الإسلام معركة كُبرى في الانتخابات الرئاسية الفرنسية

الإسلام معركة كُبرى في الانتخابات الرئاسية الفرنسية


20/02/2022

ترجمة: علي نوار

دولة يَقال عنها أنّها منقسمة على نفسها، ولم تعد تعرف ذاتها، ويبدو النقاش فيها أصعب بمرور الوقت، لكن القيم والأفكار تشهد تقارباً أكثر من أيّ وقت مضى كذلك: إنّها المعضلة الفرنسية التي ينبغي التطرّق إليها قبل انطلاق الانتخابات الرئاسية.

تمرّ فرنسا بمرحلة غريبة للغاية في تاريخها، ويجري وصفها عبر صفحات المجلات والمقالات بالمنقسمة والمشتتة والمفتتة، والحافلة بالضجيج والغضب والتوتر.

وبدأ الأمر بالحديث عن إهمال المركز للضواحي ومشروعية الغضب المسيطر على الضواحي ضدّ هذا الازدراء.

الشعور بالانقسام الداخلي

ومن هنا انبثقت فرضية الأرخبيل الفرنسي، ومفادها أنّه "إذا كان نظامنا السياسي غير فعال ويمرّ بتحوّلات وصدمات متتالية عنيفة، فإنّ ذلك راجع إلى الانقسام الحادث داخل المجتمع، كما أنّ تلاقي المصالح يجعل مسألة تجاوز هذا الانقسام عصيّة على التحقّق، نجد أنفسنا أمام شعور متنامٍ بـ "حالة الأرخبيل" داخل المجتمع الفرنسي.

والواقع أنّ هناك عدّة خطوط فاصلة لأسباب تتعلّق بالتعليم والجغرافيا والمسائل الاجتماعية واختلاف الأجيال والأفكار، علاوة بالطبع على التنوّع العرقي والثقافي "ما قد يعني زيادة الإحساس بنشوء جزر متفاوتة المساحة"، حسبما يرى المحلّل والخبير السياسي الفرنسي جيروم فوركيه.

اقرأ أيضاً: هكذا يستفيد إخوان فرنسا من ثغرات "منتدى الإسلام"

في المقابل، يعتقد بيير روزانفالو أنّ تصاعد الشعور بالانقسام الاجتماعي ووجود حالة من الصراع الداخلي والانهيار، أسهم في اللجوء إلى المنطق وصوغ إستراتيجيات سياسية، حتى لو كانت وسائل التواصل الاجتماعي تمتلئ عن بكرة أبيها بخطاب الكراهية والغضب والسخط، وحيث باتت الإساءة أمراً  مألوفاً؛ بل إنّ وسائل الإعلام المرئية والمسموعة صارت تستهدف عرض وجهات النظر الأكثر تشدّداً وجذباً للاهتمام.

إريك زمور المرشح للرئاسة الفرنسية: يجدر بالفرنسيين الذين يعتنقون الإسلام أن يعيشوا على الطريقة الفرنسية وألا يضعوا الشريعة الإسلامية في موقع أعلى من قوانين الجمهورية

كلّ ذلك يجعل الساحة مواتية لظهور استقطاب سياسي، لا سيما مع الإغراق في عرض آراء مثل رفض اللقاحات ومعاداة تصاريح المرور الطبية ونظرية مؤامرة "الاستبدال الكبير"، وبالفعل حظيت مناظرة المرشحَين الرئاسيَّين، جان لوك ميلينشون وإريك زمور، بمتابعة 3.8 مليون شخص، عبر شاشة قناة "بي إف إم"، بينما شاهد مليون شخص مناظرة فاليري بيكريس ودارمانان على قناة "فرانس 2" في التوقيت نفسه.

وتوحي استطلاعات الرأي بحالة انقسام شديدة في فرنسا، لكن هناك قراءة أخرى لهذه المؤشرات، تقدّم رؤية مغايرة للبلاد: فلم يسبق أن توافق هذا العدد من الفرنسيين على المبادئ والأفكار ذاتها، لم يكن هناك من قبل هذا الكمّ من المعتدلين والمؤيّدين للتفاوض والالتزام، وما يحدث هو أنّه يجري طرح تساؤلات على الهويّة، ولم يعد هناك من يضع ثقته العمياء في أيّ أحد.

هل يتّجه الفرنسيون نحو الاعتدال فعلاً؟

واللافت للانتباه في الآونة الأخيرة؛ هو اتّجاه فرنسيين نحو تبنّي مواقف وآراء سياسية معتدلة، فعندما يُطلب إليهم الاختيار بين اليسار واليمين، يفضّلون الوسط وينبذون الأطراف البعيدة. وتكشف الأرقام تراجعاً سنوياً في أعداد المحسوبين على اليسار أو اليسار المتشدد، وكذلك اليمين واليمين المتشدّد لصالح تيار الوسط، سواء يمين وسط أو يسار وسط.

ويعتقد 84% من الفرنسيين أنّ النظام الديمقراطي هو الأمثل لحكم البلاد، ويعدّ  80% منهم أنّ ممارسة الحقّ في التصويت أمر لا غنى عنه من أجل إحداث تغيير، ويؤكّد 72% أنّه لا بديل عن النظام الديمقراطي، ويرى 65% أنّ الديمقراطية الفرنسية قادرة على العمل بشكل أفضل إذا شاركت منظّمات المجتمع المدني والنقابات في اتّخاذ القرارات السياسية المهمة، والمفارقة الأهم هنا هو أنّ 83% من الفرنسيين لا يقبلون استخدام العنف لحماية مصالحهم.

العداء للإسلام والخوف من الهجمات الإرهابية

وهنا تتبادر إلى الأذهان تساؤلات عديدة حول ملفّات الهجرة والدين الإسلامي والدعوات لإغلاق الحدود وآراء بعينها تظهر من قطاع ليس بالهيّن من المجتمع الفرنسي، وبشكل عام يظنّ 66% من الفرنسيين أنّ هناك "أجانب أكثر مما ينبغي في فرنسا"، بينما اعترف 62% منهم بأنّهم صاروا لا يشعرون بوجودهم في بلادهم، كما كان الأمر عليه في السابق.

اقرأ أيضاً: لماذا قطع الحكام العسكريون في مالي العلاقات مع فرنسا؟

كما كشف 72% عن خشيتهم من اندثار الهوية الفرنسية إذا أصبح الإسلام هو ديانة الأكثرية في البلاد، ورأى 62% أنّ الإسلام يمثّل خطراً على الجمهورية، فيما ذكر 69% من المشاركين في الاستطلاعات أنّ الإسلام يستهدف فرض أسلوب حياة بعينه على الآخرين. على أنّ هذه الآراء لا تأتي فقط، كما جرت العادة من اليمين واليمين المتشدد فقط، بل من اليسار كذلك، لا سيما الحزب الاشتراكي الذي يعدّ 50% من أعضائه أنّ هناك الكثير من الأجانب في فرنسا بشكل زائد.

بيد أنّ هذه الآراء تجاه الهجرة وموقع الإسلام في فرنسا ينبغي النظر إليها جنباً إلى جنب مع الخوف من الإرهاب.

 

اقرأ أيضاً: هل يؤجج الانقلاب في مالي الصراع بين روسيا وفرنسا؟

وجدير بالذكر هنا؛ أنّ 83% من الفرنسيين كشفوا أنّ الإرهاب ضمن مخاوفهم، ويفصل التهديد الإرهابي الفرنسيين عن باقي نظرائهم الأوروبيين. فبينما يضع 30% من الفرنسيين الإرهاب والتطرّف في المرتبة الأولى كأخطر التهديدات عليهم وعلى بلادهم خلال الأعوام المقبلة، نجد أنّ هذه النسبة تتراجع إلى 6% بين البولنديين و7% بين الإسبان و9% لدى الإيطاليين و12% في ألمانيا و14% في هولندا.

وعلى سبيل المثال، يفوق الشعور بالتهديد من الإرهاب في فرنسا الخوف من الجوائح (23%) والتغيّر المناخي (18%)، على عكس الدول الأخرى المذكورة؛ حيث يأتي الخوف من الأوبئة وتداعيات التغيّر المناخي في مرتبة متقدّمة على الخطر الإرهابي والأمن القومي.

فرنسا والإسلام قصّة مختلفة

لقد تركت الهجمات الإرهابية العديدة والدامية التي ضربت فرنسا أثراً غائراً بالطبع في العقل الجمعي للفرنسيين، يتّضح بجلاء عند المقارنة بدول وشعوب أوروبية أخرى، وفيما يخصّ الإرهاب والإسلام، ستظلّ فرنسا حالة استثنائية، نتيجة لتعرّضها للمعاناة من حوادث عنيفة على غرار هجوم باتاكلان، وخلال فترة زمنية طويلة تعود إلى 1995 على يد الجماعة الإسلامية المسلّحة.

كشف 72%  من الفرنسيين عن خشيتهم من اندثار الهوية الفرنسية إذا أصبح الإسلام هو ديانة الأكثرية في البلاد، ورأى 62% أنّ الإسلام يمثّل خطراً على الجمهورية

قطعاً، تعدّ فرنسا وعلاقتها بالإسلام والإرهاب قصّة فريدة ومختلفة كلياً عن جيرانها في المحيط الأوروبي.

تصاعد خطاب الكراهية

ومع قرب إجراء الانتخابات الرئاسية، عاد الإسلام ليتصدر أهم الملفّات في المعركة الانتخابية ويصدّر للكثير من المسلمين الفرنسيين الشعور بالقلق نتيجة لخطاب الكراهية نحو أكبر أقلّية دينية في البلاد، خاصة التصريحات التي أطلقتها مرشحة اليمين المتشدد، مارين لوبان، زعيمة حزب "التجمع الوطني"، وكذلك الصحفي إريك زمور وهو يهودي، انتقدا خلالها الإسلام ووصماه بالإرهاب وتشكيله تهديداً على الأمن القومي الفرنسي.

 

اقرأ أيضاً: لماذا غيرت باريس موقفها من الحوار مع الجهاديّين في مالي؟

ولم تتوقّف الأمور عند هذا الحدّ، بل تلقّف هذه العبارات مسؤولون من اليمين المحافظ وحلفاء لرئيس البلاد المحسوب على تيار الوسط، إيمانويل ماكرون، والذي لا ينفكّ يحذّر من خطر الإسلام الأصولي.

وعاود زمور ممارسة هوايته بإشعال الجدل حين عدّ مدينة روبيه شمالي فرنسا "أفغانستان على مسافة ساعتين من باريس"، في محاولة منه على ما يبدو لحسم معركته مع لوبان على أصوات أنصار اليمين المتشدد، وربّما تجريد فاليري بيكريس مرشّحة اليمين من بعض الأصوات قبل جولة إعادة محتملة مع ماكرون.

وقال زمور: "يجدر بالفرنسيين الذين يعتنقون الإسلام أن يعيشوا على الطريقة الفرنسية وألا يضعوا الشريعة الإسلامية في موقع أعلى من قوانين الجمهورية"، وجاء ذلك بعد اضطرار صحفي لطلب حماية من الشرطة بعد تقرير تلفزيوني أعدّه حول انتشار الإسلام في روبيه".

عوامل تاريخية

مع فصل الدين عن الدولة في فرنسا، عام 1905، أصبحت العلمانية حجر الأساس للهوية في الجمهورية الفرنسية الحديثة. وأدخلت حكومة ماكرون، في 2021، أيضاً قانوناً جديداً لحماية فرنسا مما وصفه الرئيس بـ "نزعة انفصالية إسلاموية" داخل الأراضي الفرنسية.

اقرأ أيضاً: تأسيس "منتدى الإسلام في فرنسا": هل يتأثر النفوذ الإخواني؟

لا يجب كذلك إغفال حقيقة أنّ انتهاء الحقبة الاستعمارية كان بداية لموجات هجرة نحو فرنسا خلال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، لكنّ الأزمة الاقتصادية التي شهدتها البلاد في السبعينيات أدّت إلى فشل مهاجرين كثيرين في إيجاد وظائف، كما أنّ أيّاً من القوة الاستعمارية الأوروبية الأخرى، وعلى رأسها بريطانيا، لم تشنّ حرباً شعواء لإخماد ثورات استقلال وتحرير المستعمرات السابقة، مثلما فعلت فرنسا في حرب استقلال الجزائر.

ويكشف الخبير السياسي باسكال بيرينو: "مسألة الهجرة حاضرة بشكل خاص في فرنسا؛ لأنّها تنكأ جراح قديمة لم تندمل بعد وتعيد إلى الأذهان ذكريات حرب الجزائر المؤلمة والتي تركت ندوباً لا تُمحى في الذاكرة الجمعية".

مصدر الترجمة عن الإسبانية: 

https://bit.ly/3LFGntg




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية