الإخوان و"بصّاصو الدّرك"

الإخوان و"بصّاصو الدّرك"


06/03/2022

عمرو فاروق

ثمة اتهامات متصاعدة بين جبهتي جماعة "الإخوان المسلمين" المتصارعتين على سلطة التنظيم، "جبهة تركيا" التي يتزعمها محمود حسين ومصطفى طلبة و"جبهة لندن" التي يتزعمها إبراهيم منير ورفاقه من قيادات التنظيم الدولي، بالعمالة للأجهزة الأمنية المصرية أو للأجهزة الاستخبارية الغربية.

صوغ الاتهامات يركز على فكرة تشويه السمعة بينهما، وقدرة كل جبهة على النيل من خصومها، وتصوير كل منهما على أنها الممثل الشرعي والرسمي لمشروع حسن البنا، فضلاً عن التزامها منهجية الجيل الأول للجماعة. 

شيوع الاتهامات بالخيانة والعمالة بين قيادات "الإخوان" ليس وليد الفراغ، لكنه مرتبط بتأصيل فكري وتنظيمي، في إطار سياستهم المتبعة في اختراق المؤسسات الحيوية والسيادية والجهاز الإداري للدولة تحت مسمى"الخلايا النائمة"، التي تتركز مهمتها في جمع المعلومات عن تلك الكيانات، بما يحقق التعرف الى نقاط قوتها وضعفها وتطويعها لخدمة أهداف الجماعة ومشروعها.

العنصر الإخواني كائن مزدوج المهام، يعمل بين نشر الأسس والأدبيات الفكرية في الفضاء المجتمعي وطبقاته، تمهيداً لصناعة بؤر تنظيمية، وبين قيامه بدور المتلصص الجامع للتفاصيل والمعلومات، وتقديم التقارير الهامة عن دور المؤسسات الداخلية للدولة وطبيعة عملها.

تُطبع جماعة "الإخوان" عناصرها على فكرة "بصاصي الدرك" التي واكبت العصر المملوكي، وصناعة أجيال مدربة تلقائياً على مهارة جمع المعلومات وكيفية الوصول إليها، واختراق مؤسسات الدولة، بل كذلك اختراق كل الحركات الأصولية المشابهة للتعرف الى طبيعتها وأسرارها، وعدم خروجها عن طوع "الإخوان" وممثليهم. 

من عادة "بصاصي الدرك"، أن ولاءهم لمصالحهم، ولأنفسهم، وانتماءهم المطلق للسبوبة، وقيمتها المالية أياً كانت قبلتها ووجهاتها، حتى وإن كان ظاهرهم يخالف هذه الانطباعات، لذلك يدرك "الإخوان" أن فكرة تبعية بعضهم للأجهزة الاستخبارية وغيرها، ليست محض خيال، أو يعتريها الشك، حتى في ظل إعلاء فكرة الولاء والبراء للجماعة، ولعل الأصوات التي تعالت من داخل الجماعة أخيراً وهددت بفضح "كشوف البركة"، و"قوائم العملاء"، شاهدة على هذا المنحى.

التناحر بين ممثلي الأقطاب المتصارعة داخل "الإخوان"، سيضع الكثير من الإشكاليات والخبايا أمام الرأي العام، ويرفع السرية عن طبيعة الجماعة وتنظيمها، ودورها المباشر داخل المجتمع، ومحاولتها المستمرة لخداع الكثير من أبناء الأمة العربية بالشعارات البراقة. 

مشروع "بصاصي الدرك"، تنطلق معالمه الأولى من مسارات استقطاب المراهقين والشباب، وتجنيدهم في صفوف التنظيم، بعد عمليات متشابكة ومعقدة من الانتقاء والاختيار والتأهيل والتدريب الفكري والتنظيمي، لصناعة "جندي"، أو "عسكري" غير نظامي، يقوم بدور مباشر في تمرير التوجهات والأهداف الفكرية للجماعة ومشروعها، ويلعب دوراً آخر في التقصي عن المعلومات والتفاصيل الخاصة بمؤسسات الدولة والتغلغل في مفاصلها وأروقتها.

ولعل إشكالية إعاقة مسيرة الدولة التونسية حالياً، ومحاولة تخلصها من وباء "الإخوان" على يد الرئيس قيس سعيد، تتمثل في تغلغل "التنظيم السري" في عمق المؤسسات السيادية والحيوية، وفقاً لما كشفته تحقيقات النيابة التونسية في تحقيق "الغرفة السوداء".

كي تحقق جماعة "الإخوان" وقياداتها بغيتها من عمليات التجسس العشوائية والمنظمة التي نفذتها داخل أروقة المؤسسات الحيوية والمدنية، وتتشابه آلياتها تماماً مع مشروع "بصاصي الدرك"، غلّفتها في إطار شرعي ديني يمنحها الحصانة المطلقة وفق متطلبات مرحلة "التمكين"، وشعارات محاربة أعداء الإسلام ودولة الخلافة. 

على مدار فترات طويلة، مارس "الإخوان" وعناصرهم، دوراً كبيراً في جمع التفاصيل والمعلومات عن المواطنين في كل المدن وأحياء القاهرة والأقاليم المصرية، لتكوين قاعدة معلوماتية، فضلاً عن المعلومات المتعلقة بالجهاز الإداري للدولة، والقوى والحركات السياسية، لا سيما في عهد الرئيس مبارك، تمهيداً لمشروع "التمكين"، الذي كشفته أوراق القضية الرقم 87 لسنة 1992 المعروفة إعلامياً بـ"قضية سلسبيل".

كانت الأجهزة المصرية قد توصلت إلى أن خيرت الشاطر، من خلال شركة "سلسبيل" (المتخصصة في مجال برمجة الحاسبات ونظم المعلومات)، حاول اختراق الأجهزة الحساسة، بهدف الحصول على معلومات خاصة بالأمن القومي، وعند اقتحام مقر الشركة، ضبط ما عُرف حينها بـ"خطة التمكين"، التي تضمنت بنوداً هامة في 13 ورقة حول مشروع الهيمنة على مفاصل الدولة.

تعد "خطة التمكين"، من أخطر وثائق الجماعة التي هدفت للسيطرة على المؤسسات الحيوية في الدولة، التشريعية والقضائية والأمنية والإعلامية والدينية، والتأثير في طبقات المجتمع، من الطلاب والعمال والمهنيين ورجال الأعمال والدوائر الشعبية، بما يخدم المشروع البناوي في العمق القاهري.

الهدف الأهم من مشروع "بصاصي الدرك"، أو مشروع جمع المعلومات، داخل جماعة "الإخوان"، يتمثل في الوصول الى العناصر المؤثرة في كل القطاعات المجتمعية، وبين الفئات المهنية، لا سيما الشبابية، والتي يمكن استدراجها أو تحييدها في إطار تغليب العاطفة الدينية تجاه "المشروع الأصولي"، وصناعة دوائر الربط العام التي دعمت الجماعة من دون أن تنتمي الى الإطار التنظيمي.

اتّبع "الإخوان" النموذج الروسي في جمع المعلومات وتحليلها لخدمة أهدافهم ومشروعهم في الوصول الى السلطة، بخاصة الأساليب المتبعة في معهد "لينين" والأكاديمية الشيوعية، والتي تتوافق مع التنظيمات السرية، بناءً على ما ذكره القيادي السابق في الجماعة الدكتور ثروت الخرباوي.

عقب ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013، كانت الكلمات الأكثر تداولاً في تهديدات "الإخوان"، مثلت التلويح باستخدام ما لديهم من معلومات خاصة عن قيادات المؤسسات الأمنية والسيادية وعدد من رموز النخبة السياسية والإعلامية، وعوائلهم، الى جانب أن العمليات المسلحة التي نالت من بعض ضباط الجيش والشرطة، مثل استهداف الرائد محمد أبو شقرة، والمقدم محمد مبروك، كان العامل المشترك فيها المعلومات المسربة.

ولا يمكن تجاهل التصريحات التي أطلقتها قيادات إخوانية خلال تولي محمد مرسي الرئاسة المصرية، مثل خيرت الشاطر وعصام العريان، وتهديدهما القوى السياسية بامتلاك الجماعة تسجيلات صوتية وفيديوات ضدهم، ما يمثل اعترافاً ضمنياً بتجسسهم  على مخالفيهم.

كما أن مختلف الأجنحة المسلحة التابعة لـ"الإخوان"، والتي تم تفكيكها وإلقاء القبض على قياداتها، تضمنت لجاناً خاصة للرصد والمراقبة وجمع المعلومات عن الكيانات والعناصر المراد استهدافها، وفقاً لمنهجية التدريب والتأهيل التي تمرّست عليها القواعد التنظيمية.

أبرزت القضية الرقم 138 لسنة 2015 عسكرية، والمتّهم فيها 28 إخوانياً، أهمية محور المعلومات لدى قيادات الجماعة، بعد اتهامهم بمحاولة اختراق قاعدتي بيانات وزارتي الداخلية والدفاع، والحصول على نسخة من أرشيف معلومات البورصة المصرية، والشركات المتعاملة مع البورصة، والأسهم المتداولة بالصعود والهبوط وكل الإخطارات الواردة إلى البنك المركزي المصري، والقائمة الكاملة للشركات المتعثرة. 

لم تقف المعلومات الواردة في تحقيقات القضية عند هذا الحد، لكنها تطرقت إلى حصول الجماعة على تقارير تتعلق بوحدات القوات المسلحة وتمركزاتها، والتجهيزات الهندسية الخاصة بتأمينها وتأمين النقاط المنعزلة، وتأمين بعض منشآت الدولة، والتجهيزات الخاصة بمنظومة المراقبة الأمنية لمباني المطارات، وتوزيع المركبات بالأرقام والأسماء، ورؤساء أفرع الهيئة الهندسية ومديريها.

عن "النهار" العربي

الصفحة الرئيسية