الثورة المستمرة: الحركة النسوية في إيران

الثورة المستمرة: الحركة النسوية في إيران

الثورة المستمرة: الحركة النسوية في إيران


04/10/2022

سارة ماجد

منذ فرض الحجاب الإلزامي على الإيرانيات عقب الثورة الإسلامية، وجب على الإيرانيات ارتداء غطاء الرأس والملابس الطويلة والواسعة، ويُترك للشرطة الدينية في الشوارع مساحة واسعة لتحديد ما إذا كانت ملابس المرأة مقبولة أم تجب معاقبتها. تشمل العقوبات اعتقال النساء وحبسهن لمدد قد تصل إلى شهرين، وغرامة تبلغ نحو 25 دولارًا أمريكيًا، أو إجبارهن على التوقيع على تعهدات بعدم انتهاك قواعد المظهر الإسلامي.

من هنا، فإن تحايل النساء على هذا الزي وزحزحة الحجاب أو تقصير طول المعطف هو عملٌ سياسي بالأساس ووسيلة لتحدي سلطة الدولة واستعادة ملكية الفرد على جسده. وهو أمر تعيه كثير من الناشطات الإيرانيات في حراكهن الأخير، مثل الإيرانية الأمريكية المحجبة هدى كاتبي، التي تفرق بين سياق حرق الحجاب كرمز للقمع الحكومي في إيران من قبل النساء الإيرانيات، وحرقه في الهند مثلًا من قبل متطرفين معادين للمسلمين.

بدأت الحركة النسوية الإيرانية في التبلور في بدايات القرن العشرين كمثيلاتها في المنطقة، ومرت بمراحل ازدهار ومراحل قمع في فترتي حكم رضا بهلوي وابنه محمد رضا بهلوي نتيجة التقلبات السياسية والاجتماعية. والحركة النسوية الإيرانية بعد الثورة الإسلامية هي امتداد للإرث الذي بدأ مع بداية القرن، ولكن زاد من قوة دفعها الإجراءات والقوانين الراديكالية تجاه النساء التي أقرها نظام الثورة الإسلامية.

تنوعات الحركة النسوية الإيرانية

تشمل الحركة النسوية الإيرانية نسويات إسلاميات وعلمانيات، تتقاطع أهدافهن في مناطق عدة وتتباعد في أخرى. النسويات الإسلاميات يعتقدن في الإصلاح القانوني والاجتماعي في إطار التعاليم الإسلامية أو الشريعة، ويؤمن بأن الطبيعة الديناميكية للشريعة تسمح بمساحة واسعة من التغيير، عن طريق تمحيص النصوص المقدسة في الإسلام والموروثات الفقهية. أي أن المرجعية القيمية الإسلامية قائمة وكذلك ثوابت العقيدة مع تبني منظور نقدي تحليلي للخطابات والعلوم الدينية.

أما النسويات العلمانيات فمرجعيتهن هي حقوق الإنسان العالمية والحقوق المدنية، مع اعتقادهن بأن الأسلمة هي السبب الرئيسي في تهميش المرأة في إيران، وأنه حتى لو اعترف الفقه بالتأثير الإصلاحي للتأويل النسوي للنصوص المقدسة، فإن هذا يتطلب قطيعة جذرية مع الأسس الفقهية التي تؤسس للتراتبية بين الجنسين.

ومن دلائل ريادة التجربة النسوية الإيرانية أن أول ظهور لمفهوم النسوية الإسلامية – سواء السنية أو الشيعية – كان على يد الإيرانيات في تسعينيات القرن الماضي، وبعدها تبلور المفهوم أكثر على يد الأكاديميات المسلمات من ماليزيا للمغرب مرورًا بمصر وإيران.

من أهم المشروعات الفكرية التي جذرت النسوية الإسلامية في إيران في بداية التسعينيات كانت مجلة «زنان» النسائية. ركزت زنان على هموم المرأة الإيرانية من وجهة نظر إسلامية. ونظرّت الكاتبات في المجلة لرسوخ مبدأ المساواة بين الجنسين في قيم الإسلام وأن العلوم الدينية التي تطورت على مرّ مئات السنين هي التي سلبت المسلمات هذا الحق، وطالبوا بالإصلاحات التشريعية داخل الإطار الإسلامي. غطت المجلة أيضًا مواضيع كالعنف المنزلي وانتشار الجراحات التجميلية في إيران.

في يناير/كانون الثاني 2008، أغلق النظام الإيراني في عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد المجلة بحجة أنها تتسبب في «تعريض الصحة الروحية والعقلية والفكرية لقرائها للخطر، وتهديد الأمن النفسي للمجتمع». صدرت المجلة مرة أخرى في 2014 ولكن سرعان ما تم إغلاقها بحكم قضائي عام 2015 بتهمة خدش الحياء العام. تركت المجلة أثرًا فكريًا أسهم في التنظير للمدرسة النسوية الإسلامية في كل العالم الإسلامي.

إذًا، فتقسيم الإيرانيات إلى علمانيات متحايلات على الزي الإجباري، وأصوليات «مشودرات» – مرتديات للزي الإسلامي الإيراني – ومؤيدات لسياسات الدولة تجاه النساء هو تسطيح مخل. للشادور حضور قوي في الحركة النسوية الإيرانية، ومن داخل النظام نفسه.

نسويات من داخل الثورة

أعظم طلقاني (1943 -2019) مثالًا، هي رئيسة جمعية نساء الثورة الإسلامية في إيران وعضوة في البرلمان الإيراني، ومدافعة شرسة عن حقوق النساء من داخل النظام. تقدمت طلقاني بأوراق ترشحها لرئاسة الجمهورية عام 2001 و 2009 ولكن تم رفضها من قبل مجلس صيانة الدستور الإيراني كما هو متوقع.

فائزة وفاطمة هاشمي رفسنجاني، ابنتا الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني، مثال حي أيضًا على ذلك. لطالما كانت السيدتان ناشطتين في مجال حقوق المرأة، إضافة للنشاط السياسي، حيث كانت فائزة عضوة في مجلس الشورى الإسلامي، وحُكم عليها بالسجن ستة أشهر في سجن «إيفين» لمشاركتها في مظاهرات 2009 بعد إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد. وصحيح أن فاطمة لم تشغل منصبًا حكوميًا، وتعمل بدلاً من ذلك في الأعمال الخيرية، إلا أنها معارضة صريحة للسياسات المتشددة.

زهرة رهنورد، سياسة وأكاديمية إيرانية، من أوائل الثوار ضد الشاه. في السنوات الأخيرة من حكم الشاه، كانت قريبة من علي شريعتي، واعتبرت لاحقًا من النسويات الإسلاميات، ومع فرض الحجاب الإجباري كانت من المعارضات له، فأشد المؤيدات للثورة الإيرانية ومبادئها شعرن بالخذلان بعد استتباب الوضع لها.

النظام والنساء: علاقة معقدة

عندما حشد آية الله الخميني المؤيدين، دعا النساء ليكن جزءًا من الثورة وشجعهن على القيام بدور نشط في الاحتجاجات ووعد بفرص أكبر لهن في ظل حكومة ديمقراطية، فكانت تعبئة النساء عاملاً أساسيًا في بناء قاعدة دعم للثورة. ولكن القرارات الصادمة التي أعقبت الثورة صدّرت لهن إحساسًا بأنهن لم يكن سوى أداة للحشد سرعان ما تم الاستغناء عنها. أُجبرت النساء على ترك وظائفهن وحدثت رد في مكتسبات قوانين الأسرة وسن الزواج التي تم إقرارها قبل الثورة وعزلت القاضيات وتم حظر تعيينهم مجددًا.

ولكن سرعان ما لجأت الحكومة مرة أخرى للنساء لخفض معدلات المواليد بعد انتهاء حرب الخليج الأولى مع العراق (1980-1988) من أجل تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد، ومن هنا بدأت النساء في كسب أرض جديدة للتمكين. انخفض معدل المواليد لنسب أقل من نسب زمن الشاه، وانتعشت الرعاية الصحية الإنجابية للنساء في الريف، ونتج عن سياسات الدولة في هذه الفترة دخول النساء بأعداد كبيرة في التعليم العالي، فتمثل النساء الآن ما يقرب من 50% من حاملي البكالوريوس، و27% من حاملي الماجستير، و24% من حاملي الدكتوراة. ارتفع سن الزواج مرة أخرى من 9 سنوات إلى 13 سنة. نمت المكاسب في التعليم وتنظيم الأسرة مع استقرار الاقتصاد وأصبح الطيف السياسي أكثر مرونة.

شهدت رئاسة هاشمي رفسنجاني (1989- 1997) تحولًا نحو مزيد من الحريات، وخفف خليفته محمد خاتمي الأمور أكثر (1997-2005). تم تخفيف القيود على الملبس في الممارسة العملية إن لم يكن على الورق، ودافع خاتمي عن مزيد من الحريات للمرأة. في خلال هذه الفترات، تمكنت النساء من العودة إلى القوى العاملة بأعداد أكبر، والتغيير التدريجي في الظروف الثقافية التي أبقتهن في المجال الخاص، وبدأن في حشد الدعم للحركات النسوية.

في عام 2006، قامت الصحفيتان والناشطتان نوشين أحمدي خرساني وبارفين أردلان والقاضية المبعدة والمحامية الحاصلة على جائزة نوبل للسلام شيرين عبادي – وهن محسوبات على التيار العلماني – بحملة لجمع مليون توقيع على عريضة تطالب بإنهاء القوانين التمييزية ضد المرأة. ودعت إلى المساواة في الحقوق بين الرجال والنساء فيما يتعلق بالزواج وقانون الميراث والقانون الجنائي والطلاق.

كان الإنجاز الأكبر للحملة هو قدرتها على جذب النساء من جميع الأطياف والخلفيات الدينية والاجتماعية واستمرت لمدة خمس سنوات على الرغم من الحكم على أردلان وخرساني، إلى جانب مشاركين آخرين، بالسجن لثلاث سنوات. أسهمت الحملة في النهاية في إقرار البرلمان لقوانين أعطت للمرأة حق الميراث في ممتلكات أزواجهن من الأراضي وأعطت النساء ضحايا حوادث الطرق الحق في الحصول على نفس مبلغ «الدية» مثل الرجال. كما منع البرلمان إقرار قانون حماية الأسرة، الذي كان سيُلزم المرأة بدفع ضريبة على المهر لخطيبها ويسمح للرجال بالتعدد دون موافقة الزوجة الأولى.

الحجاب الإلزامي في إيران هو أحد القيود العديدة الموضوعة على النساء الإيرانيات، التي تتحكم في قدرتهن على التصرف في أجسادهن وعلى اختياراتهن في الحياة بشكل عام، وفي هذا السياق هو أداة من أدوات السلطة في التحكم في الناس وعزل النساء عن المجال العام. ما زالت النساء الإيرانيات في حراك مستمر، والاحتجاجات المشتعلة لمقتل مهسا أميني هي حلقة في سلسلة من الكفاح من أجل تمكين النساء والمساواة، قد يكون الحجاب الإجباري أحد أهم دوافعها، لكنه بالتأكيد ليس الهدف الوحيد.

عن "إضاءات"

الصفحة الرئيسية