البرهان وحميدتي إلى طاولة حوار... والشعب السوداني إلى كارثة إنسانية

البرهان وحميدتي إلى طاولة حوار... والشعب السوداني إلى كارثة إنسانية

البرهان وحميدتي إلى طاولة حوار... والشعب السوداني إلى كارثة إنسانية


02/05/2023

بينما تقضي حربهما، التي اختارا لها مركز العاصمة الخرطوم ميداناً، على أخضر ويابس السودان، وتجعل من مواطنيه أهدافاً لنيران طيران الجيش السوداني ومدفعية قوات الدعم السريع؛ ما يزال الطرفان يتحدثان عن التزامهما بالعملية السياسية وتسليم السلطة لحكومة مدنية، الأمر الذي لم يكن يستدعي الذهاب إلى حرب ضروس، بل التوقيع على الاتفاق السياسي الذي كان مطروحاً وقتها، قبيل الحرب بلحظات.

الآن، وبعد تفاقم الوضع الإنساني في السودان، وافق قائدا الجيش والدعم السريع على إيفاد ممثل لكلّ طرف منهما إلى مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، تلبية لمبادرة أمريكية سعودية لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب والجلوس إلى طاولة حوار والتوصل إلى حلول عبر المفاوضات.

بدون تفاصيل

إلى الآن لم يُعلن رسمياً عن تفاصيل مبادرة واشنطن والرياض، لكنّ مراقبين سودانيين مقرّبين من طرفيّ الصراع يرجحون أنّها مبنية على (3) مراحل؛  تبدأ  بوقف دائم لإطلاق النار تحت رقابة دولية، ثم جلوس الطرفين إلى التفاوض، دون شروط مسبقة، للحوار حول: كيفية ومدة دمج قوات الدعم السريع في الجيش وآلية تحقيق ذلك وكلّ ما يترتب عليه.

أمّا في المرحلة الثالثة، فستنضم القوى المدنية لإبرام اتفاق سياسي نهائي، يقضي بتكوين حكومة مدنية، وخروج الجيش من المشهد وإعادته إلى ثكناته.

فرص نجاح المبادرة

المبادرة الأمريكية السعودية تمتلك أدوات ضغط على الطرفين أكثر ممّا لدى الثلاثية التي لا تمتلك غير التنديد بالعنف والدعوة إلى الحوار، لكن يمكن لواشنطن فرض عقوبات قاسية على الطرفين، ووضع الجنرالين على قائمتها السوداء والحجز على أموالهما وحجر حركتهما، وبالتالي شلّ قدراتهما على الاستمرار في الحرب وفي المناورات السياسية أيضاً، وإجبارهما على التنازل عن السلطة بإتاحة الفضاء العام للقوى المدنية والثورية للضغط عليهما عبر المظاهرات والاعتصامات والآليات المدنية الأخرى التي تم إسقاط نظام عمر البشير بوساطتها، كما تم إجهاض انقلاب 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، وشل حركته إلى حدّ عجزه عن تكوين حكومة وبلوغه حدّ افتعال حرب أهلية بين مكوّنيه (الجيش والدعم السريع)، كما أنّ الإدارة الأمريكية حذّرت بأنّها ستعمل على معاقبة من يقف في طريق التحول الديمقراطي في السودان.

 تفاقم الوضع الإنساني في السودان

بطبيعة الحال، فإنّ المبادرة الأمريكية السعودية لا تتعارض مع المبادرات الأخرى كمبادرة (إيغاد)، وإنّما تصبان في (محيط) واحد، وتحتويان على البنود نفسها تقريباً، فقط ما يميّز المبادرة الأمريكية السعودية هو أنّ إمكانية قبول الطرفين بها والاستجابة لها متوفر أكثر، بحكم أنّ طرفيها يمتلكان أدوات الضغط على طرفيّ النزاع.

انفتاح على الحوار

وفي السياق، أشار خالد عمر يوسف، القيادي بالمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، وزير شؤون مجلس الوزراء السابق، والمتحدث الرسمي باسم العملية السياسية، في تغريدة له على (تويتر)، إلى موافقة البرهان وحميدتي على الجلوس المباشر على طاولة حوار خارج السودان، وأنّ ذلك ربّما يحدث خلال (48) ساعة، وكشف عن إتاحة قناة اتصال بين الطرفين، وأضاف: يتوقع أن يتم الاتفاق على وقف فوري ودائم لإطلاق النار، وإخلاء الأحياء السكنية في العاصمة والمدن الأخرى والمرافق العامة من المظاهر العسكرية، وصولاً إلى الجلوس مع المدنيين لمواصلة التفاوض حول تسليم السلطة لحكومة مدنية انتقالية.

وافق قائدا الجيش والدعم السريع على إيفاد ممثل لكلّ طرف منهما إلى مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، تلبية لمبادرة أمريكية سعودية لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب والجلوس إلى طاولة حوار والتوصل إلى حلول عبر المفاوضات

إلى ذلك كشفت تسريبات متطابقة أنّ الجيش السوداني سمّى اللواء أبو بكر فقيري موفداً وممثلاً له إلى المفاوضات التي يتوقع أن تلتئم بمدينة جدة خلال الأيام المقبلة، وسمّت قوات الدعم السريع العميد موسى عثمان ممثلاً لها.

يأتي ذلك عقب تصريحات مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرتس السبت الماضي أنّ الطرفين المتحاربين في البلاد منفتحان بشكل أكبر على المفاوضات.

كارثة إنسانية محدقة

ومع تزايد المخاوف من حدوث كارثة إنسانية، شدد المجتمع الدولي والإقليمي على ضرورة الضغط على طرفي النزاع وإجبارهما على وقف الحرب والجلوس إلى مفاوضات، وكشف مسؤولون في برنامج الأغذية العالمي أنّ عدد السودانيين الذين يعانون من الجوع سيرتفع  من نحو (16) مليون شخص قبل اندلاع المواجهات إلى ثلثي سكان البلاد الذين يُقدّر عددهم بحوالي (40) مليوناً.

وقال مسؤولون أمميون: إنّ ملايين الأشخاص في السودان سيجدون أنفسهم في مواجهة كارثة إنسانية كاملة، جرّاء النزاع بين القوات المسلحة والمجموعة شبه العسكرية التابعة لقوات الدعم السريع.

 تزايد المخاوف من حدوث كارثة إنسانية

وخلال إحاطة بمقر الأمم المتحدة في جنيف، قال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية: إنّ (16) مليون شخص في السودان، أي ثلث السكان، بحاجة إلى المساعدة، و(3.7) ملايين، معظمهم من إقليم دارفور غرب البلاد، نزحوا من منازلهم نتيجة أعمال العنف التي بدأت في 15 نيسان (أبريل) الماضي.

صورة الخرطوم

وحذّر منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة من أنّ الوضع الإنساني في السودان على وشك الانهيار، بعد أسبوعين من اندلاع الاشتباكات في الخرطوم ومناطق أخرى، وأضاف مارتن غريفيث: أصبحت السلع الأساسية لبقاء الناس شحيحة في المراكز الحضرية الأشدّ تضرراً، وخاصة الخرطوم. وتكافح الأسر للحصول على المياه والغذاء والوقود والسلع الأساسية الأخرى. وارتفعت تكلفة النقل من المناطق الأكثر تضرراً بشكل كبير، ممّا جعل الفئات الأكثر ضعفاً غير قادرة على الوصول إلى مناطق أكثر أماناً".

وقال غريفيث: إنّ الوصول إلى الرعاية الصحية العاجلة -بما في ذلك للمصابين في أعمال العنف- مقيد بشدة، ممّا يزيد من مخاطر حالات الوفاة التي يمكن الوقاية منها.

المبادرة الأمريكية السعودية تمتلك أدوات ضغط على الطرفين أكثر ممّا لدى الثلاثية التي لا تمتلك غير التنديد بالعنف والدعوة إلى الحوار

وحذّر وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية أيضاً من الآثار الكارثية التي تلحق بالصحة النفسية، وخاصة بالنسبة إلى الأطفال والشباب. وأشار المسؤول الأممي إلى أنّ الأمم المتحدة وشركاءها يبذلون قصارى جهدهم لاستعادة جهود الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في البلاد، مشيراً إلى أنّ النهب المكثف لمكاتب ومستودعات المنظمات الإنسانية قد تسبّب في استنفاد معظم الإمدادات.

وقال غريفيث: "نحن نستكشف طرقاً عاجلة لجلب وتوزيع إمدادات إضافية"، وأفاد بوصول شحنة تحتوي على (5) حاويات من السوائل الوريدية وإمدادات الطوارئ الأخرى إلى ميناء بورتسودان، في انتظار الموافقة عليها من قبل السلطات، مشيراً إلى فرار عشرات الآلاف من الأشخاص من السودان بحثاً عن الأمان في جمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد ومصر وإثيوبيا وليبيا وجنوب السودان، وتتم استضافتهم غالباً بوساطة المجتمعات الضعيفة أصلاً.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية