الإمارات وأنسنة المدن

الإمارات وأنسنة المدن

الإمارات وأنسنة المدن


09/05/2023

فاطمة الصايغ

أنسنة المدن أو تأهيل المدن لجعلها صديقة للإنسان والبيئة هو من المفاهيم القديمة الجديدة. فخلال العقود الماضية برز هذا المفهوم بقوة من خلال تطويع كل ما في المدن من منشآت وخدمات وبنية تحتية وتشجير لجعلها صالحة للعيش والعمل وخلق بيئة طبيعية مستدامة. ومفهوم الأنسنة أصبح مفهوماً عالمياً يهدف إلى جعل المدن أكثر ملاءمة للعيش وتمكن المرء من الاستمتاع بحياته وتطوير إمكانياته ومزاولة حياته العملية والفكرية والاجتماعية بكل سهولة ويسر وليس مجرد مكان يعيش فيه الفرد ويعمل. ومن ينظر إلى مدن الإمارات اليوم يرى أن مجمل تلك المدن قد تم تطويرها ليس فقط لتلائم الحياة العصرية، ولكن لتجعل حياة الناس فيها سهلة ومريحة.

وفي الإمارات تم توظيف معايير عدة لبلوغ الأنسنة الفعلية يمكن تلخيصها بإنشاء أحياء تضم المرافق الرئيسة كالمتاجر والمتنزهات والمرافق الصحية والخدمية والتعليمية بحيث لا تبعد أكثر من كيلو متر واحد عن أماكن السكن والعمل وبحيث يستطيع أي شخص من خلال السير على الأقدام القيام بجميع التزاماته اليومية ضمن مسافة قابلة للمشي. وهذا يعني التوفير في الطاقة والموارد البيئية وفي نفس الوقت تبني أسلوب حياة صحي وعصري.

وقد أدرك المخططون الحضريون الآثار الإيجابية في المدن المؤنسنة وكذلك لتلافي الآثار السلبية للمدن غير المؤنسنة. فانعدام العلاقات الاجتماعية والوشائج والأواصر الاجتماعية هو نتيجة سلبية لعدم أنسنة المدن. أما أنسنة المدن فيترتب عليها خلق وشائج اجتماعية وترابط بين سكان الأحياء وتبني أسلوب حياة صحي وتوفير الراحة والاستقرار لسكان تلك الأحياء هذا بالطبع بالإضافة إلى استدامة الموارد الطبيعية وحماية البيئة.

إن أنسنة المدن لها عادة توجهات عالمية عدة منها الإبقاء على الأحياء القديمة وتحويلها إلى تحف عمرانية تكون نقطة جذب سياحي، بالإضافة إلى كونها تحفظ لنا ذاكرة الأجيال الماضية. فمن ينظر إلى منطقة الشندغة في دبي، مثلاً، يرى أمامه تحفاً معمارية خلدت لنا تراث الآباء والأجداد بالإضافة إلى كونها صديقة للبيئة ورمزاً للاستدامة.

إن التركيز على البعد الإنساني في المدينة في تصميم أو إعادة تأهيل الأحياء هو لا شك في صالح الإنسان وصالح البيئة، خاصة إذا ما تم هذا التأهيل في إطار الرؤى التي تتركز عليها سياسة الدولة في حفظ التاريخ والتراث. لذا نجد التخطيط الحضري في الإمارات يهدف إلى تأهيل المدن بكامل أحيائها حتى تكون صديقة للإنسان والبيئة ضمن المسارات التي ترتكز عليها رؤية القيادة الرشيدة.

ومنذ تبنيه، أضاف مفهوم الأنسنة بعداً إنسانياً وحضارياً وحضرياً جميلاً على الدولة بأسرها. فمما لا شك فيه أن التطور السريع الذي لحق بمدن الإمارات خلال العقود الماضية قد أفرز عدة تحديات أمام سكان المدن خاصة. فكان الحل للكثافة السكانية وتأثر العلاقات الاجتماعية والتحديات الحضرية الأخرى، بتبني الأنسنه لتلافي الآثار السلبية المترتبة على ذلك التطور السريع الذي مرت به الدولة.

إن أنسنة المدن لها أهداف اقتصادية بالإضافة إلى أهدافها البيئية المتعددة. فعن طريق الترشيد في استهلاك الطاقة والموارد البيئية الأخرى، تستطيع الدولة أن تحافظ على تلك الموارد للأجيال القادمة. كذلك فإن تبني الأنماط الصحية في العيش والعمل يقلل من فرص انتشار الأمراض والأوبئة، وبالتالي انخفاض تكلفة الرعاية الصحية للفرد. ومن الأهداف الاقتصادية التي تسعى لها كل مدن العالم من خلال الأنسنة هو أن تكون تلك المدن مورداً سياحياً مهماً ونقطة جذب اقتصادي وتوليد وظائف جديدة.

إن أنسنة المدن وتأهيل الأحياء القديمة والمواقع التراثية المنتشرة في مدن الإمارات هو جزء مهم من الاهتمام بالسياحة الثقافية عموماً. فعملية الاهتمام بالترميم والتأهيل العمراني القائم على التراث والمشتق من التاريخ المحلي قد أتى أكله.

فقد برزت في الإمارات عدة مواقع أصبحت اليوم مسجلة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي. هذا الأمر هو جزء بسيط من تحقيق الأنسنة الفعلية في المدن. فالأنسنة سوف تحمل معها العديد من المنافع الاقتصادية الأخرى للمدن ومنها تشجيع رواد الأعمال على مشاريع ابتكارية تعود بالنفع عليهم وعلى القاطنين في تلك المدن. فمع وجود الطاقات الشبابية والأفكار الابتكارية والذكاء الاصطناعي سوف تكون عملية أنسنة المدن مهمة ليست بالصعبة. إن منطقتنا الخليجية منطقة ارتبطت بالأنسنة منذ القدم وقد حان الأوان لجعل مدننا مجدداً صديقة للإنسان والبيئة.

عن "البيان" الإماراتية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية