الاستيطان الرعوي: تجنيد إسرائيليين للعمل كرعاة للسيطرة على أراضي الفلسطينيين

الاستيطان الرعوي: تجنيد إسرائيليين للعمل كرعاة للسيطرة على أراضي الفلسطينيين


17/08/2021

لم تعد عمليات الاستيطان الإسرائيلي تقتصر على بناء المستوطنات وشقّ الطرق الالتفافية، بعد ظهور ما يسمى "الاستيطان الرعوي"، الذي يهدف للتمدّد على ما تبقّى من أراضي الفلسطينيين بالضفة الغربية المحتلة، والسيطرة عليها لصالح المشاريع الاستيطانية، التي باتت رقعتها تتّسع لتهويد أجزاء واسعة من المدن والقرى الفلسطينية تمهيداً لتنفيذ مخطط الضمّ الإسرائيلي.

وفي العقد الأول للاحتلال، عملت حكومات حزب العمل بموجب "خطة الون"، على بناء مستوطنات في مناطق ذات "أهمية أمنية"، فيها كثافة سكانية فلسطينية منخفضة، مثل غور الأردن، وأجزاء من جبال الخليل، والقدس وضواحيها، ومع اعتلاء حزب التكتل (الليكود) للحكم، عام 1977، بدأت الحكومة ببناء مستوطنات في جميع أنحاء الضفة الغربية، خاصة في المناطق التي يتركز فيها الفلسطينيون، على قمم الجبال وفي المناطق الواقعة غرب خطّ رام الله-نابلس. هذه السياسة تنبع من دوافع أمنية وأيديولوجية معاً.

وتمنح وزارة الداخلية الإسرائيلية السلطات المحلية في الأراضي المحتلة، والتي يصل عددها إلى 23 سلطة محلية يهودية، منحاً كبيرة، مقارنة بتلك المعطاة للسلطات المحلية داخل إسرائيل، حيث وصل معدل المنحة المعطاة للفرد الذي يسكن في مجلس محلي (يهودي) في الضفة الغربية، عام 2000، أكثر بحوالي 65% من المنحة المعطاة للفرد الذي يعيش ضمن إطار مجلس محلي داخل إسرائيل.

ويحذر البند رقم (49) من اتفاقية جنيف الرابعة والقانون الدولي الإنساني الدولة المحتلة من نقل مواطنيها إلى المناطق التي احتلّتها، إضافة إلى ذلك تنصّ قوانين "لاهاي" على منع الدولة المحتلة من إجراء تغييرات دائمة فى الأراضي المحتلة، باستثناء تغيرات ضرورية لحاجات عسكرية أو لصالح السكان المحليين.

إسرائيل عمدت إلى إعداد مستوطنين، الذين لا تربطهم أيّة علاقة أو صلة بالرعي أو الزراعة، لأداء هذه المهام، من خلال إمدادهم بالآلاف من رؤوس الأغنام والأبقار

وبحسب مركز حقوق الإنسان الإسرائيلي (بتسيلم)؛ يمتدّ عمران المستوطنات اليوم على مساحة 538 ألفاً و127 دونماً، وتشكّل نحو 10% من مساحة الضفة الغربية، يضاف إليها مليون و650 ألفاً و376 دونماً، هي مساحة مناطق نفوذ المجالس الإقليمية للمستوطنات وتشمل براري شاسعة لا تدخل في منطقة عمران أيّ من المستوطنات.

ووفق تقرير المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، لعام 2021؛ فإنّ سلطات الاحتلال فرضت الإغلاق على 35 ألف دونم في الأغوار الشمالية، وقررت حظر استغلالها زراعياً، ومنعت دخول المزارعين إلى هذه المناطق، بعد أن قاموا برش البذار تمهيداً للزراعة الشتوية، وهذه سابقة في قضية إغلاق المناطق عسكرياً من قبل الاحتلال.

وأكد التقرير؛ أن سلطات الاحتلال تضمّ الأغوار فعلياً من خلال وجود تسع معسكرات و26 مستوطنة لا تبقي للمواطنين من أصحاب الأرض الشرعيين سوى 20%، وهذا هو ضمّ فعلي للأغوار، خلافاً لما يتبجح به قادة الاحتلال بأنهم سوف يقومون بالضمّ، في فبركة إعلامية، لأنّ الضمّ قائم بالفعل على أرض الواقع.

وبعد التوقيع على الاتفاقية المرحلية، عام 1995، تسلّمت السلطة الفلسطينية صلاحيات التخطيط والبناء في مناطق "أ" و"ب"، والتي تشكّل حوالي 40% من مساحة الضفة الغربية. على الرغم من أنّ الغالبية العظمى للفلسطينيين تسكن في هاتين المنطقتين، الا أنّ الأراضي الشاغرة للبناء في عشرات القرى والبلدات الفلسطينية في أرجاء الضفة الغربية، موجودة في أطراف هذه البلدان، والمعرّفة بحسب الاتفاقيات بالمنطقة "ج"، وتقع تحت سيطرة أجهزة التخطيط الإسرائيلية.

تهجير السكان قسراً

بدوره، يقول رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، الوزير وليد عساف، في حديثه لـ "حفريات": "الاستيطان الرعوي يتمثّل في تجنيد مجموعات من المستوطنين للعمل كرعاة، وذلك بهدف السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي والدنمات الزراعية، في المواقع الإستراتيجية التي تربط المستوطنات ببعضها، بغرض الاستحواذ على المراعي التي يمتلكها الفلسطينيون لطردهم وتهجيرهم من تلك المناطق بالقوة"، مبيناً أنّ "هذا الاستيطان يتركز على قمم الجبال، وعلى السفوح الشرقية للضفة الغربية المطلة على نهر الأردن".

 وليد عساف

وتابع بأنّ "وحدة الاستيطان في وزارة الزراعة الإسرائيلية عمدت إلى إعداد هؤلاء المستوطنين، الذين لا تربطهم أيّة علاقة أو صلة بالرعي أو الزراعة، لأداء هذه المهام، من خلال إمدادهم بالآلاف من رؤوس الأغنام والأبقار، للاستيلاء على الأراضي تحت حماية واسعة من الجيش الصهيوني".

وبيّن عساف؛ أنّ "الاستيطان الرعوي هو جزء من عملية التهجير القسري التي تتبعها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وهي مقدمة للسيطرة والاستيلاء على المناطق المصنفة (ج)، وطرد الفلسطينيين الرعاة من هذه المناطق، التي تشكل 28% من مساحة الأغوار الفلسطينية، من خلال هدم المنازل، ومنع السكان من الحصول على خدمات الكهرباء والمياه والصحة والتعليم، حيث لا يعترف الاحتلال بهذه القرى، ويحاول جاهداً السيطرة عليها، وتهجير سكانها قسراً".

استيطان مختلف

وأكد عساف: أنّ "الأهداف الأخرى لهذا النوع من الاستيطان، هي: زرع المستوطنات الإسرائيلية في المناطق المشرفة على خطوط المواصلات الرئيسة والمناطق ذات الأهمية العسكرية، وتشجيع المستوطنين على السكن فيها، بعد تقديم الامتيازات المختلفة لهم، إضافة إلى السيطرة على الأراضي الواسعة، لتضييق الخناق على السكان الفلسطينيين، خصوصاً البدو منهم، والذين يعتادون على نمط الحياة الرعوية، للوصول إلى ضمّ منطقة الأغوار كاملة تحت السيطرة الصهيونية".

مدير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مراد شتيوي لـ"حفريات": الاستيطان الرعوي هو واحد من أربع وسائل تلجأ إليها سلطات الاحتلال الإسرائيلي للسيطرة على الأرض الفلسطينية

ولفت إلى أنّ "الاستيطان الرعوي يختلف عن غيره من أشكال الاستيطان المختلفة؛ إذ يقوم على بناء المستوطنات وزرع المستوطنين داخلها، في حين يبقى هذا النوع من الاستيطان محدوداً في مساحته وسيطرته على الأرض"، مشيراً إلى أنّ "هناك صعوبة إسرائيلية في جلب المستوطنين إلى المستوطنات الواقعة في مناطق الأغوار على وجه التحديد، حيث لا يتعدى عدد المستوطنين فيها 12 ألف مستوطن على مدار 53 عاماً، بالرغم من كافة الامتيازات والإغراءات التي تقدمها الحكومة الإسرائيلية لهم، للانتقال للاستيطان في هذه المنطقة".

وبسؤال الوزير الفلسطيني عمّا هو المطلوب للجم هذه الاعتداءات ومواجهتها، بيّن عساف أنّ "الأمر يتوقف على ضرورة إسقاط مشروع التهجير القسري الذي تتبعه دولة الاحتلال، وكذلك تعزيز صمود الفلسطينيين في هذه المناطق، مع توفير كافة الخدمات الأساسية اللازمة لهم، من مياه وصحة وتعليم وكهرباء وغيرها، إضافة إلى مواجهة عمليات الاستيطان بالمقاومة الشعبية، والتي نجحت في تحقيق أهدافها عدة مرات، وصولاً للضغط السياسي الذي تقوم به القيادة الفلسطينية على المستوى الدولي لمواجهة خطة الضمّ وصفقة القرن".

فرض واقع استعماري على الأرض

ويرى مدير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في شمال الضفة الغربية، مراد شتيوي؛ أنّ "الاستيطان الرعوي هو واحد من أربع وسائل تلجأ إليها السلطات الإسرائيلية للسيطرة على الأرض الفلسطينية، من خلال الاستيلاء على الأراضي باعتبارها مناطق تدريب عسكري، وأراضي دولة، أو مناطق أثرية ومحميات طبيعية، وأخيراً السيطرة تحت مسمى الاستيطان الرعوي".

 مراد شتيوي

ويضيف شتيوي، في حديثه لـ "حفريات": "المستوطنات الرعوية تنتشر بشكل رئيس في مناطق وقرى الأغوار الوسطى والشمالية، وفي بعض المناطق في الضفة الغربية المحتلة، وتتمّ السيطرة على آلاف الدونمات بمنطق القوة والعربدة الصهيونية، وذلك من خلال منع الرعاة الفلسطينيين من الوصول إلى مصادر الريّ وينابيع المياه لسقاية الماشية وريّ المزروعات".

وأوضح "وفي طريقة خبيثة لإلحاق الضرر بالرعاة الفلسطينيين، وتهديد مصدر رزقهم الوحيد، وطردهم من هذه المناطق، تلجأ مجموعات من المستوطنين لرشّ المزروعات بالمبيدات الحشرية لقتل أكبر عدد من رؤوس الماشية، وذلك تماشياً مع إستراتيجية الاحتلال في فصل مناطق شمال ووسط وجنوب الضفة عن بعضها، من أجل فرض واقع استعماري على الأرض، للمحافظة على ديموغرافيا وجغرافيا المستوطنات الصهيونية".

ولفت شتيوي إلى أنّ "الاحتلال يهدف إلى تهجير السكان الفلسطينيين، تحديداً في مناطق الأغوار، قسراً، والسيطرة على هذه المنطقة، لمنع إقامة أيّة دولة فلسطينية مع جوارها العربي، كونها أيضاً ثاني أكبر حوض مائي في فلسطين، ومنع البناء في هذه المناطق؛ بحجة أنّها مناطق عسكرية مغلقة، لتحقيق الهدف الإسرائيلي، الذي يسعى إليه الاحتلال منذ سنوات، بتحويل مناطق الضفة الغربية إلى "كانتونات" منفصلة جغرافياً عن بعضها".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية