التطرّف العنيف أساس عمل الجماعات الإسلاموية.. كيف؟

التطرّف العنيف أساس عمل الجماعات الإسلاموية.. كيف؟

التطرّف العنيف أساس عمل الجماعات الإسلاموية.. كيف؟


01/04/2024

مجموعة من المعتقدات أو المبادئ التي تتميز بالتطرف، والتي تدعو في كثير من الأحيان إلى اتخاذ تدابير عنيفة لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو اجتماعية محددة، تشير إليها الأيديولوجية المتطرفة، والتي تعدّ ظاهرة معقدة ومتعددة الأوجه، وتساهم عوامل مختلفة في ظهورها واستمرارها.

وتتمثل هذه العوامل في التلقين الأيديولوجي عبر تفسير متشدد للإسلام، وتفسير النصوص عبر فقرات معينة لتبرير مواقفها الأيديولوجية، فضلاً عن العولمة والتكنولوجيا والدعم الخارجي، إلى جانب الاستقطاب من خلال خلق واستغلال الانقسامات داخل المجتمع.

مجموعة المعتقدات والمبادئ هذه سلط عليها المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات الضوء في دراسة عنوانها "التطرف ـ الأيديولوجية أساس عمل الجماعات الإسلاموية المتطرفة" لجاسم محمد الباحث في الأمن الدولي والإرهاب و رئيس المركز الأوروبي ECCI.

الدعاية ووسائل الإعلام للترويج للأيديولوجية المتطرفة

الدراسة أكدت أنّ الجماعات الإسلاموية المتطرفة اعتمدت بشكل كبير على الدعاية ووسائل الإعلام للترويج لأيديولوجياتهم المتطرفة وتجنيد أعضاء جدد من أجل التجنيد؛ إذ تعمل الدعاية كأداة قوية لجذب مجندين جدد للانضمام إلى التنظيم ومن خلال الرسائل المصممة بعناية، فإنها تجذب الأفراد الذين قد يشعرون بالتهميش أو خيبة الأمل أو البحث عن هدف.

كما تعمل هذه الجماعات على الانتشار؛ فقد استفاد كل من داعش والقاعدة من المنصات الإعلامية الحديثة، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، لنشر دعايتهم على مستوى العالم وهذا يسمح لهم بالوصول إلى جمهور واسع وممارسة التأثير عليها.

الجماعات الإسلاموية المتطرفة اعتمدت بشكل كبير على الدعاية ووسائل الإعلام للترويج لأيديولوجياتهم

إلى جانب ذلك تحاول الجماعة تنفيذ الهجمات الإرهابية؛ فغالبًا ما تمجد الدعاية أعمال الإرهاب وتحتفل بالأفراد الذين ينفذونها، وهذا يمكن أن يلهم المهاجمين المنفردين أو الخلايا الصغيرة للقيام بهجماتهم الخاصة باسم الأيديولوجية.

هذه الجماعات تضع نفسها أيضاً كمدافع عن الكيانات؛ وذلك من خلال إنتاج دعاية منتجة ببراعة، إذ تهدف إلى تصوير نفسها على أنّها كيانات شرعية ذات أيديولوجية متماسكة وبنية حكم. وهذا يمكن أن يجذب المتعاطفين والتبرعات من الأفراد الذين يعتبرونها بديلاً قابلاً للتطبيق للأنظمة الحالية.

 

“الجهاد” الذي غالباً ما تفسره الجماعات المتطرفة على أنّه حرب مقدسة هو مفهوم مركزي في أيديولوجيتها

 

وعادة ما تنطوي الأيديولوجيات المتطرفة على الالتزام الصارم بمذاهب أو أيديولوجيات معينة، ورفض التسوية أو الاعتدال، وفي كثير من الأحيان شيطنة المعارضين المتصورين. ويمكن لهذه الأيديولوجيات أن تظهر في أشكال مختلفة.

أهم الخصائص للتطرف الديني

من خصائص التطرف الديني، ذكرت الدراسة مسألة التفسير الخاطيء للنصوص، وقالت إنّه غالبًا ما يفسر المتطرفون النصوص والمذاهب الدينية بطريقة حرفية ومطلقة، ويرفضون التفسيرات التي تختلف عن تفسيراتهم.

كما ذكرت مسألة التعصب؛ حيث يُظهر المتطرفون عادة عدم التسامح تجاه أولئك الذين لديهم معتقدات أو تفسيرات دينية مختلفة، وغالباً ما ينظرون إليهم على أنهم أعداء أو” كفار”.

إلى ذلك العنف، الذي يلجأ له بعض المتطرفين كوسيلة لتعزيز معتقداتهم أو للقضاء على التهديدات المتصورة لأيديولوجيتهم. ويمكن أن يتراوح هذا العنف من العنف اللفظي والترهيب إلى الهجمات الإرهابية والتكفير والعمل المسلح.

ورفض الديمقراطيات؛ إذ غالباً ما يرفض المتطرفون القيم والمعايير والمؤسسات الحديثة، ويعتبرونها غير متوافقة مع نظرتهم الدينية للعالم. وقد يسعون إلى إنشاء مجتمع تحكمه قوانين دينية صارمة “الخلافة الإسلامية” وإن كانت مؤجلة مثل مايحدث عند جماعات الإسلام السياسي.

إلى جانب الصرامة والمركزية، حيث تظهر الجماعات المتطرفة اتجاهات استبدادية، مع تسلسلات هرمية صارمة وسيطرة مركزية.

يُظهر المتطرفون عادة عدم التسامح تجاه أولئك الذين لديهم معتقدات أو تفسيرات دينية مختلفة

فضلاً عن التكفير؛ وهو ممارسة إعلان مسلمين آخرين أو حتى مجتمعات إسلامية بأكملها كافرة وهذا يمكنهم من تبرير العنف ضد أولئك الذين يعتبرونهم مرتدين أو أعداء للإسلام، حتى لو كانوا إخوانهم المسلمين.

كما أشارت الدراسة إلى “الجهاد”، الذي غالباً ما تفسره الجماعات المتطرفة على أنّه حرب مقدسة، هو مفهوم مركزي في أيديولوجيتها، وهم ينظرون إلى الكفاح المسلح باعتباره وسيلة مشروعة للدفاع عن الإسلام ونشره، بما في ذلك من خلال الأعمال الإرهابية التي تستهدف المدنيين.

والجهاد العالمي؛ فبعض الجماعات الإسلامية المتطرفة تتبنى “جهادية” عالمية، تهدف إلى الإطاحة بما تعتبره أنظمة فاسدة أو مرتدة وإقامة ما يسمى بالخلافة الإسلامية عابرة للحدود.

 

تلتزم بعض الجماعات المتطرفة بالتفسيرات “السلفية الجهادية” والتي تؤكد على العودة إلى الممارسات الإسلامية المبكرة وترفض الاجتهادات التي أدخلت في فترات لاحقة

 

هذا وتلتزم بعض الجماعات المتطرفة بالتفسيرات “السلفية الجهادية”، والتي تؤكد على العودة إلى الممارسات الإسلامية المبكرة وترفض الاجتهادات التي أدخلت في فترات لاحقة. هذه الأيديولوجيات كانت مؤثرة في تشكيل النظرة العالمية للعديد من الجماعات الإسلاموية المتطرفة.

والتفسير الخاطئ “للجهاد”؛ إذ غالبًا ما تشوه الجماعات الإسلاموية المتطرفة مفهوم “الجهاد”، وتصوره في المقام الأول على أنّه حرب عنيفة بدلاً من المفهوم الإسلامي الأوسع المتمثل في الجهاد في سبيل الله.  ويعمل هذا التفسير الخاطئ على تبرير أعمال الإرهاب والعنف باسم الدين. ومن المهم أن نلاحظ أنّ تفسير الجماعات الإسلاموية المتطرفة للإسلام محل خلاف كبير ورفض من قبل الغالبية العظمى من المسلمين في جميع أنحاء العالم. 

ويدين العديد من العلماء والمجتمعات الإسلامية هذه الجماعات لتشويهها التعاليم الإسلامية وإلحاق الأذى بالمسلمين وغير المسلمين على حد سواء.

الدراسة ذكرت أيضاً "الإسلام السياسي"، وأكدت أنّ الجماعات الإسلاموية المتطرفة تسعى إلى إقامة دول إسلامية تحكمها تفسيراتها للشريعة الإسلامية. حتى أنّهم يرفضون الحكم العلماني ويدافعون عن تطبيق نسختهم من الحكم الإسلامي في كل من الدولة والمجتمع.

أهمية المعالجات الفكرية مع الجماعات الإسلاموية المتطرفة

المواجهة الفكرية مع الجماعات الإسلامية المتطرفة لها أهمية لعدة أسباب، ذكرت منهم الدراسة؛ التحدي الذي يواجه الأسس الأيديولوجية، وأكدت أنّه غالباً ما تتلاعب الجماعات الإسلاموية المتطرفة بالنصوص والمذاهب الدينية لتبرير أعمالها العنيفة. وتتضمن المواجهة الفكرية إجراء فحص نقدي لهذه التفسيرات وتقديم مفاهيم بديلة للمبادئ الإسلامية التي تعزز السلام والتسامح والتعايش.

كما ذكرت محاربة التطرف، إذ توفر المشاركة الفكرية فرصة لتحدي ودحض الخطابات المتطرفة التي قد يكون لها صدى لدى الأفراد الضعفاء المعرضين للتطرف. ومن خلال تقديم وجهات نظر بديلة وفضح الأيديولوجيات المتطرفة، يمكن أن يساعد في منع الأفراد من الانجرار إلى التطرف العنيف.

هذا إلى جانب حماية حقوق الإنسان، خصوصاً أنّ الأيديولوجيات الإسلاموية المتطرفة كثيراً ما تدعو إلى قمع حقوق الإنسان، وخاصة بالنسبة للفئات المهمشة والنساء. وتساعد المواجهة الفكرية في الدفاع عن هذه الحقوق من خلال الترويج لتفسيرات الإسلام التي تدعم مبادئ المساواة والعدالة والحرية.

وتعزيز التعددية والتنوع؛ ذلك أنّ المشاركة في النقاش الفكري يعزز بيئة من التعددية حيث يتم احترام وتقدير وجهات النظر المتنوعة داخل الإسلام. وتقوض هذه الشمولية الخطاب التفردي المثير للانقسام الذي تروج له الجماعات المتطرفة، مما يعزز مجتمعاً أكثر تماسكاً.

هذا وتتيح المواجهة الفكرية إجراء فحص أعمق للعوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتاريخية التي تساهم في ظهور الأيديولوجيات المتطرفة. ومن خلال فهم هذه الأسباب الجذرية ومعالجتها، يمكن أن تكون الجهود المبذولة لمكافحة التطرف أكثر فعالية واستدامة.

ومن خلال تمكين الأفراد بالمعرفة ومهارات التفكير النقدي، تبني المواجهة الفكرية القدرة على الصمود داخل المجتمعات ضد الدعاية المتطرفة وتكتيكات التجنيد. فهو يزود الأفراد بالتعرف على الأيديولوجيات المتطرفة ورفضها، وبالتالي تقليل تعرض المجتمعات للتطرف.

إلى ذلك، تعدّ المشاركة الفكرية تشجع الحوار والنقاش البناء بين وجهات النظر الدينية والثقافية والأيديولوجية المختلفة. ويعزز هذا الحوار التفاهم والاحترام المتبادل، ومواجهة الخطاب الاستقطابي الذي يغذي الخطابات المتطرفة.

الدراسة خلصت إلى أنّ المواجهة الفكرية مع الجماعات الإسلاموية المتطرفة ضرورية لمواجهة أيديولوجياتها، ومنع التطرف، وحماية حقوق الإنسان، وتعزيز التنوع، ومعالجة الأسباب الجذرية للتطرف، وبناء القدرة على الصمود في المجتمعات، وتعزيز الحوار والتفاهم، مشدّدة على أنّه نهج متعدد الأوجه يتطلب التعاون بين علماء الدين والأكاديميين وصانعي السياسات ومنظمات المجتمع المدني والمجتمعات لتحدي الخطابات المتطرفة وتقويضها بشكل فعال.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية