الإخوان يبحثون عن ملاذات آمنة... هل تتنبأ أوروبا الشرقية بالخطر القادم؟

الإخوان يبحثون عن ملاذات آمنة... هل تتنبأ أوروبا الشرقية بالخطر القادم؟

الإخوان يبحثون عن ملاذات آمنة... هل تتنبأ أوروبا الشرقية بالخطر القادم؟


18/06/2023

بعد أن أغلقت الأبواب بوجه تنظيم الإخوان المسلمين في الكثير من ملاذاتها التقليدية بالشرق الأوسط وبغرب أوروبا، بدأت بشكل جدي تبحث عن مقرات جديدة وآمنة لها في دول شرق القارة العجوز.

ورغم أنّ الجماعة سجلت وجودها في شرق القارة العجوز منذ أعوام، فإنّ الفترة الماضية شهدت خطوات متسارعة للتنظيم المصنف إرهابياً في الكثير من الدول، لتكثيف وجوده داخل مناطق معينة؛ مثل: البوسنة والهرسك، لتوفير ملاذات آمنة لعناصرها وأنشطتها.

ووفقاً لدراسة نشرها المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، فإنّه لا تتوفر معلومات دقيقة حول أعداد الإخوان في دول شرق أوروبا حتى الآن، إلا أنّ غالبية التقديرات تشير إلى تسلل عناصر التنظيم داخل تلك المجتمعات سراً في انتظار الإعلان عن شبكات تتبع الإخوان مباشرة، أو ممارسة النشاط بشكل موسع، كما هو الحال في دول أوروبا الغربية.

وتشير المعلومات المتاحة حول بداية التواجد الإخواني في شرق القارة العجوز إلى أنّ المعلومات تتعلق ببعض الطلاب من المنتمين للجماعة شكلوا شبكات، كانت صغيرة في بدايتها ثم باتت مترامية الأطراف في الوقت الراهن، وتعمل كأذرع قوية للتنظيم.

ووفق دراسة حديثة لمركز توثيق الإسلام السياسي (حكومي) في النمسا، وفي دول مثل التشيك، وسلوفاكيا، والمجر، وسلوفينيا، وكرواتيا، ورومانيا، أسست مجموعات طلابية صغيرة خلايا تابعة للتنظيم تعمل حالياً في حدود معينة، أبرزها، اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، والاتحاد الإسلامي للمنظمات الطلابية الشبابية (فيمسو).

شهدت الفترة الماضية خطوات متسارعة لتنظيم الإخوان في الكثير من دول أوروبا الشرقية، لتوفير ملاذات آمنة لعناصرها وأنشطتها

ويتمتع الإخوان بوجود محدود في بلدان مثل ألبانيا أو كوسوفو، اللتين تضمان عدداً كبيراً من المسلمين، ويمكن تتبع عدد من الكيانات في هذه البلدان وربطها بالتنظيم الدولي للإخوان، وأكبر منظمتين نشطتين في أوروبا؛ اتحاد المنظمات الإسلامية، والاتحاد الإسلامي للمنظمات الطلابية الشبابية (فيمسو)، لكنّ الوضع يختلف تماماً فيما يتعلق بالبوسنة والهرسك، فقد أسس التنظيم فيهما جمعيات ومراكز تابعة في وقت مبكر.

 برزت الشبكات القريبة من جماعة الإخوان بالبوسنة والهرسك منذ أوائل التسعينيات، بالتزامن مع إنشاء عدد من المنظمات غير الحكومية التي تدير الخدمات الإنسانية، لكنّها في بعض الأحيان قدمت الدعم للمسلحين المشاركين في صراع البوسنة في ذلك الوقت تحت ستار العمل الإنساني. ورغم أنّ نشاط الإخوان في البوسنة كان مكثفاً منذ أوائل التسعينيات، إلا أنّ التواصل بين الجماعة وبعض المسلمين في البوسنة بدأ في أربعينيات القرن الماضي بتأسيس ما يعرف بمنظمة (الشباب المسلم).

غالبية التقديرات تشير إلى تسلل عناصر الإخوان داخل تلك المجتمعات سراً، في انتظار الإعلان عن شبكات تتبع الجماعة، وممارسة النشاط بشكل موسع

 وأكد مركز توثيق الإسلام السياسي أنّ معظم الإخوان الذين نشطوا في البوسنة والمناطق المجاورة لها، خلال الحرب، تركوا البلاد بعد انتهاء الصراع. ومع ذلك وجد التنظيم العالمي للإخوان حلفاء في شخصيات محلية بارزة في البوسنة، مثل الرئيس السابق إيشا إزتبريغوفيتش والمفتي السابق والحالي للبلاد مصطفى سيريتش وحوسين كافازوفيتش على الترتيب، حسب التقرير ذاته.

 وبحسب التقرير الصادر عن مركز (جلوبسيك) في كانون الأول (ديسمبر) عام 2020  ارتبطت شخصيات بارزة داخل البلاد بجماعة الإخوان بشكل مباشر، في مقدمتها مفتي البوسنة السابق الدكتور مصطفى سيريتش، ويشير التقرير إلى أنّه كان عضواً في المجلس الأوروبي للفتوى والبحوث المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، فضلاً عن كونه عضواً داخل منظمة (المنهج الوسطي الراديكالي)، مقرها في لندن، والتي عملت منذ أعوام على تنسيق التعاون بين الجماعة وقيادات بارزة داخل أوروبا.

ونفوذ الإخوان المسلمين في البوسنة قديم يعود لفترة التأسيس. حيث كان أول رئيس للبوسنة المستقلة عزت بيجوفيتش عضواً في منظمة (الشبان المسلمين)، وهي منظمةٌ أسِّست على غرار جماعة الإخوان المسلمين عام 1939.

 أمّا في مقدونيا الشمالية، فتتنوع التركيبة السكانية، ويغلب عليها تركيبة إسلامية متنوعة بين مجموعة من الأعراق، مثل الألبانية والتركية والسلافية، ويمثل المسلمين في داخل البلاد (الطائفة الدينية الإسلامية) التي نظمت نفسها في 1991 بعد استقلالها عن يوغوسلافيا، واعترفت بها الدولة في 1994.

أسست الجماعة بالبوسنة والهرسك جمعيات ومراكز تابعة لها في وقت مبكر تضم شخصيات عامة وبارزة

 وفي كانون الأول (ديسمبر) 2020 أورد تقرير صادر عن مشروع مشترك بين مركز جلوبسيك (GLOBSEC)  ومشروع مكافحة التطرف  (CEP)أنّ منتدى منظمات الشباب والطلاب المسلمين الأوروبية ما يعرف باسم (FEMYSO)، يُعدّ من أبرز المنظمات البارزة في شمال مقدونيا والمرتبطة بجماعة الإخوان.

 وأشار التقرير إلى منظمة منتدى الشباب الإسلامي (FRI) باعتبارها الأكثر اتساقاً مع تنظيم الإخوان، وتقع في مدينة (تيتوفو).

 أمّا الإخوان في أوكرانيا، فقد تحدثت تقارير عديدة عن طبيعة التواجد الإخواني فيها، كذلك الأدوار التي لعبها التنظيم تزامناً مع الأزمة أو قبلها، ففي آذار (مارس) 2022، أصدرت جماعة الإخوان ممثلاً بـ (مجلس مسلمي أوكرانيا) المعروف باسم (الرائد) بياناً أعلن التزمه بمساندة بلاده، وأدان الحرب، باعتباره مؤسسة محلية تعمل داخل أوكرانيا.

بداية التواجد الإخواني في شرق القارة العجوز تتعلق ببعض الطلاب من المنتمين للجماعة شكلوا شبكات، كانت صغيرة ثم باتت مترامية الأطراف

 تؤكد معلومات أنّ مؤسسة (الرائد) التي تأسست في عام 1997 تمثل الكيان الأقوى التابع للإخوان المسلمين داخل أوكرانيا، ويرأسها سيران عريفوف، وهو أوكراني الأصل، يعود بجذوره إلى إثنية تتار القرم، الذين عادوا إلى أوكرانيا مجدداً بعد الاستقلال، وهو أول رئيس للاتحاد من مسلمي أوكرانيا الأصليين. وتعمل (9) من المنظمات والمراكز الإسلامية تحت مظلة (الرائد) في العاصمة كييف، ومدن دنيبروبيترفسك، وزوبوريجا، وسومي، ولفيف، وخاركيف، كما أدار الفرع جمعيات إسلامية عدة منها: جمعيتا النور والأنصار في كييف، والمسار في أوديسا، والمستقبل في دنبيرو.

 وتنشط المؤسسة بشكل ظاهري في مجالات الخدمة العامة، خاصة للجاليات المسلمة، كما تعرف نفسها، لكنّ مهمتها الأساسية هي التعريف بجماعة الإخوان، وتجنيد الشباب الجدد من مختلف الجنسيات، ولذلك تقيم مخيمات صيفية وتدريبية في حزيران (يونيو) من كل عام تتنوع فيها الأنشطة الترفيهية بالممارسات الدعوية والسياسية، كما ينشط الاتحاد في حملات التشجير والتبرع بالدم، وترميم المنازل، وتقديم الخدمات في مجال التعليم الديني.

 وتضع السلطات الأوكرانية (الرائد) تحت الرقابة الأمنية منذ عام 2018، بعدما أثبتت تقارير أمنيّة تلقيه دعماً مالياً كبيراً من إحدى الدول الداعمة للإرهاب، كما أسفرت مداهمة للمنظمة عن العثور على منشورات تحرض على العنف والكراهية وتؤسس للخطاب المتطرف، وفي كانون الثاني (يناير) 2020 ألقت السلطات الأوكرانية القبض على (80) متهماً بالعنف، معظمهم من دول آسيا، بعد مداهمة لمقر (الرائد). كما ألقت قوات تابعة لجهاز الأمن الأوكراني “SBO” في أيار (مايو) 2020 القبض على أحد عناصر تنظيم الإخوان المطلوبين لدى القاهرة، وصرح  المتحدث الإقليمي باسم جهاز ألكسي سكريلنيك أنّ المطلوب، ويدعى معتز محمد ربيع، ينتمي إلى التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، ويقوم بالترويج للأفكار الأصولية بين الطلاب الدارسين من المسلمين، في منطقة بولتافا، وأنّ بلاده تخطط لتسليمه إلى مصر.

وفي بولندا، كشف الباحث الأمريكي ذو الأصول الإيطالية لورينزو فيدينوفي في دراسته المنشورة عام 2021 تحت عنوان "هياكل الإخوان في أوروبا"، أنّ بولندا بها نسبة كبيرة جداً من عناصر تنظيم الإخوان بين دول أوروبا الشرقية، ورأى أنّها الأكثر نشاطاً. وتُعدّ "الرابطة الإسلامية المركزية”"، التي تأسست في عام 2004، هي المنظمة المركزية للإخوان داخل بولندا، ويرتبط بها العديد من المنظمات الأخرى مثل (فيمسو)، ذلك فضلاً عن الرابطة الدينية الإسلامية التي تأسست عام 1925، وتعمل مؤخراً بالتنسيق مع عدد من قيادات الجماعة داخل بولندا وخارجها. ومن أبرز قيادات الإخوان في بولندا عبد الجبار الكبيسي الذي شغل العديد مناصب قيادية في منظمة  “EUrope Trust”، وهي مؤسسة إخوانية نشطة في عدة دول أوروبية.

وأكد المركز الأوروبي أنّ غالبية الدول في شرق أوروبا تنظر إلى التواجد الإخواني باعتباره محدوداً للغاية وغير مؤثر، وحتى في ضوء التحذيرات الأمنية من احتمالات تنامي نشاط الإخوان داخل تلك الدول، وما يمثله من خطورة على المجتمع والأنظمة الحاكمة.

في دول، مثل التشيك، وسلوفاكيا، والمجر، وسلوفينيا، وكرواتيا، ورومانيا، أسست مجموعات طلابية صغيرة خلايا تابعة للتنظيم تعمل حالياً في حدود معينة

 

 وباستثناء الإجراءات الأوكرانية في عامي 2018 و2020، لا توجد إجراءات أمنية تذكر لتحجيم نفوذ جماعة الإخوان داخل دول أوروبا الشرقية، ولا تبدو الحكومات منتبهة للأمر في الوقت الراهن، خاصة أنّ عمليات التنظيم غير نشطة بالداخل، الأمر الذي يعطي مؤشراً مطمئناً لتلك الدول، تتوهم أنّ الجماعة في حالة سكون ولا تمثل خطراً، لكن من المتوقع أن تراجع تلك الدول سياستها في القريب العاجل، في ضوء تنامي الإجراءات الأوروبية ضد التنظيم، وكثافة التقارير الأمنية والاستخباراتية التي تحذّر من نشاطاته، الإخوان المسلمون في أوروبا، الهيكل التنظيمي، المخاطر والتحديات.

 يُذكر أنّ دول أوروبا الشرقية تضم كلاً من: أوكرانيا، بولندا، رومانيا، جمهورية التشيك، سلوفاكيا، المجر، كرواتيا، سلوفينيا، البوسنة والهرسك، الجبل الأسود، ألبانيا، اليونان، أرمينيا، أذربيجان، بيلاروسيا، بلغاريا، جورجيا، صربيا، مقدونيا، مولودفا.

مواضيع ذات صلة:

لماذا تتخوف أوروبا من انهيار الوضع التونسي؟

هكذا يسهم الإقصاء المتبادل بتعزيز الإرهاب في أوروبا

ماذا جرى لشبكة الاقتصاد الإخواني في أوروبا؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية