الانحياز الصيني لفلسطين: مبادئ أم مصالح؟

الانحياز الصيني لفلسطين: مبادئ أم مصالح؟

الانحياز الصيني لفلسطين: مبادئ أم مصالح؟


19/11/2023

يرى الأكاديمي والباحث في الشؤون الأمريكية - الآسيوية، جلال بن الحاج رحيم، أنّ السياسة الصينية التي تنحاز إلى الحقّ الفلسطيني، وتدعو إسرائيل إلى وقف استهداف المدنيين وتسميها بقوة احتلال، ليست محبة عاطفية للفلسطينيين، أو موقف أخلاقي مجاني، بل ضمن إستراتيجية شاملة للصراع بين الصين والولايات المتحدة. وأضاف بأنّ الصين تنتقد إسرائيل نكايةً في الولايات المتحدة، أكثر منها عطفاً على الفلسطينيين.

ولم تصرح الصين صراحةً بإدانة حركة حماس، وشددت على أنّ عدم قيام دولة فلسطينية هو السبب الرئيسي في اندلاع أعمال العنف بين الجانبين، ما عرضها لانتقادات من الولايات المتحدة وإسرائيل. وحتى في الاتصال الهاتفي الذي جمع وزيري خارجية الصين وإسرائيل، أدانت بكين استهداف المدنيين بشكل عام.

وخلال اتصال جمع وزير الخارجية الصينية وانغ يي، مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أكد الوزير الصيني على أنّ إسرائيل تجاوزت حدود الدفاع عن النفس. وقال إن بلاده تدين جميع الأعمال التي تستهدف المدنيين، وينبغي على إسرائيل أن تستجيب لنداء الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وألا تلجأ إلى معاقبة سكان غزة.

كما حثت الصين واشنطن على لعب دور فعال لإيقاف الحرب في غزة ودفع عملية السلام بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. ويرى الأكاديمي التونسي، جلال بن الحاج رحيم، بأنّ السياسة الخارجية الصينية تجاه الحرب في غزة تستند على أساس أنّ الولايات المتحدة هي الداعم الأكبر والدائم لإسرائيل، كما أنّها هي المنافس الإستراتيجي للصين، حيث تسعى بكل الطرق السياسية والتجارية والتكنولوجية والاقتصادية والعسكرية وبطريقة غير مباشرة لمنع الصين من الصعود الى مرتبة القوى العظمى.

جلال بن الحاج رحيم: الموقف الصيني ليس محبة بالفلسطينيين

وأضاف رحيم أنّه لذلك تتخذ الصين موقفاً في هذا السياق الذي يعد إستراتيجياً أكثر مما هو مبدئي، موضحاً بأنّ اتخاذ الصين موقفاً ميالاً إلى الفلسطينيين لا ينبع من محبة الفلسطينيين في حد ذاتها، وإنما في إطار سياسي جوستراتيجي، رغم العلاقات التاريخية المبدئية بين الصين والفلسطينيين، منذ لقاء الزعيمين ياسر عرفات وماوتسي تونغ.

ويحلل الباحث في الشؤون الأمريكية - الآسيوية، اتجاهات السياسية الصينية، بأنّها جزء من مرحلة جديدة في العلاقات الدولية ضعفت فيها المواقف المبدئية، وحلت محلها رسم السياسات الخارجية للدول، وخاصة الدول العظمى والفاعلة، وفق طابع براغماتي مصلحي.

حدود الدور الصيني

ويرى الأكاديمي التونسي أنّ الموقف الصيني تجاه غزة ليس بجديد، وإنما ظهر خلال الأعوام الماضية، في الحروب التي شهدها قطاع غزة منذ سيطرة حركة حماس على القطاع في عام 2007. في حرب مايو 2021 نظمت الصين بعد وقف اطلاق النار بشهرين مؤتمراً عن بعد بهدف دفع عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. 

 

دعت الصين ممثلي المفاوضات من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لإجراء مفاوضات مباشرة على أراضيها وعقد مؤتمر دولي للسلام تحت رعاية الأمم المتحدة

 

وزار وزير الخارجية الصيني في يوليو 2021 مصر والجزائر وسوريا، وناقش مع قادة تلك الدول العديد من القضايا الثنائية والإقليمية، ومنها القضية الفلسطينية. عرض الوزير الصيني رؤية بلاده لحلّ القضية الفلسطينية، وقال "لم يتوان الجانب الصيني في الاضطلاع بمسؤوليته في الدفع بإحلال السلام ووقف العنف. في مايو الماضي، اندلع الصراع العنيف بين فلسطين وإسرائيل مرة أخرى. قامت الصين، باعتبارها الرئيس الدوري لمجلس الأمن الدولي، بدفع المجلس لمراجعة القضية الفلسطينية لـخمس مرات حتى صدور البيان الصحفي الرئاسي، وترأستُ شخصياً على هامشه جلسة علنية طارئة للمجلس، حيث دعوتُ وزراء خارجية الدول الأعضاء للبحث معا عن سبل استعادة السلام."

بعد حرب مايو 2021 استضافت بكين للمرة الرابعة ندوة الشخصيات الفلسطينية والإسرائيلية المحبة للسلام، ودعت الجانبين إلى التسامح وضبط النفس ورفض العنف والتطرف وتقوية معسكر السلام وحشد القوة لإحلال السلام.

نجحت بكين في رعاية مفاوضات السعودية وإيران

أما عن رؤية الصين للدفع نحو الحلّ السياسي، فتقوم على ثلاث نقاط؛ تعزيز نفوذ السلطة الوطنية الفلسطينية بشكل فعال، ودعم الفصائل الفلسطينية لتعزيز التضامن وتحقيق المصالحة الداخلية، وتشجيع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على استئناف مفاوضات السلام على أساس حلّ الدولتين. كما دعت الصين ممثلي المفاوضات من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لإجراء مفاوضات مباشرة على أراضيها، وعقد مؤتمر دولي للسلام تحت رعاية الأمم المتحدة وبمشاركة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي والأطراف المعنية بعملية السلام في الشرق الأوسط، لمضاعفة الجهود الرامية إلى حل هذه القضية التاريخية العالقة بشكل حقيقي، بحسب بيان صيني.

انطلاقاً من تلك السياسة، جدد وزير الخارجية الصيني وانغ يي، دعم بلاده لعقد مؤتمر سلام دولي واسع النطاق في أقرب وقت ممكن لدفع القضية الفلسطينية مرة أخرى نحو حل الدولتين.

أوراق بكين الإقليمية

يرى الأكاديمي والباحث في الشؤون الأمريكية - الآسيوية، جلال بن الحاج رحيم، بأنّ الصين تريد أن تلعب دوراً محورياً في قضايا الشرق الأوسط؛ كونها منطقة نفوذ أمريكي، كما أنّها منطقة مهمة للغاية في الحاضر والمستقبل، في إطار سعي الصين وروسيا لتكوين وبلورة نظام عالمي، على حساب الولايات المتحدة والغرب بشكل عام.

كما لفت إلى أنّ الصين حاولت الضغط على الولايات المتحدة بكل الطرق لتسمح لها بدور معين حتى لو دور دبلوماسي صغير، للضغط على إسرائيل، لأنّها لا تملك أوراق ضغط فاعلة. بخلاف ذلك، تملك الصين الكثير من أوراق الضغط على إيران، الداعم الأول للجماعات المسلحة التي تواجه إسرائيل، وهم؛ حزب الله وحركة حماس وحركة الجهاد، وغير ذلك من الجماعات المسلحة في المنطقة المرتبطة بإيران.

 

الأكاديمي التونسي جلال بن الحاج رحيم لـ"حفريات": الصين تنتقد إسرائيل نكايةً بالولايات المتحدة أكثر منها عطفاً على الفلسطينيين، فالمصالح لدى بكين تعلو على المبادىء

 

ويشير الأكاديمي التونسي، إلى أنّ الصين لعبت دوراً فاعلاً في الشرق الأوسط، على حساب الولايات المتحدة، بعد نجاحها في رعاية الاتفاق السعودي – الإيراني، وهي تريد استثمار هذا النجاح لمشاركة أوسع في القضية الفلسطينية. من جانب آخر تعتبر الصين الشريك الإستراتيجي الثاني لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، لكن تل أبيب لن تُقدم على إغضاب حليفها الأساسي والدائم، الولايات المتحدة.

ويذهب الأكاديمي التونسي، إلى أنّ الصين تتشجع على الرغبة في لعب دور فاعل في المنطقة، مستندة على علاقاتها القوية جداً مع السعودية وإيران، وعلاقاتها مع مصر، كما أنّها تحظى بتأييد ودعم روسي للعب مثل هذا الدور. 

لقاء الرئيس الصيني ونتنياهو

أما عن الموقف الأمريكي من المسعى الصيني، فيؤكد الأكاديمي التونسي، على أنّه من البديهي ألا تسمح واشنطن للصين ببناء نفوذ في المنطقة، وستعرقل أي دور لها في الشرق الأوسط بصفة عامة، مثلما تعمل على عرقلة صعودها كدولة عظمى وفاعلة، ومنافس إستراتيجي في أي مكان في العالم.

بشكل عام تريد الصين تسوية النزاعات في منطقة الشرق الأوسط، للحفاظ على مصالحها الاقتصادية، إذ تعتبر الشريك التجاري الأول للدول العربية، بحجم تبادل تجاري بلغ 431.4 مليار دولار في عام 2022، وبلغ حجم تبادلها التجاري مع إسرائيل نحو 22 مليار دولار في عام 2022.

يذكر أن الصين لم تطبع علاقاتها مع إسرائيل بشكل رسمي حتى عام 1992، وكان من المقرر أن يسافر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الصين في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، لكن الزيارة تأجلت بسبب اندلاع الحرب في غزة.

مواضيع ذات صلة:

بعد تطور العلاقات مع الصين... هل تتخلى دول الخليج عن الولايات المتحدة؟

لماذا كشفت الصين عن استراتيجيتها الرقمية عالمياً؟

محللون سعوديون وعرب يقدمون لـ"حفريات" تصورهم للصعود السعودي الصيني



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية