام تقنية التعرف على الوجوه يُستعمَل الآن أكثر فأكثر لمطاردة الفلسطينيين ومراقبتهم بشكل دائم. ويتم تأمين المراقبة الدائمة من خلال شبكة واسعة الانتشار من كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة (CCTV) المركّبة على أعمدة الإنارة العامة وواجهات المباني وأبراج المراقبة وأسطح المنازل.

تقوم السلطات الإسرائيلية بتحريض جنودها على مراقبة الفلسطينيين بلا انقطاع. وفي سياق مسابقة دنِيئة يتلقى الجنود جوائز عندما تسجِّل كتيبتهم أكبَر عدد ممكن من الفلسطينيين المسجّلين في قاعدة البيانات.

نظام "الذئب الأحمر" Red Wolf، يستهدف حرية الفلسطينيين

ولا تزال الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية التي تم ضمّها بشكل غير قانوني، وقطاع غزة تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي غير الشرعي. وتراقب إسرائيل دخول وخروج الفلسطينيين الذين يتعيّن عليهم الحصول على تصاريح من السلطات الإسرائيلية للانتقال بين غزة، والقدس الشرقية والضفة الغربية.

الفلسطينيون موضع مراقبة مستمرة

قالت أنييس كالامارد، الأمين العام لمنظمة العفو الدولية "تستخدم السلطات الإسرائيلية أدوات مراقبة متطورة لتعزيز التمييز وإقامة نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، باستخدام البيانات البيومترية التي يتم جمعها  خارج كل شرعية، من أجل رصد ومراقبة تحركات الفلسطينيين"، "بالإضافة إلى التهديد المستمر باستخدامٍ تعسّفيّ مفرط للقوّة البدنية والاعتقالات التعسفية، وهكذا سيتعيّن على الفلسطينيين من الآن فصاعداً مواجهة خطر تعقّبهم واقتفاء آثارهم من خلال حسابٍ خوارزمي، أو مَنْعِهم من الوصول إلى أحيائهم الخاصة على أساس معلومات مخزَّنة في قواعد بيانات المراقبة التمييزية".

في تقرير جديد من 82 صفحة بعنوان "الفصل العنصري الآلي: كيف تُجزّئ تقنية التعرف على الوجه وتميّز وتراقب السكان الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة (TPO)" تصف منظمة العفو الدولية الاستخدام المكثف من قبل السلطات الإسرائيلية لتكنولوجيا التعرف على الوجه "لتكريس هيمنتها وقمعها المستمر ضد الفلسطينيين" في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

تعزز إسرائيل نظام الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة باستخدام تقنية بيوميترية للتعرّف على الوجه، والتي تعمل بالذكاء الاصطناعي وتدعى "الذئب الأحمر"

ويخلص تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2022 وعنوانه "نظام الفصل العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين: نظام هيمنة قاس وجريمة ضد الإنسانية" إلى القول "إنّ إسرائيل تحتفظ بنظام قمع وهيمنة ضد الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي الشتات. ويجري هذا الفصل العنصري بطريقة منهجية ومؤسّسية من خلال قوانين وسياسات وممارسات تهدف إلى منع الفلسطينيين من التمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها اليهود الإسرائيليون".

ويستشهد التقرير الجديد بسكان فلسطينيين في الخليل والقدس الشرقية المحتلة الذين يصفون الطرق التي تغزو بها كاميرات المراقبة خصوصيتهم، وتثبط نشاطهم، وحياتهم الاجتماعية، وتعطيهم الشعور بأنهم تحت الملاحظة باستمرار، حتى في بيوتهم، وهو ما يضطرهم إلى تغطية نوافذهم بالستائر السوداء لتجنب الوقوع تحت أنظار العيون الإلكترونية.

تقول سارة، التي تقيم في حيّ سلوان في القدس الشرقية "عندما تم تركيب الكاميرات صار بالإمكان إذا وقفنا بالقرب من النافذة رؤيتنا كما لو كانت الكاميرات في قلب بيوتنا". "مع هذه الكاميرات التي تراقب كل تحركاتنا وجدنا أنفسنا في موقف مروع. لم نعد نشعر أننا في بيتنا في حميميتنا وهكذا نضطر لأن نرتدي ملابسنا بالكامل في جميع الأوقات.

عمال يضعون كاميرات مراقبة على عمود في شارع بالقرب من باب العامود في البلدة القديمة بالقدس

قالت ندا، وهي من السكان الفلسطينيين "أنا تحت المراقبة طوال الوقت... وهذا يجعلني أشعر بعدم الارتياح عندما أكون في الشارع. أشعر بالضيق والقلق كلما أرى فيها كاميرا. صار الأمر كما لو كنا نُعامَل باستمرار كهدف".

غالبًا ما تتمثل أهداف السلطات الإسرائيلية من وراء المراقبة البيومترية في رصد مواقع ذات أهمية ثقافية وسياسية، مثل باب العامود عند مدخل البلدة القديمة، حيث يتجمّع الفلسطينيون بشكل مستمر وينظمون احتجاجات لدعم إضراب الأسرى عن الطعام، وضد الهجمات الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة المحتل.

كما ازداد عدد كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة في أحياء الشيخ جراح وسلوان في القدس الشرقية بعد احتجاجات عام 2021 ضد الإخلاء القسري للعائلات الفلسطينية لإفساح المجال أمام المستوطنين اليهود. ففي سلوان توسعت هذه المراقبة مع تزايد عدد المستوطنين.

ما مهمة الكاميرات؟

"مهمة كاميرات المراقبة هذه ليست لجعل الأماكن أكثر أماناً"، قال جواد سيام، مدير مركز معلومات وادي حلوة Wadi Hilweh الذي يقدّم مساعدة قانونية لأطفال سلوان الذين اعتقلتهم القوات الإسرائيلية لمشاركتهم في مظاهرات. وأضاف السيد جواد" الكاميرات مهمتها ترويع الفلسطينيين وحماية المستوطنين".

تدعو منظمة العفو الدولية إسرائيل إلى إنهاء نظام الفصل العنصري ووقفِ نشر تقنيات التعرف على الوجه، والمراقبة الجماعية والتمييزية ذات الأهداف المحدَّدة

“كل شيء تحت المراقبة. حياتي كلها تحت المراقبة، هكذا قال عيسى عمرو، وهو ناشط فلسطيني في الخليل، إذ "لم أعد أملك أي خصوصية. أشعر أنّ الكاميرات تتعقّبني أينما ذهبت". وأضاف عمرو أنّ الفلسطينيين مستاؤون لأنّ تقنية التعرف على الوجه لا تُستخدَم لتحديد هُوية المستوطنين الإسرائيليين الذين يرتكبون جرائم ضدّ الفلسطينيين.

بالفعل، لا تستخدم الحكومة الإسرائيلية تكنولوجيا التعرف على الوجه لحماية الفلسطينيين، بل للدفاع عن إسرائيليي المستوطنات غير القانونية التي بناها المستوطنون على الأراضي الفلسطينية. الخليل والقدس الشرقية هما المدينتان الوحيدتان في الأراضي الفلسطينية المحتلة اللتان تؤيان مستوطنات إسرائيلية غير قانونية. يوجد في الخليل حوالي 33000 فلسطيني و850 مستوطناً.

وجاء في التقرير أنّ المراقبة "جزءٌ من إطار بيئيّ قسريّ يهدف إلى إجبار الفلسطينيين على الخروج من المناطق التي تعتبرها السلطات الإسرائيلية ذات أهمية استراتيجية، ممّا يجعل حياة الفلسطيميين اليومية لا تطاق".

نظام المراقبة الإسرائيلي ينتهك القانون الدولي

ويُثبِت التقرير بالأدلة الكيفيات التي تنتهك بها شبكة مراقبة الذكاء الاصطناعي حقوقَ الإنسان والقانون الإنساني الدولي.

ويُذكِّر التقرير أنه بموجب اتفاقية جنيف الرابعة يُحظَر على إسرائيل (القوّة المحتلة) توطين مدنيّين إسرائيليين في الأراضي المحتلة، وترحيل السكان قسراً، وضمّ أقاليم وتنفيذ عقوبات جماعية (معاقبة السكان على جرائم لم يرتكبوها).

كاميرات مراقبة إسرائيلية متطورة في البلدة القديمة من الخليل

ووفقاً لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تشكِّلُ "الأفعالُ اللاإنسانية المرتكَبة في سياق نظام مؤسّسي من القمع المنهجيّ، وسيطرةِ مجموعة عرقية على مجموعة عرقية أخرى، بقصد الحفاظ على هذا النظام، نظامَ فصلٍ عنصري.

ووفقاً لاتفاقية الفصل العنصري يُعرَّف الفصلُ العنصري بأنه "أفعال غير إنسانية تُرتكب بهدف ترسيخ هيمنة مجموعة عرقية من الأشخاص على أي مجموعة عرقية أخرى من الأشخاص وقمع هؤلاء الأشخاص قمعاً منهجياً".

ويَعتبِر كلٌّ من نظام روما الأساسي واتفاقية الفصل العنصري أنّ نظام الفصل العنصري جريمة ضدّ الإنسانية.

يَنتهِكُ نظامُ المراقبة البيومترية المعزَّز بتكنولوجيا التعرّف على الوجه الحقَّ في حرية الحركة والحقّ في ممارسة الحياة الخاصة والحقّ في المساواة، وعدم التمييز. وله تأثير رادع على الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي من خلال تثبيط الفلسطينيين عن التظاهر والاحتجاج ومن خلال تكثيف مناخ الخوف والترهيب.

وأشار التقرير إلى أنه ما دام وجود المستوطنين في الأراضي المحتلة غير قانوني بموجب اتفاقية جنيف فإنّ تبرير المراقبة الأمني غير شرعي أيضاً.

وجاء في التقرير "إنّ نشر أدوات المراقبة البيومترية التي تقيّد حرية الحركة في سياق الاحتلال العسكري المتواصل، والاستيطان والضم غير القانونيّين يعززّ التمييزَ والتشظي بين الشعب الفلسطيني، ويساهم في نهاية المطاف في تكريس نظام الفصل العنصري الإسرائيلي الوحشي في الأراضي الفلسطينية المحتلة". "تساهم هذه الأدوات في ارتكاب أعمال محظورة تُعتبَر جرائم ضد الإنسانية بقدر ما هي جرائم حرب".

ماذا تقول منظمة العفو الدولية؟

في الختام تدعو منظمة العفو الدولية جميع البلدان في العالم إلى تعليق إمداد إسرائيل، المباشر وغير المباشر "بجميع الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية والأمنية الأخرى على الفور، وكذلك تعليق إمداد إسرائيل بأي تدريب أو أي شكل من أشكال المساعدة العسكرية والأمنية".

كما تدعو منظمة العفو الدولية إسرائيل إلى إنهاء نظام الفصل العنصري ووقفِ نشر تقنيات التعرف على الوجه، والمراقبة الجماعية والتمييزية ذات الأهداف المحدَّدة. وعلاوة على ذلك تدعو منظمة العفو إسرائيلَ إلى إنهاء نظام التطويق العسكري والقيود الأخرى المفروضة على حرية التنقل والتي تشكل عقاباً جماعياً. وأخيراً يشير التقرير إلى أنه يجب على إسرائيل أن توقِف فوراً جميع الأنشطة الاستيطانية غير القانونية، كخطوة أولى نحو تفكيك كل هذه المستوطنات الإسرائيلية: "الوقف الفوري لجميع الأنشطة الاستيطانية كإجراء أوّلي، بهدف تفكيك جميع المستوطنات والبُنَى التحتية المرتبطة بها في الضفة الغربية، بما في ذلك في القدس الشرقية المحتلة، وإعادة توطين المدنيّين الإسرائيليين الذين يعيشون في هذه المستوطنات خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة".

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

https://www.les-crises.fr/israel-terrorise-les-palestiniens-avec-son-vaste-reseau-de-cameras-biometriques-liberticides/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية