الجزيرة الإنجليزية تنفرد بفتنة أردوغانية عن أقلية الترك في اليونان

الجزيرة الإنجليزية تنفرد بفتنة أردوغانية عن أقلية الترك في اليونان


27/04/2020

“جوزيف غوبلز كان سيفخر بهذا”، رد ساخر لأحد المتابعين اليونانيين على الفيلم الوثائقي الذي بثته شبكة الجزيرة، عن اضطهاد الأقلية التركية في منطقة تراقيا اليونانية، معتبرا أنه أقرب إلى الدعاية النازية، منه إلى تقرير موضوعي بتجاهله أهم المعايير الصحافية.

ويسرد فيلم “تراقيا الغربية، الجزيرة المتنازع عليها: الأتراك في شمال شرق اليونان”، الذي بث على “الجزيرة الإنجليزية” في وقت سابق من هذا الشهر، تفاصيل عن الهوية والثقافة التركية لسكان المنطقة، وإصرارهم على التمسك بعاداتهم وتقاليدهم الأصلية، بدءا من اللغة التركية والموسيقى إلى الرقصات الشعبية والأغاني، مرفقة بشهادات لشخصيات معروفة بدعمها للحكومة التركية.

لكن ما كشفه المتابعون من أهالي المنطقة ووسائل الإعلام اليونانية، كان وجها آخر تماما للقصة، أغفلته أو أخفته شبكة الجزيرة ويتماشى مع تقارير سابقة لوكالة الأناضول التركية تدور في نفس السياق الذي أوردته الجزيرة.

ويستند الفيلم في فكرته الأساسية على معلومة زائفة وهي أن غالبية أهل المنطقة هم من الأقلية التركية، بحسب ما أكدت تقارير إخبارية، فمنطقة غرب تراقيا التي يتحدث عنها التقرير، تضم عددا كبيرا من المسلمين، بينما الأتراك هم أقلية ضمنهم، وذكرت صحيفة “غريك سيتي تايمز” اليونانية؛ أن “هناك العديد من اليونانيين المسلمين، وهناك أيضاً المعروفون باسم ‘البوماك’ أو (المُسلمين الروما أو البلغار)، ولكنّ قناة الجزيرة تجاهلت تلك الحقائق لخدمة أجندة أنقرة ضد اليونان”.

وشددت الصحيفة، “رغم أنّ هناك العديد من المسلمين في تراقيا الغربية، لكنّ هذا لا يجعلهم أتراك عرقياً بشكل تلقائي”، كما أن الجزيرة عرضت تقاليد وممارسات لأقليات وعرقيات أخرى، ونسبتها للأتراك.

بدوره، أكد أحد المتابعين اليونانيين على يوتيوب ويدعى ستافروس نياركوس ما جاء في الصحيفة، وكتب، أن “الجزيرة المملوكة للحكومة القطرية تلقي الآن محاضرات حول حقوق الإنسان. صحيح أن الهوية العرقية والهوية الدينية شيئان مختلفان، لكن الحقيقة هي أن جزءًا فقط من هؤلاء الأشخاص يمكنهم القول أنهم أتراك، أما الباقون فهم بوماك وغجر”.

وأضاف أن اليونان وتركيا لم تعترفا أبداً بهذه الأقليات على أساس الهوية العرقية بل على أساس ديني. وأضاف أعتقد أن أولئك الذين يشعرون أنهم أتراك يجب أن يذهبوا إلى تركيا لأن السبب الوحيد لاستضافتهم في اليونان كان مقابل السماح لترك اليونان من الروم الأرثوذكس البقاء في تركيا. ونظرًا لأن تركيا لم تلتزم من جانبها بالاتفاق وقامت باضطهاد الأقلية اليونانية التي اختفت تقريبا حتى عام 2000 فقط ومن بقي منهم معظمهم من كبار السن. يجب على اليونان ببساطة سحب الجنسية من هذه المجموعة وطردهم حتى يعيش نفس عدد اليونانيين في تركيا كما يعيش الأتراك في اليونان. هذا هو العدل”.

ويبدو من ردود الفعل تجاه التقرير، أن الجزيرة القطرية قد أثارت الغضب والفتنة بين اليونانيين والأقلية التركية، خصوصا في هذا الوقت الذي يشهد فيه البلدان توترا متزايدا بسبب اللاجئين، وتبين فيه أنها انحازت للدعاية التركية بإخفاء حقائق وتزييف أخرى بشكل جلي.

وأوضح الكاتب اليوناني كوستاس كارايسكوس، في مقال نشره موقع أحوال تركية، أنّ تقرير شبكة الجزيرة القطرية مضلل ومعيب وتخلى عن أدنى درجات الموضوعية وقدم فقط الرواية التركية عن المنطقة.

وكشف أن طاقم العمل المكون من ثلاثة أفراد لم يكن يملك ترخيصا للتصوير الخارجي، ولا إذن باستخدام درون، (التصوير بطائرة درون يحتاج إلى ترخيص في كل أنحاء العالم)، كما قاموا بتصوير وجوه ولوحات أرقام سيارات ضباط الشرطة، وكانوا غير مبالين عمومًا بالاعتبارات الأخلاقية.

وسرد الكاتب اليوناني أكثر الانتهاكات الواضحة والأفعال غير القانونية التي تم اقترافها في الفيلم المصوّر، أولها أن صانعي الفيلم لم يتحدثوا مع مسيحي يوناني واحد أو حتى مع أي من أعضاء البرلمان من الجالية المسلمة.

وهناك العديد من النواب الحاليين والسابقين ورؤساء البلديات والمستشارين الذين كان بإمكانهم تقديم وجهة نظر متوازنة، ولكن لم يتم سؤال أحدهم عن الوضع الحالي في تراقيا اليونانية. بل تم الاستشهاد فقط بأولئك الذين وجهوا الاتهامات إلى اليونان، ويعملون لصالح تركيا في المنطقة.

وأشار كارايسكوس أن من بين الأشخاص الذين تمت مقابلتهم، هؤلاء الذين ينتمون للنقابات التركية غير القانونية والناشرين المتحيزين والصحافيين ورئيس حزب الصداقة والمساواة والسلام الموالي لتركيا، وجمعية “بيكيم” الثقافية للأقليات التي تشوّه اليونان باستمرار، وإبراهيم شريف، الذي تولى دور زعيم ديني دون إذن من الحكومة.

وقدم الفيلم صورة خاطئة تمامًا عن الأقلية المسلمة في اليونان باعتبارها مهمشة، دون تصريح واحد من أي مسلم في منصب رسمي، ولم يكن هناك أي إشارة إلى التدابير الإيجابية، بما في ذلك في مجالي العمل والتعليم، التي توفرها الدولة اليونانية لمسلمي تراقيا.

واستفز الفيلم منذ البداية اليونانيين، بصورة هادئة لرجل مسن يجلس في أحد المقاهي في قرية يسكنها أقلية مع صورة تجمع أفراد حزب الفجر الذهبي اليميني المتطرف، وهم يحملون المشاعل واللافتات. للإيحاء بأن الأقلية تتعرض لتهديد من حركة يمينية قوية.

ويوضح كارايسكوس بأن هذا يستبعد الحقائق المهمة التي تفيد بأن حزب الفجر الذهبي غير ذي أهمية من الناحية الانتخابية، وأنه لم يضر أبدًا بأعضاء الأقلية. وتصوير الفيلم لتاريخ المنطقة كان مبسّطاً ومُسيّساً، موحيا أن ثقافة الحكام العثمانيين السابقين في المنطقة، والذين غادروا قبل قرن، هي المهيمنة منذ عام 1300. ولم يكن هناك ذكر عن الآلاف من السنوات التي ربطت منطقة تراقيا بالعالم اليوناني.

كما يعرض الفيلم معلومات مضللة عن مدارس الأقليات. ويزعم أن السلطات أغلقت خمس من هذه المدارس العام الماضي، ليصل المجموع إلى 65 مدرسة في السنوات الثماني الماضية. وأخفى التقرير أن المدارس في جميع أنحاء البلاد قد أغلقت لأسباب اقتصادية، ولم يذكر أن أطفال المدارس سيتم نقلهم إلى مدارس أقلية أكبر وأفضل تجهيزًا على حساب الدولة اليونانية. ولكن بدلاً من ذلك، يعرض الفيلم المضلل أن أطفال الأقليات يتم إدراجهم في مدارس التعليم العام.

ويذهب الفيلم إلى سياق أوسع ويشير إلى قضية قبرص باعتبارها قضية مناسبة تشير إلى تصلب الموقف اليوناني تجاه الأقليات. ويتحدث زوراً عن أعمال شغب طائفية في الجزيرة أثارت الغزو التركي في عام 1974 بعد الإطاحة بالرئيس القبرصي السابق، مكاريوس الثالث في انقلاب.

وأخيرًا، يقول مقدمو البرنامج إن الشرطة السرية اليونانية كانت تراقبهم باستمرار وتم القبض عليهم في نهاية الأمر واحتجازهم. لكنهم لم يذكروا أن هذا لم يحدث في تراقيا، ولكنه في جزيرة كوس التي تضم مركزا للاجئين، حيث تم القبض عليهم وهم يصورون في مناطق ممنوعة في محاولة منهم لإظهار ما أسموه بالأتراك المضطهدين.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية