الإخوان في الميزان: كيف سقط التنظيم بعد عشرين عاماً من تأسيسه؟

الإخوان في الميزان: كيف سقط التنظيم بعد عشرين عاماً من تأسيسه؟


16/08/2020

"يعتقد البعض أنّ الإخوان المسلمين هيئة  دينية تعمل على نشر الدين الإسلامي، وتبعث فضائله بين الناس، والبعض يعتقد أنها حزب سياسي متستر وراء الدين له أهدافه وبرامجه والبعض يعتقد أنّها هيئة فاشية تعمل لصالح الاستعمار وأذناب الاستعمار في مصر، والشرق العربي".

يتساءل المؤلف لماذا حظرت الحكومة المصرية الاجتماعات عن الأحزاب بينما تركت الجماعة تعمل بحرية في الشارع

 الاقتباس لكاتب مصري يدعى عبد الرحمن الناصر، فضل أن يكون اسمه  (محمد حسن أحمد) على غلاف الكتاب الذي حمل عنوان: "الإخوان المسلمون في الميزان"، صدر الكتاب العام 1946، أي منذ ما يقرب من خمسة وسبعين عاماً، في مرحلة دقيقة من التاريخ المصري، وقت بدأت بوادر الأزمة الاجتماعية العميقة تمسك بتلابيب المجتمع المصري، مع عجز الأحزاب السياسية عن استيعاب الشباب المنهك جراء تلك الأزمة، فصعدت تيارات متطرفة قومية وإسلامية لصدارة المشهد، وسعت لاستيعاب ذلك الزخم الشبابي الهائل، والسير على خطى الفاشية والنازية.

جماعة احترفت اللعب على المتناقضات

يثير الباحث علامات الاستفهام حول طبيعة تنظيم الإخوان المسلمين؛ هل هي جماعة دعوية لتهذيب الأخلاق أم تنظيم سياسي يسعى للسلطة؟!.

اقرأ أيضاً: هل تآمر أردوغان على شعبه لصالح "مشروع الإخوان"؟

يقر المؤلف أنّ التنظيم بدأ حياته بدعوة قد تكون بريئة؛ غرضها "تحقيق المقاصد والأغراض التي جاء بها الدين الحنيف، وشرح دعوة القرآن الكريم، وفهم الإسلام فهماً صحيحاً"، وبرغم هذا الإعلان الواضح البيّن فإنّ حسن البنا، المرشد الأول للإخوان المسلمين، صرّح بأنّه "حزب سياسي نظيف يجمع الكلمة، ويبرأ من الغرض ويحدد الغاية، ويحسن القيادة والتوجيه".

ما تزال جماعة الإخوان المسلمين تسعى إلى اللعب على كل الحبال المتاحة، فالزمن لم يغير من ذهنية أعضاء هذا التنظيم الجامح، وهي نفس الإشكاليات التي يطرحها الباحثون والسياسيون حتى يومنا هذا على تلك الجماعة، التي احترفت السير كبهلوان محترف على خيط مشدود بين الدنيا والدين، واعتادت الخلط بين السياسي والديني؛ ما نتج عنه تلك الظاهرة التي زادت المشهد السياسي المصري والعربي والإسلامي تعقيداً وارتباكاً، فهي نفس الدورة التاريخية التي تمر بها الأوطان في عالمنا العربي، فسرعان ما تتضخم سواعد تلك التنظيمات، ويصاب قادتها بجنون العظمة، ثم يدخل التنظيم في صراع تكسير عظام مع الدولة، تكرر  هذا المشهد في الأربعينيات،  ثم في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ثم أخيراً بسقوط الإخوان المدوي في مصر العام 2013.

تحتمي الجماعة بدروع من العموميات للهروب من سؤال تحديد برنامج للنهوض بتلك الأمة المريضة بزعمها

هذا وفسر الكاتب صعود  الفاشية، فوجدها تنمو في ظلّ أزمة اجتماعية عنيفة، مع ركود اقتصادي ومعدل بطالة مرتفع، فتسعى الفاشية لتشتيت الانتباه عن تلك الأزمات، وتعليلها بأسباب غير واقعية، مع إثارة نعرات قومية ودينية متطرفة، ولا بد للفاشية من زعيم صاحب كاريزما، قادر على جذب أنظار وأسماع الجمهور، وخلف الزعيم يتخفى الاستعمار الذي يمهد  ويعد الساحة للزعيم المنتظر، هكذا كانت تجربة ألمانيا النازية مع هتلر، وإيطاليا الفاشية مع موسوليني، فلنرَ إذا كانت ستنطبق تلك الظواهر على تنظيم الإخوان المسلمين أم لا؟!

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: فوضى وتخبط ومحاولات لاستعادة التوازن

يورد المؤلف اقتباسا آخر لأحد أعضاء مكتب الإرشاد العام، موجه إلى طلبة الإخوان بالجامعة والمدارس الثانوية والفنية، يقول: "وها قد اكتوى حلق الإنسانية، وجف ريقها واستشرفت إلى الإنقاذ، وهذه أمتنا تعاني الحيرة وتلتمس المنقذ، وها هي القلاقل والمشاحنات...والأمة في قلق واضطراب وحيرة وارتباك، وقد يئست من صلاحية هذه المناهج والنظم"، وتبدو لغة التصريح في غاية التعالي والفوقية، فكل النظم باطلة والتنظيم هو الوحيد القابض على مفاتيح جنات السماء والأرض.

لخص البنا مقاصد الدعوة ووسائلها العامة في ست نقاط لم يذكر منها محاربة الاستعمار وطرده من البلاد

يلاحظ الكاتب التناقض الذي وقع فيه التنظيم، فالإخوان يؤمنون باستحالة إجماع الأمة على فروع الدين، وبالتالي فالتفسيرات المتعددة ممكنة، ولكنهم في المقابل ينادون بالإسلام كنظام حكم دون أن يوضحوا للشعب تفسيراتهم لأحكام الدين، فالتنظيم بعبارة أخرى يحتمي بدروع من العموميات؛ للهروب من سؤال: أين بالتحديد برنامجكم للنهوض بتلك الأمة المريضة؟ وبنظرة إلى حال جماعة الإخوان المسلمين نجد شعارهم "الإسلام هو الحل" الذي ظل مرفوعاً حتى أفول دولتهم، شعاراً فضفاضاً يستر بأكثر مما يكشف، يتلاعب بمشاعر المسلمين بأكثر مما يرشدهم لمكامن المرض فيهم.

توظيف الدين لصالح السياسة

تعمدت الجماعة توظيف الدين في تشتيت الانتباه عن الصراع السياسي الدائر، ويستعير الكاتب من إحدى رسائل الإخوان المسلمين ما يلي: "لقد تقدم العلم، وتقدم الطب، وتقدم الفن، وتقدم الفكر، وتزايد المال، وتبرجت الدنيا، وأخذت الأرض زخرفها، وازينت وأترف الناس ونعموا، ولكن هل جلب شيء من هذه السعادة لهم...، ما مهمتنا نحن الإخوان المسلمين؟ أما إجمالاً فهي أن نقف في وجه هذه الوجهة الطاغية من مدنية العالم"؛ فالحل للأزمة الاجتماعية الخانقة في الزهد عن المدنية، وعن تقدم صنوف المعارف البشرية، ويعلن البنا في المؤتمر الدوري السادس العام 1941 أنّ أمراضنا الاجتماعية من بؤس وشقاء، سببها تزايد عدد الفلاحين على مساحة الأرض المزروعة، وتكاثر عدد السكان تكاثراً سريعاً!

 وبعد أن تأكد المؤلف من كون جماعة الإخوان المسلمين جماعة فاشية بامتياز، وجد أنّ فاشية المستعمرات هزيلة ممسوخة، تعتمد غالباً على أموال الاستعمار لتمويل نشاطاتها التخريبية، وبعد وصولها لسدة الحكم يظهر الوجه الحقيقي لتلك الجماعات، من كبت لقوى المعارضة، وبسبب عجزها عن تحقيق طموحات شعبها، وحدوث احتقان اجتماعي نتيجة لذلك، فإنّها ترتمي في أحضان المستعمر، طالبة الحماية كما يحدث حاليا في ليبيا!

تعمدت الجماعة  توظيف الدين في تشتيت الانتباه عن الصراع الاجتماعي الدائر

والاستعمار له مصالح عضوية ومتشابكة مع تلك التنظيمات، فالشعارات الدينية التي طالما ترفعها الجماعات الدينية والقومية المتطرفة، تغازل مشاعر أتباع تلك الأديان والقوميات ذات الأغلبية، وتدفع بالمجتمع إلى استقطاب حاد بين المسلمين وغيرهم من الأقليات الدينية، ما يؤدي لتفكك المجتمع وانقسامه، مثلما حدث في شبه الجزيرة الهندية، واستقلال باكستان عن الهند، بالإضافة إلى إضعاف القوى الاجتماعية وتشتيتها، عبر تفريق صفوف الطبقات إلى مسلمين وغير مسلمين.

يتساءل المؤلف لماذا حظرت الحكومة المصرية الاجتماعات عن الأحزاب، بينما تركت جماعة الإخوان تعمل بحرية في الشارع، وتعقد الاجتماعات؟ يجيب قائلاً "إن هذا يعود للطبيعة الممالئة للاستعمار، الخادعة للجماهير، المضللة لها بشتى الوسائل، ففي المؤتمر الوطني الذي نظمته الجماعة العام 1945، لخص البنا مقاصد الدعوة ووسائلها العامة في ست نقاط، لم يذكر في إحداها محاربة الاستعمار وطرده من البلاد، ورفض  المرشد طوال الخطبة الهجوم على الاستعمار البريطاني، والمطالبة بجلائه من مصر، بل وألقى عبء تأخر الأمة الاقتصادي في الزراعة والصناعة على هجرة الأجانب الذين يقيدون حرية المصريين في التصدير، والاستيراد، والتجارة، والزراعة والنقد!

تنادي الجماعة بالإسلام كنظام حكم دون أن يوضحوا للشعب تفسيراتهم لأحكام الدين

الكتاب في مجمله وثيقة تاريخية عاصرت لحظات حرجة من تاريخ الحركة الوطنية المصرية في أربعينيات القرن الماضي، حيث لجأت قوى الاستعمار والرجعية إلى الهيمنة على الأمة المصرية عبر التحالف مع قوى دينية تغازل المشاعر الدينية للمصريين؛ لكبح جماح الصعود القوي للحركة الوطنية، وتحققت نبوءة المؤلف الذي رأي هزال تلك الجماعة، وأنّها ستحول أوطانها إلى جحيم وسجن كبير، ترتع فيه قوى الظلام بغير حساب، فهي عاجزة عن تلبية المهام العاجلة للمجتمعات التي تسيطر عليها، وهذا ما يشهده العالم العربي حالياً، وتبيع نفسها لقوى أجنبية مثل تركيا التي صارت قوى استعمارية جديدة.

الصفحة الرئيسية