إيران تعاني من وباء آخر اسمه التعذيب

إيران تعاني من وباء آخر اسمه التعذيب


03/11/2021

ترجمة: محمد الدخاخني

توفّي الشّهر الماضي رجل يُدعى شاهين ناصري (49 عاماً) في السّجن في ظروف مريبة بعد أن أدلى بشهادة حول تعذيب المصارع نافيد أفكاري. وكان أفكاري، وهو متظاهر بارز، قد اعتُقل ظلماً على يد عملاء الدّولة، وحُكم عليه بالإعدام بعد محاكمة بالغة الجور، وأُعدم سرّاً في أيلول (سبتمبر) 2020.

اقرأ أيضاً: انتهاكات وتعذيب.. اختراق كاميرات المراقبة في سجن إيفين الإيراني... ما القصة؟

هذا ليس حادثاً معزولاً. في آب (أغسطس)، أظهرت لقطات سُرّبت من سجن إيفين بطهران مشاهد مروّعة للتّعذيب وغير ذلك من ضروب المعاملة السّيّئة. ومن جانبهم، وصف المسؤولون الإيرانيّون الانتهاكات بأنّها أعمال قام بها حرّاس سجون مارقون. لكن منظّمة العفو الدّوليّة وغيرها من جماعات حقوق الإنسان أوضحت مراراً وتكراراً أنّ التّعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية والّلاإنسانيّة جزء لا يتجزّأ من نظام العدالة الجنائيّة الإيرانيّ، وليس استثناءً منه. يجب على المجتمع الدّوليّ التّحرّك الآن لكسر حلقة عنف الدّولة.

وكشفت منظّمة العفو الدّوليّة الشّهر الماضي عن فشل السّلطات الإيرانيّة في توفير المُساءَلة عن حالات الوفاة المريبة في الحجز لما لا يقلّ عن 72 رجلاً وامرأة في العقد الماضي، بالرّغم من التّقارير الموثوقة الّتي تُشير إلى أنّ السّبب هو التّعذيب، أو الاستخدام المميت للقوّة، أو غير ذلك من أشكال عنف المسؤولين. وقد شكّل الشّباب نسبة كبيرة من الضّحايا. ومنذ نشر نتائج منظّمة العفو الدّوليّة في 15 أيلول (سبتمبر)، تلقّت المنظّمة تقارير عن أربع حالات وفاة أخرى مريبة في الحجز.

إنّ الصّعود الأخير لمنصب الرّئاسة من قِبل إبراهيم رئيسي، الّذي تورّط بشكل موثوق في جرائم ضدّ الإنسانيّة، يقدّم تذكيراً كئيباً آخر بهذا الوضع الرّهيب

تؤكّد النّتائج الّتي توصّلت إليها منظّمة العفو الدّوليّة أنّ سُلُطات النّيابة العامّة، ومسؤولي السّجون، وعناصر الأمن والمخابرات في إيران يرتكب جميعهم التّعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة ضدّ الرّجال والنّساء والأطفال خلف القضبان على أساس واسع النّطاق ومنهجيّ ومع إفلات تامّ من العقاب. يُسهم القضاة في هذه الانتهاكات من خلال رفض مزاعم التّعذيب، وعدم الأمر بإجراء تحقيقات مستقلّة، وإصدار أحكام بالإدانة على أساس "الاعترافات" المأخوذة تحت التّعذيب.

اقرأ أيضاً: فن الحرب والتعذيب يجمع حزب الله بالطاغية

استمرّ وباء التّعذيب في إيران من خلال ثقافة الإفلات من العقاب الّتي مكّنت المسؤولين، المشتبه بشكل معقول في مسؤوليّتهم عن جرائم بموجب القانون الدّوليّ وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، من تجنّب العدالة، بل والارتقاء إلى مناصب قويّة. إنّ الصّعود الأخير لمنصب الرّئاسة من قِبل إبراهيم رئيسي - الّذي تورّط بشكل موثوق في جرائم ضدّ الإنسانيّة - يقدّم تذكيراً كئيباً آخر بهذا الوضع الرّهيب.

لقد وثّق تقرير صادر عن منظّمة العفو الدّولية عام 2018 كيف عمل رئيسي عضواً في "لجنة الموت" الّتي أخفت قسراً وأعدمت عدّة آلاف من المعارضين السّياسيّين خارج نطاق القضاء، في سجني إيفين وجوهاردشت بالقرب من طهران، بين أواخر تمّوز (يوليو) وأوائل أيلول (سبتمبر) 1988، وألقت جثثهم في مقابر فرديّة وجماعيّة لا تحمّل أيّة علامات. في الأعوام الّتي تلت ذلك، وجدت منظّمة العفو الدّوليّة أنّ السّلطات الإيرانيّة، برفضها الاعتراف بعمليّات القتل والكشف عن مصير الضّحايا وأماكن وجود رفاتهم، تواصل ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانيّة.

لا يوجد سبيل للعدالة من خلال القنوات المحلّيّة في إيران، ويتطلّع ضحايا الجرائم الخطيرة الّتي ارتكبتها السّلطات الإيرانيّة إلى المجتمع الدّوليّ لاتّخاذ إجراءات هادفة لضمان حقوقهم

في آذار (مارس) 2019، عُيّن رئيسي رئيساً للقضاء، ومنذ ذلك الحين وحتّى تولّيه الرّئاسة، أشرف على اعتقالات واحتجاز تعسّفيّ لآلاف المتظاهرين السّلميّين والمعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصّحافيّين وأفراد الأقلّيّات العرقيّة والدّينيّة المضطّهدة. تحت ولايته، منح القضاء حصانة شاملة للمسؤولين الحكوميّين وقوّات الأمن المسؤولة عن قتل مئات الرّجال والنّساء والأطفال خلال الاحتجاجات الّتي عمّت البلاد في تشرين الثّاني (نوفمبر) 2019. واعتقل مسؤولو الدّولة آلاف المتظاهرين والمارّة، وتعرّض ما لا يقل عن المئات منهم للتّعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة.

وتواصل منظّمة العفو الدّوليّة دعوتها إلى التّحقيق مع رئيسي لتورّطه في جرائم سابقة ومستمرّة ضدّ الإنسانيّة، لكن التّعذيب والإفلات من العقاب سائدان حتّى الآن.

اقرأ أيضاً: إحصائية تكشف عدد ضحايا التعذيب في سجون الحوثيين

سيُطلب من الدّول الأعضاء في الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة التّصويت في تشرين الثّاني (نوفمبر) على قرار يتعلّق بتعزيز وحماية حقوق الإنسان في إيران. يجب على الدّول أن تغتنم هذه الفرصة لاتّخاذ موقف ضدّ الاستخدام المنهجيّ للتّعذيب والأزمة الكامنة وراء الإفلات من العقاب في إيران، بما في ذلك من خلال التّرويج للقرار ودعمه.

لماذا هذا مهمّ؟ على وجه التّحديد لأنّه لا يوجد سبيل للعدالة من خلال القنوات المحلّيّة في إيران، ويتطلّع ضحايا الجرائم الخطيرة الّتي ارتكبتها السّلطات الإيرانيّة إلى المجتمع الدّوليّ لاتّخاذ إجراءات هادفة لضمان حقوقهم. هذا هو السّبب في أنّ منظّمة العفو الدّوليّة تحثّ الدّول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التّابع للأمم المتّحدة على دعم إنشاء آليّة محايدة لجمع وتحليل وتوحيد وحفظ الأدلة على أخطر الجرائم المرتكبة في إيران لتسهيل الإجراءات الجنائيّة العادلة والمستقلّة في المستقبل.

كانت هذه الإجراءات الملموسة حاسمة في عام 1988 كما هي اليوم في عام 2021. وإذا لم يتصرّف قادة العالم بشكل عاجل، فإنّهم يخاطرون بمزيد من الإذعان للأنماط الرّاسخة للتّعذيب والإفلات من العقاب في إيران.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

نازانين بونيادي وأنييس كالامارد، الواشنطن بوست، 28 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2021

https://www.washingtonpost.com/opinions/2021/10/28/iran-is-suffering-an-epidemic-torture/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية