"الإخوان المسلمون" عُملاء أم أُجَراء؟

"الإخوان المسلمون" عُملاء أم أُجَراء؟


25/12/2021

منير أديب

كشف اختيار الدكتور مصطفى طلبة، قائماً بأعمال مرشد "الإخوان المسلمين"، في الخلاف الدائر بين جبهتي إبراهيم منير، القائم بالأعمال السابق، ومحمود حسين، الأمين العام للتنظيم السابق، الكثير من الخبايا المرتبطة بطبيعة عمل التنظيم، والذي تجمعه علاقات غير محدودة بأجهزة الأمن والاستخبارات العالمية. وهو ما كنّا نردده في السابق من أن نشأة التنظيم لم تكن بعيدة من أجهزة الاستخبارات البريطانية في نهاية العشرينات من القرن الماضي، إذ تبرع "المحتل البريطاني" لجماعة "الإخوان المسلمين" في مهدها بمبلغ خمسمئة جنيه، فمصر كانت تقع تحت الانتداب البريطاني في هذا التوقيت، وكانت  جماعة "الإخوان" وليدة على الساحة، ولكنها كانت آخذة في الانتشار، فنجح البريطانيون في السيطرة على التنظيم وتوظيفه وفق مصالحهم.

 فعلاقة "الجماعة" بأجهزة الاستخبارات الأجنبية قديمة، بدأت مع بدايات التنظيم، حتى أن هذا الاشتباك تم برعاية المؤسس الأول حسن البنا حتى صار منهجاً يتبعه "الإخوان" من بعده؛ فسّر "الإخوان" هذه العلاقة وقتها بأن هذه أموال الشعب وقد عادت إليه، لاحظ هنا أن "الإخوان" يختصرون الشعب المصري في شخوصهم، ومن هذه اللحظة سيطرت بريطانيا من خلال جهاز استخباراتها على التنظيم وما زالت.

احتضنت الاستخبارات البريطانية مقر التنظيم الدولي للإخوان في الستينات من القرن الماضي، وكانت تعتبر نفسها منافساً للقاهرة في استضافة المكتب الذي كان يُحرك أنشطة التنظيم، ليس في أوروبا فقط ، بل في كل دول العالم. أخذت هذه العلاقة بعداً جديداً بعد غلق مكتب الإرشاد في القاهرة على خلفية ثورة المصريين على "الإخوان"، فصارت هناك روابط أكثر في العلاقة ما بين مكتب التنظيم الدولي وقياداته والاستخبارات البريطانية.

ظلت هذه العلاقة في أبهى صورها، بخاصة أن جهاز الاستخبارات البريطاني كان مستفيداً من وجود مكتب التنظيم الدولي، فقد كان مصدراً للمعلومات المهمة عن التنظيم، وفي الوقت نفسه استفادت بريطانيا من وجوده واستثمرت ذلك لمصلحتها، وكان ذلك بموافقة قادة التنظيم ورجاله.

العلاقة الجديدة بأجهزة الاستخبارات، سواء البريطانية أم العربية، بعد تعيين القائم بأعمال مرشد "الإخوان"، أكدت العلاقة القديمة بالأجهزة نفسها؛ وللمناسبة، الجبهتان المتصارعتان داخل التنظيم تتهمان بعضهما بعضاً بالعمل لمصلحة أجهزة استخبارات دولية، هذا الاتهام ليس من عنديات الكاتب الذي طالما حاول قراءة التنظيم قراءة دقيقة، وهو ما سوف تكشف عنه هذه السطور وفق تطورات الحوادث داخل التنظيم.

وجهت جبهة محمود حسين، الأمين العام للتنظيم وعضو مجلس شورى الجماعة، اتهاماً إلى إبراهيم منير، بأنه يعمل لمصلحة الاستخبارات البريطانية، وأن تنسيقاً ما يجري بينه وبين أجهزة الأمن البريطانية، حتى أنها وصفت التنظيم بأنه اختطفه جهاز الاستخبارات البريطاني، هذا الاتهام كان بمثابة الضربة القاضية التي وجهها حسين إلى منير ودفعت قواعد التنظيم إلى الانحياز إلى "إخوان مصر" في خلافهم مع "منير وجبهته" في لندن.

وهنا يمكن أن نقرأ إدراك حسين للتنظيم الذي شغل فيه منصب الأمين العام أكثر من إدراك منير، ولذلك لعب على الخلفيات والخلافات التي غازل بها "قواعد الجماعة" التي ترى عيباً في العمل لمصلحة أجهزة استخبارات أو حتى التنسيق معها، ولذلك يبدو أنه كسب جولة قد تحسم الصراع مستقبلاً. فهو قد غازل جموع تنظيمه الذي يعرفه جيداً.

ورغم أن الاتهام ليس جديداً، والمتتبع لكل ما يصدر عن التنظيم يعلم بأن إبراهيم منير اعترف في أكثر من مناسبة بهذه العلاقة، وأكد أنه كان مصدر معلومات لجهاز الاستخبارات البريطاني بخصوص بعض الهياكل التنظيمية التابعة للجماعة وأشياء أخرى، قد تكون مثل هذه التصريحات قد أزعجت بعض المنتمين لهذه الهياكل، ولكنها كشفت عن شكل التعاون، وربما أجابت عن سبب احتضان بريطانيا للإخوان وقادتهم ومكتبهم العام بعد غلق مكتب القاهرة على خلفية الثورة الشعبية عام 2013.

ورغم أن الاتهام الأخير لـ إبراهيم منير بأنه عميل للاستخبارات البريطانية كان مصدره محمود حسين وجبهته، إلا أن الأخير نصّب مصطفى طلبة، على رأس لجنة تقوم مقام مرشد الإخوان بديلاً لمنير، بما يعني عزله تماماً من منصبه، والشاهد في نوعية الاختيار، فطلبة يعمل لمصلحة الاستخبارات التركية، وكان مسؤولاً عن "الإخوان المسلمين" في السعودية لعقدين كاملين، كما تجمعه علاقات بالاستخبارات البريطانية نفسها، فقد كان مسؤولاً عن التنظيم الدولي وبخاصة مكتب "الإخوان" في الدول العربية، وهنا كان يدير التنظيم الدولي من الأراضي البريطانية.

فالرجل الذي اختير قائماً بعمل مرشد "الإخوان" على خلفية اتهام منير بأنه عميل يعمل لمصلحة ثلاثة أجهزة استخبارات. 

ليس هناك أي مشكلة أو حرج لدى "الإخوان المسلمين" في التعامل مع أجهزة الاستخبارات الخارجية، ما دام ذلك يخدم أهدافهم، ولاحظ أن أصحاب الأسماء المشار إليها يحتفظون بجنسيتهم المصرية، وقد بنوا هذه العلاقات بهدف خدمة أجندتهم ومواجهة النظام السياسي في مصر؛ فـ"الإخوان" لديهم مشكلة حقيقية، ليس مع النظام السياسي فقط، ولكن مع الشعب المصري أيضاً الذي ثار عليهم وشعر بخطر وجودهم، ويرى ضرورة تصفية هذا الوجود، ومن هنا كانت الاستعانة بسلاح العمل لمصلحة الاستخبارات الأجنبية.

"الإخوان المسلمون" ليس لديهم مشكلة في العمل لمصلحة أي جهاز استخباري إذا كان ذلك مفيداً لهم، فهم عملاء وأُجَراء لمصلحة هذه الأجهزة من واقع الاتهامات المتبادلة بينهما، ومن واقع اعترافات أصحابها، ومن واقع قراءة التنظيم أيضاً، وصف "عمَلاء" ليس سباً لتنظيم لا يراه عيباً، وبالتالي وصف "أُجَراء" مبني على الوصف السابق، فالتنظيم يعمل لمصلحة الغير مقابل ما سوف يتحصل عليه.

يعيش التنظيم في ورطة كبيرة، ليس بسبب الخلاف بين جبهتين متصارعتين، لم تحسم إحداهما الصراع قطعياً، فكلما أحرزت إحدى الجبهتين أهدافاً في مرمى الجبهة الأخرى، أحرزت الجبهة المقابلة أهدافاً مماثلة، الورطة الحقيقية التي يعيشها التنظيم تبدو في كشف المستور، أو ما كان مستوراً عن الكثير من الباحثين، وهو فكرة العمالة لأجهزة استخبارات أجنبية، لدرجة أنهم في الدفاع عن أنفسهم يصفون خصومهم بأنهم يعملون لمصلحة جهاز استخباري أجنبي، بينما هم يتعاملون مع أجهزة الاستخبارات العربية! هذا الحديث وهذه المعلومات تكشف عن وجه التنظيم الذي ادعى المثالية وطهارة اليد، وهو في الحقيقة يعمل "أجيراً" لغيره.

وللمفارقة، اختارت جبهة محمود حسين، مصطفى طلبة قائماً بأعمال مرشد "الإخوان"، وهو يعمل لمصلحة أكثر من جهاز استخبارات، وبهذا قفز من مجرد الاتهام إلى العمل، وهذا ما يدفعنا للقول إن "الإخوان المسلمين" مجموعة من العملاء والأجَراء في الوقت ذاته.

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية