الإمارات وإدارة الأزمات

الإمارات وإدارة الأزمات


29/03/2020

ناجي صادق شراب

فرضت جائحة كورونا تصنيفاً جديداً للدول، بعيداً عن التصنيف التقليدي الذي يعتمد على القوة وحدها، وهذا التصنيف يقوم على قدرة الدولة، وقوتها، ورؤية قيادتها في كيفية إدارة الأزمات، خصوصاً في أزمة عالمية كجائحة كورونا، التي كشفت لنا كيف أن دولاً كبرى فشلت في التصدي لها، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي كشفت ضعفاً في درجة الاستجابة، والتنسيق العالمي، والمبادرات الإنسانية، وفي نقص بعض الأدوات اللازمة، على الرغم من أنها من أغنى الدول، وقد يعزى ذلك إلى أن القيادة فيها استخفت بالفيروس في بداية الأمر، ولم تدرك أن هذا الفيروس يمكن أن يصل إليها بسرعة.
الإمارات كانت سباقة في الاستجابة والاستعداد لمواجهة هذا الفيروس، رغم أنها تقع في حزام جغرافي نشأ فيه الفيروس، حيث بدأ في الصين، ثم امتد إلى إيران، ولا ننسى أيضاً، وجود أكثر من مئتي جنسية تعيش وتعمل على أرضها، وهذا قد يضيف صعوبات كبيرة. فالإمارات كانت الدولة العربية السباقة في إغلاق المدارس، والتبكير بالإجازة فيها، وتبني فكرة التعليم عن بعد التي تحولت نموذجاً يقتدى لبقية الدول العربية، وغيرها.
ومن أبرز مظاهر إدارة الأزمة نجاح الاستعداد المسبق في توفير البنية الصحية المتكاملة، والقادرة على استيعاب أي تحولات مَرضية، وأوبئة مفاجئة.
وقد يتساءل البعض: وهل تعرف الإمارات أن هناك «فيروساً» سوف يظهر، وينتشر عالمياً، حاصداً آلاف الأرواح، وعازلاً ملايين البشر في بيوتهم. والإجابة عن التساؤل، هي أن هناك رؤية رشيدة ومستقبلية للقيادة في دولة الإمارات. فالقيادة الناجحة لا تنتظر ظهور وباء، أو أي أزمة، من دون استعدادات مسبقة من مواد غذائية، وأدوية كافية، ومستشفيات، وغرف للعناية المركزة لديها القدرة والكفاءة البشرية. ومن مظاهر الاستعداد المسبق توفر أجهزة الفحص الكافية، واتباع سياسات صارمة، وحاسمة في المطارات، من دون قلق، أو تخوف من حيث قدرتها على فحص كل القادمين، وتوفر أماكن راقية للحجر الصحي. وتكمن مظاهر إدارة الأزمة في العقلانية، والشفافية في المعلومات من قبل وزارة الصحة.
المهم في هذه الرؤية هو خطاب القيادة الواضح والصريح الذي يؤكد على المسؤولية الوطنية، وتسخير كل إمكانات الدولة لحماية كل المواطنين، والمقيمين، وهذا هو الجانب المهم في إدارة الأزمة الناجحة في دولة ألإمارات. وهناك جانب آخر يتعلق بالمواطنين، وسرعة استجابتهم للتعليمات، والإرشادات التي تصدر عن مؤسسات الدولة، ومن دون هذا الالتزام تنهار كل جهود الدولة، كما رأينا في دول متقدمة كإيطاليا، وفرنسا، وبريطانيا، وأمريكا، كيف أن عدم الالتزام أدى إلى انتشار سريع، للفيروس خارجاً عن قدرة الدولة، وإمكاناتها، وكانت النتيجة الخسائر، والإصابات البشرية الكبيرة.
هذه الاستجابة من قبل المواطن دليل نجاح سياسات الدولة في التربية، والتنشئة الوطنية، وشعور كل مقيم على أرض الإمارات بأنه جزء من هذه الدولة.
ويبقى هناك جانب مهم في هذا المحور من إدارة الأزمة، وهو المساهمات الخيرية التطوعية التي قدمها عدد كبير من رجال الأعمال المواطنين، ومؤسسات المجتمع، اعترافا بفضل الدولة في ما تم تحقيقه من ثروة.
أما المحور الآخر لإدارة الأزمة فهو في الجانب الخارجي الذي يعكس إنسانية، وتسامح دولة الإمارات، فلم تتعامل دولة ألإمارات مع أزمة الفيروس من منظور انعزالي، فقد بادرت بتقديم المساعدات الإنسانية لإيران، رغم الخلافات معها، وعرضت مساعدتها على كثير من الدول، حتى الأوروبية مثل صربيا، وكرواتيا، ولمسنا هذا في ما كتبه زلاتكوواليتش، المدير الفني للفريق القومي لكرة القدم الكرواتي: «أشكر دولة الإمارات على إرسالها 11,5طن من المعدات والأجهزة الطبية لمحاربة «كورونا» في كرواتيا»، إدراكاً من القيادة بأن نجاح مواجهة هذا الفيروس لا يتوقف على دولة الإمارات فقط، إذ لا بد من الاستجابة الفعلية والسريعة لتقديم المساعدات للدول المحتاجة، والتنسيق مع منظمة الصحة العالمية، ودعمها في أنشطتها.
هذا الجانب من الأزمة يبين لنا الدور، والمكانة التي تحظى بها دولة الإمارات في كل دول العالم. هذه هي الجوانب أو المنظومة الكاملة لنجاح دولة الإمارات في إدارة الأزمة.
وهذه العناصر المتكاملة تقف وراء نجاح جهود دولة الإمارات في مواجهة هذا الفيروس، وكبحه، على طريق التغلب عليه بشكل كامل، وبذلك تكون دولة الإمارات قدمت أنموذجاً جديداً إلى جانب أنموذجها في الإنسانية والتسامح، هو أنموذج الإدارة العقلانية لأخطر أزمة تواجه العالم. 

عن "الخليج" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية