الإيغور في تركيا… من طائفة مرحب بها إلى نزلاء في مراكز الترحيل

الإيغور في تركيا… من طائفة مرحب بها إلى نزلاء في مراكز الترحيل


15/03/2021

جال بخاطر إحسان عبدالباسط أنه لن يرى زوجته وابنته التي تبلغ من العمر عامين مرة أخرى، وذلك عندما داهمت شرطة مكافحة الإرهاب شقته الكائنة بمدينة إسطنبول في نوفمبر 2020 وأرسلته إلى مركز للترحيل.

وبعد مرور شهر قرر مركز بينكليك لإعادة التأهيل بضاحية كاتالكا بإسطنبول الإفراج عنه، غير أنه لا يزال يجهل التهمة التي توجهها السلطات إليه.

ويقول شهود ومحامون إن تركيا تقوم منذ أشهر باحتجاز العديد من أبناء قومية الإيغور الصينية المسلمة المهاجرين إليها، وتضعهم في مراكز للترحيل شديدة الحراسة بتهم تتعلق بالإرهاب دون تقديمهم للمحاكمة.

وبينما تقول المنظمات الحقوقية إن هؤلاء الأشخاص يواجهون خطر الترحيل إلى الصين، يوشك البرلمان التركي على التصويت على اتفاقية لتبادل المجرمين معها.

ولم يتضح بعد عدد الإيغور المحتجزين بهذه المراكز، ولم يتوفر تعليق من هيئة الهجرة التركية على هذه المسألة.

وقام الإيغور في تركيا باحتجاجات منذ ديسمبر 2020، حيث يسعون بأقصى جهد لنشر الوعي بمخاطر ترحيلهم إلى الصين، كما يقول كثير منهم إن أفرادا من أسرهم صاروا في عداد المفقودين بإقليم شينغيانغ الكائن بشمال غربي الصين.

وكانت تركيا ترحب لفترة طويلة بأفراد قومية الإيغور المسلمة المتحدثين باللغة التركية، بمن فيهم من رجال أعمال وأكاديميين الذين هربوا من الصين، والآن صاروا يخشون من إعادتهم إلى بلادهم حيث يمكن أن يواجهوا عقوبة السجن بسبب اتهامات بالإرهاب أو تتعلق بالسعي للانفصال.

واتخذت تركيا مؤخرا مواقف متشددة ضد الإيغور. ويقول المحامي والأكاديمي إلياس دوجان إن “الاعتماد الاقتصادي المتزايد” يسمح لبكين بأن تمارس ضغوطا سياسية على أنقرة.

ويدافع دوجان عن عدد من الإيغور المحتجزين داخل مراكز إعادة التأهيل، والذين يصفهم بأنهم “ليس لديهم سجل إجرامي، بل ولا أي مخالفة مرورية”.

ومن بين الإيغور الذين لا يزالون محتجزين بمركز للترحيل عبدالرحمن (36 عاما)، وكان يستعد لركوب الحافلة العامة من إسطنبول للقاء أسرته بمدينة قيصرية على مسافة 800 كيلومتر في أكتوبر 2020 عندما أرسلته الشرطة التركية إلى مركز الترحيل.

وبعد خمسة أشهر لا يزال عبدالرحمن قابعا داخل المركز الكائن شمال غربي إسطنبول بدون محاكمة. وقال في مكالمة هاتفية مقتضبة مع وكالة الأنباء الألمانية “إننا نريد فقط أن نعود إلى أسرنا”، حيث يسمح له بالتحدث مع أسرته مرة في اليوم عن طريق هاتف أرضي.

ومثل الآلاف من الإيغور الآخرين هرب عبدالرحمن مع أفراد أسرته للتخلص من الضغوط السياسية التي تعرضوا لها في إقليم شينغيانغ عام 2014، حيث سافروا أولا إلى ماليزيا ومنها إلى تركيا أملا في مستقبل أفضل وتركوا الأباء والأمهات في الإقليم ولم يسمعوا عنهم أي خبر منذ 2016.

وتخشى فاطمة زوجة عبدالرحمن أن يتم ترحيلهم إلى أحد معسكرات الاحتجاز ذات السمعة السيئة في الصين، وتطلق الصين عليها “مراكز إعادة التثقيف”، حيث يتم “إعادة تأهيل” من يزعم أنهم انفصاليون أو متطرفون دينيون من بين الإيغور وغيرهم من الأقليات المسلمة.

واستقر عبدالرحمن وأسرته في مدينة قيصرية التي يسودها التيار السياسي المحافظ، كما أنها تعد مركزا صناعيا في قلب الأناضول، وتمكن من الحصول على أعمال مؤقتة في المطاعم والأعمال الموسمية الزراعية.

ومع غياب عبدالرحمن الآن، تدعو فاطمة بألا تتحقق أسوأ كوابيسها، وتقول “زوجي لا يعتنق أية أفكار متطرفة، ولا نريد أن يتم ترحيله”. وتعتمد فاطمة، وهي أم لخمسة أطفال ولا تستطيع العمل، على جيرانها ليسددوا عنها قيمة إيجار الشقة.

وتلقي الحالة السيئة التي تعانيها أسرة عبدالرحمن الضوء على مشاعر الخوف المتزايدة لدى ما يقرب من 50 ألفا من الإيغور المقيمين في تركيا، وسط عمليات الاحتجاز التعسفية التي تعرضوا لها مؤخرا، وليس سرا أن الشرطة التركية تلقي القبض على بعض الإيغور استنادا إلى “بلاغات وقوائم أسماء أو حسابات على منصات التواصل” تقدمها السلطات الصينية.

وأقر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في ديسمبر 2020 بأن الصين طلبت من أنقرة تسليمها عددا من الإيغور، ومع ذلك قال إن بلاده ترفض استهداف الأشخاص “الأبرياء”.

ولم يتضح بعد الموعد الذي سيناقش فيه البرلمان التركي التصديق على اتفاقية تبادل تسليم المجرمين مع الصين.

ومع ذلك تخشى المنظمات الحقوقية والمعارضة أن تستسلم أنقرة أمام الضغوط السياسية المكثفة التي مارستها بكين مؤخرا لتسليم شخصيات من الإيغور تعتبر الصين أنها تشكل تهديدا.

وقال أوتكو كاكيروزر النائب عن حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة في تركيا في كلمة له أمام البرلمان في يناير الماضي إنه لا يجب على الحكومة “ترك شقيقاتنا وأشقائنا من الإيغور يعانون بسبب المعونة المالية التي تقدمها الصين”.

وأصبح التقارب الاقتصادي مع الصين واضحا خاصة منذ 2018، عندما قدم البنك الصناعي والتجاري الصيني المملوك للدولة قرضا لتركيا يبلغ 3.6 مليار دولار، وتواكب ذلك مع أزمة تراجع سعر الليرة التركية وسط خلافات دبلوماسية مع الولايات المتحدة.

وتشير بيانات وزارة الخارجية التركية إلى أن الصين ضخت استثمارات بقيمة ملياري دولار في بعض القطاعات الإستراتيجية التركية ذات الأهمية بالنسبة إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية.

وقال أفراد من مجتمع الإيغور إن المخاوف المتزايدة من الترحيل دفعت العديد منهم إلى مغادرة تركيا والانتقال إلى دول أوروبية مثل ألمانيا أو هولندا.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية